محتويات
الوصيّة ومشروعيتها
الوصية هي تمليك مؤجل إلى ما بعد الموت عن طريق التبرع، سواء كان ذلك في الممتلكات العينية أو النقدية، والوصية مشروعيتها ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، والأدلة على ذلك كثيرة، فقد قال تعالى: [كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ][١]، وقد قال عبد الله ابن عباس -رضي الله عنهما- بأن المقصود بكلمة خيرًا في الآية هو المال، وأن المقصود بحضور الموت هو حضور أسبابه وعلاماته كالأمراض والعلل، وأيضا من النصوص التي دلت على مشروعية الوصية قوله تعالى في توزيع الميراث والتركة: [مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ][٢]، وقد جعلت هذه النصوص الصريحة الوصية حقًا مقدمًا على توزيع الميراث وقضاء الدين، فدل ذلك على مشروعية الوصية.[٣]
طريقة كتابة الوصيّة
تكون الوصية حسب الصيغة التالية: يقول بعد حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله الكريم: هذا ما أوصى به فلان بن فلان وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأنَّ الجنَّة حقٌّ، وأن النار حق، وأن الساعة لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، أوصي أولادي وأهلي وأقاربي وجميع المسلمين بتقوى الله عز وجل، وأوصيهم بما وصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: [وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ][٤]. وأوصي بتسديد ما علي من دين - إن كان عليه دين -، وإن أراد أن يقول: وأن يخرج من مالي ثلثه أو أي مبلغ ما دون الثلث لشخص أو أشخاص يذكرهم، أو صدقة جارية، ويذكر من يكون ولي أولاده القصر إن كان لديه، ليحفظ لهم حقهم من التركة حتى يبلغوا، ثم يوصي بما شاء من وصايا دينية واجتماعية، وأن يكون غسله ودفنه وما يتبع ذلك على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينهي الوصية بالدعاء لنفسه بالمغفرة والرحمة ودخول الجنة، وعليه إشهاد رجلين عدلين على وصيته، ويجب أن تكون الوصية بخط واضح وصيغة مختصرة ومفهومة لا تحتمل الشك أو سوء الفهم.[٥]
حكم كتابة الوصيّة
تجب الوصية على المسلم إذا كان عليه حقوق لله تعالى لم يوفها بعد، كالنذر والزكاة، والحج، ونحوها، أو إذا كان عليه ديون للخلق من أموال وغيرها، أو إذا كان له ديون على الناس لم يعفهم منها، وتكون الوصية مستحبة لمن عنده سعة من المال وأراد أن يوصي بجزء منه، لينفق في أعمال الخير، ويكون له صدقة جارية بعد وفاته، والوصية في هذه الحالة لها شرطان: الأول: أن لا تتجاوز ثلث ما يملك الموصي لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. والشرط الثاني: أن تكون لغير الورثة، لأنه لا وصية لوارث، وتحرم الوصية في ما يخالف شرع الله، كأن يوصي أهله بالنياحة عليه، أو بقطع رحمه، أو الإضرار بالمسلمين، أو الانتقام من شخص، أو أن يوصي ببناء ملهى، وغير ذلك، فمن فعل شيئًا من ذلك فإنها لا تصح وصيته ولا تنفذ.[٦]
من أحكام الوصيّة
من أحكام الوصية في الإسلام ما يلي:[٧]
- أنها لا تجوز في الأمور المبتدعة وفي المحرمات كالوصية ببناء الأضرحة، أو الوصية بالنياحة والبناء على القبور وتحديد الدفن في مسجد أو في بيت خاص، كل ذلك من الوصايا التي لا يجوز تنفيذها.
- أنها لا يجب أن تتجاوز ثلث المال لمن كان له ورثة لأن ما زاد على الثلث حق للورثة، لكن تجوز الوصية بأكثر من الثلث بل بكل المال لمن ليس له وارث، لأن المال هنا لم يتعلق به حق وارث، فذلك كما لو تصدق بكل ماله في حال صحته.
- أنها لا تصح لأحد من الورثة، بمعنى أنك لا توصي لشخص له حق في الميراث.
- أنها لا تنفذ إلا بعد وفاة الموصي، ولهذا قال العلماء: تبطل الوصية بتراجع الموصـي عنها قبل موته، لقول عمر رضي الله عنه: (يغير الرجل ما شاء في وصيته) فيحق للموصي أن يغير ويبدل في وصيته كما شاء حال حياته.
- أنه قبل تنفيذ الوصية يخرج الواجب في تركة الميت من الديون والواجبات الشرعية أولًا فيبدأ بالدين ثم بعد الديون الوصية ثم الإرث.
- أن الوصية تجوز للحمل الذي في البطن إذا كان وجوده مؤكدًا، ولا تجوز الوصية لحمل غير موجود، كأن يقول: أوصي لمن ستحمل به هذه المرأة بعد سنتين؛ لأنها وصية لمعدوم.
- أنه لو أوصى الشخص بثلث ماله، وجمع مالًا بعد الوصية، دخل المال الجديد في الوصية لأن الثلث يحتسب عند الموت في المال الموجود حينه، نذكر مثالًا للتوضيح: رجل يملك مليون دينار فأوصى بثلثها لجهات خيرية، وقبل وفاته زادت ثروته وأصبح المليون خمسة ملايين فالثلث يحتسب من الخمسة ملايين لا من المليون.
فوائد الوصيّة والحكمة من مشروعيتها
توجد عدة فوائد للوصيّة وحكم من مشروعيّتها، منها:[٦]
- تشجيع للتبرع والصدقة، وإشاعة ذلك في المجتمع، إذ تنتقل أخبار الوصية وما وصّى بها بعد فترة من وفاته، فيتنافس النّاس في ذلك، فنجد إنسانًا أوصى لمسجد، وآخر لمدرسة وغيره لمشفى، وهكذا.
- طمأنينة للإنسان على سير الأمور بعده بعد وفاته، وخاصة فيما يتعلق بالحقوق والواجبات.
- تدارك الإنسان لما فاته من بعض التصرفات التي يثاب على فعلها في حياته، بالوصية بتنفيذها بعد وفاته.
- فيها إبراء لذمة الموصي مما يستجد من أمور لورثته من بعده أيًا كانت هذه الأمور.
- امتداد الأجر بها بعد الموت، كما لو أوصى بعمل خير دائم، كالصدقة الجاريّة كتعمير أو بناء مسجد، أو التبرع بكتب العلم.
- حفظ لحقوق النّاس، كأن يوصي بسداد الدين بعد موته، ففيها براءة ذمّة المدين من الدائن.
- تأسٍّ بيعقوب عليه السلام في وصيته لأبنائه من بعده بضرورة محافظتهم على عقيدة التوحيد وعبادتهم لله وحده، فقد عُدّت من خير الوصايا، وهذا هو الجانب المعنوي الهام في الوصيّة.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 180.
- ↑ سورة النساء، آية: 12.
- ↑ " الوصية في الإسلام"، khutabaa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-2-13. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 132.
- ↑ "حكم الوصية ونصها الشرعي"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 2020-2-13. بتصرّف.
- ^ أ ب د. أمين بن عبد الله الشقاوي (2017-7-25)، "نموذج كتابة الوصية الشرعية"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 2020-2-13. بتصرّف.
- ↑ فيصل بن عبدالرحمن الشدي، "الوصية"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 2020-2-13. بتصرّف.