الحج
يُعدّ الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو من أفضل القربات إلى الله تعالى، وأجلّ الطاعات التي يرجى منها غفران الذنوب؛ فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيّ الأعمال أفضل فقال: [إيمَانٌ باللَّهِ ورَسولِهِ قيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قالَ: جِهَادٌ في سَبيلِ اللَّهِ قيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ][١].
فإذا أدى الحاج أعمال الحج ولم يرفث ولم يفسق، غُفرت جميع ذنوبه وعاد كيوم ولدته أمه، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: [مَن حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه][٢].وقد فُرض الحج مرة واحده في العمر لمن استطاع إليه سبيلًا.[٣]
والحج هو زيارة البيت الحرام في مكة، وقد جعله الله ليجتمع فيه المسلمون من شتى بقاع الأرض في زمان واحد، وفي مكان واحد، وتلبية واحدة، لتتوحد كلمتهم وليعظم شأنهم في عيون أعدائهم، وقد خص الله الحج بمكة المكرمة فهي أول بيت وضعه الله للناس، ومنها أطلق نور الإسلام، وقال تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}[٤][٣].
يٌشترط لوجوب الحج الإسلام؛ فلا يصح لغير المسلم أن يحج، ولا يحل له دخول مكة، كما يشترط للحج العقل؛ فالإنسان المجنون لا يجب عليه الحج حتى لو كان يملك المال، وأيضا يُشترط للحاج البلوغ، وأن يكون حرًا وقادرًا بماله على الإنفاق على الحج، وبجسده على القيام بمناسك الحج.[٥]
علامات قبول الحج
إنّ قبول الحج وعدمه من أمور الغيب التي لا يعلمها إلّا الله، وقد توجد علامات تدلّ على قبول الحج، ومنها؛ انشراح الصدر، ونور الوجه، وسكينة وسرور القلب، وللطاعات علامات تظهر على ظاهر صاحبها وباطنه، وكذلك من علامات قبول الحسنات أن يوفق الله الإنسان لعمل حسنات أخرى بعدها، وأن يستقيم المسلم فيلتزم بمنهج ربه، ويعود زاهدًا في الدنيا، مقبلًا على الآخرة، وهذا التوفيق دليل على قبول الله تعالى لعمله الأول، فيوفقه لعمل آخر صالح يرضى به عنه[٦].
معنى ذلك أنّ المسلم يعمل الأعمال الصالحة، وهو لا يدري أنّ الله قد قبل منه أم لا،؛ فقد قال ابن عمر -رضي الله عنها- (لو علمت بأن الله قبل مني حسنة واحدة لكان الموت أحب غائب إلي؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[٧]؛ فالإنسان يطلب منه الإكثار من الأعمال الصالحة، ويجتهد فيها حتى يكون موافقًا لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يكون الحاج قد أبرأ ذمته، ويسأل الله القبول.[٨]
كيف يكون حجُّك مبرورًا؟
الحج المبرور هو الحج المقبول عند الله تعالى، وهو الحج الذي تمت أركانه، واستوفى شروطه وواجباته، وكان موافقا لأمر الله تعالى للمكلفين بالحج، ويتفاضل الناس في حجهم بحسب تحقيقهم لتلك الأمور، ويُمكن أن نُلخصها في النقاط التالية:[٩]
- إخلاص النية والعمل لله تعالى؛ فلا يشوب تلك النية أيّ نية فاسدة تُنافي الإخلاص؛ كالرياء والسمعة وحب الثناء، ولا يبتغي في حجه إلّا وجه الله ورضاه، وقد حج الرسول صلى الله عليه وسلم على رَحْلٍ رَثٍّ وقال: [للَّهمَّ حَجَّةٌ لا رياءَ فيها ولا سُمعةَ][١٠]
- أن تكون أعمال الحج موافقَة للسنة النبوية الشريفة، ويتأتى ذلك بتعلم الحاج صفة حجه صلى الله عليه وسلم وقد قال:[لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه].[١١]
- تهيئة النفس والاستعداد للحج، ويكون ذلك بأن يعيد الحاج حقوق الناس، ويتوب توبة نصوحة، ويبحث عن صحبة صالحة، وينفق في حجه من مال حلال طيب، ويبتعد عن الكسب الحرام، ويكثر من أعمال البر والإحسان.
- التحلي بحسن الخلق، وطيب المعشر، وأن يعامل الناس بشتى أنواع البر والإحسان من بذل المال، وحسن الكلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبشاشة الوجه.
- الابتعاد عن المعاصي والإكثار من الطاعات، فقد قال تعالى {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[١٢] وعليه أن يمتنع عن الجدال، والرفث والفسوق، وقال تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[١٣]، ويَلزم الحاج كي يكون حجه مبرورَا، أن يُؤدي الفرائض ويشغل وقته بالذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، وغير ذلك من وجوه الخير، وأن يقف عند حدود الله ومحارمه، ويحفظ جوارحه عمّا لا يحل له.
- استحضار الحاجّ في قلبه حكم وأسرار الحج، وأن يُؤدي المناسك ويتذكر أن الأنبياء من قبله قد مرّوا بها، وأن يرى في الحج صورة تُذكره باجتماع الناس يوم القيامة للحساب.
منافع الحج
يوجد في موسم الحج فوائد جمة، ومنافع دنيوية ودينية، وقال تعالى:{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}[١٤]، والمنافع الدنيوية تكون بالبيع والشراء، وتسويق المنتجات، وكثرة استعمال وسائل النقل، وأرباح أصحاب الحرف المتعلقة بالحجاج، والصدقة على الفقراء وما يدفع لهم من الكفارات والذبائح والهدي، وكذلك التعارف بين المسلمين والتعاون فيما بينهم.[١٥]
أمّا المنافع الدينية التي تعود على الحاج فمنها؛ مغفرة الذنوب، وبه يُهيئ للحاج بداية جديدة في علاقته مع الله تعالى، ويتيح له فرصة التزود من الأعمال الصالحة؛ كالطواف والصلاة في المسجد الحرام، وتحصيل التقوى، وتعلم الصبر، وضبط النفس في التعامل مع الناس، واحتساب الأجر عند الله.[١٦]
مَعْلُومَة
بعد أنّ فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت الحرام، أمره الله تعالى أن يُؤذن للناس بالحج فقال: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[١٧] وقال ابن كثير في تفسيرها: أيّ ناد الناس وادعهم إلى حج البيت الحرام الذي بنيته فقال إبراهيم: رب كيف أبلغ صوتي للناس وصوتي ضعيف لا يصلهم فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام إبراهيم إلى مقامة، وقيل على الصفا، أو على جبل أبي قبيس فقال: يا أيُها الناس إنّ ربكم قد اتخذ بيتَا فحجوه، فبلغ صوته أنحاء الأرض، وسمعه من في الأصلاب والأرحام، فأجابه كل من كُتب له الحج إلى يوم القيامة، وكل ما سمعه من شجر، وحجر، ومدر.[١٨]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1519، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1521، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ^ أ ب "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 96.
- ↑ "الحج (تعريفه - منزلته - حكمه - شروطه) "، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2020. بتصرّف.
- ↑ "علامات قبول الحج"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 1-6-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 27.
- ↑ "حج ولم يرى علامات القبول ؟ "، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2020. بتصرّف.
- ↑ "الحج المبرور وعلامات القبول"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2355، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1297، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ سورة البقرة، آية: 197.
- ↑ سورة البقرة، آية: 197.
- ↑ سورة الحج، آية: 28.
- ↑ "منافع الحج"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2020. بتصرّف.
- ↑ "منافع الحج الدينية والدنيوية"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2020.
- ↑ سورة الحج، آية: 27.
- ↑ "أذان إبراهيم عليه السلام بالحج"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2020.