هل حديث جئتكم بالذبح صحيح؟
حاول المدسوسين وضع الأحاديث المكذوبة بين المسلمين، وصار أغلب النّاس يتوخّون الحذر عند سماع حديث نبوي غريب أو ُمتداول، ولا بُد أنّك قد تتسائل ما إن كان حديث النبي صلّ الله عليه وسلّم "جئتكم بالذبح" صحيح أم لا، إذ بيّن علماء الدّين بعد الاجتهاد والبحث أنّ هذا الحديث صحيح، وهو حديث رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، لكنّه ليس كما حرّفه مٌنظّري العُنف، والذين يحاولون إثبات أنّ الدّين الإسلامي دين السيف والدّماء، ونصّ الحديث على ما يلي:[١]
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: [حضرتهم [أي قريشٌ] وقد اجتمعَ أشرافُهم في الحجرِ فقالوا ما رأينا مثلَ ما صبرنا عليه من هذا الرّجلِ قطُّ سفَّه أحلامَنا وشتمَ آباءَنا وعاب دينَنا وفرَّق جماعتَنا وسبَّ آلهتَنا، لقد صبرنا منه على أمرٍ عظيمٍ أو كما قالوا، قال فبينما هم في ذلك إذ طلعَ عليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأقبل يمشي حتى استقبل الرّكنَ ثم مرَّ بهم طائفًا بالبيتِ فلما مرَّ بهم غمزوه ببعضِ ما يقولُ قال: فعرفت ذلك في وجهِه ثم مضى فلما مرَّ بهم الثانيةَ غمزوه بمثلِها فعرفت ذلك في وجهِه ثم مضَى فلمّا مرَّ بهم الثالثةَ فغمزوه بمثلِها فقال: أتسمعونَ يا معشرَ قريشٍ أما والذي نفسُ محمدٍ بيدِه لقد جئتكم بالذبحِ، فأخذتِ القومَ كلمتُه حتى ما منهم رجلٌ إلا على رأسِه طائرٌ واقعٌ حتى إن أشدَّهم فيه وضاءةً قبلَ ذلك ليرفَؤُه بأحسنِ ما يجدُ من القولِ حتى إنّه ليقولُ انصرفْ يا أبا القاسمِ انصرفْ راشدًا فواللهِ ما كنت جهولاً،
فانصرف رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى إذا كان الغدُ اجتمعوا في الحجرِ وأنا معهم فقال بعضُهم لبعضٍ: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغَكم عنه حتى إذا بادَاكم بما تكرهونَ تركتموه، فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فوثبوا إليه وثبةَ رجلٍ واحدٍ فأطافوا به يقولونَ أنت الذي تقولُ كذا وكذا، لما كان يبلغُهم من عيبِ آلهتِهم ودينِهم قال فيقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نعم أنا الذي أقولُ ذلك قال فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمعِ ردائِه وقام أبو بكرٍ دونَه يقولُ وهو يبكي: أتقتلونَ رجلاً أن يقولَ ربي اللهُ ثم انصرفوا عنه فإنّ ذلك لأشدُّ ما رأيتُ قريشًا بلغت منه قطُّ][٢].
ما شرح حديث جئتكم بالذبح؟
أمّا بالنسبة لتفسير حديث "جئتكم بالذّبح" فقد عُني به الكُفّار المُصرّين على الكُفر بالله تعالى، والمُتسلطّين على النّساء والمؤمنين، فهم المُصرّين على اضطهاد المُستضعفين، ليفتنوا الدّين، ويفرضوا أفكارهم ومبادئهم بالتعذيب والدّم، وهم من أذوا رسول الله عليه السّلام، لما روي عن عبدالله بن عمرو رضي الله أنّه قال: [رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ: "أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ][٣] فكان رد الرّسول صلى الله عليه وسلم أنّ الله تعالى سيريهم عِقابه عاجلًا غير آجل، وطمأن الصحابة قائلًا أنّ الله سيذبح هؤلاء الكُفّار على أيديهم.
أمّا حادثة قول الحديث، فقد ذكره الرّسول عليه السّلام للكُفّار من أهل قريش الذين عذّبوا بلال بن رباح، وطعنوا سُميّة زوجة ياسر وهي عفيفة، وقتلوا ياسر وهو شيخًا كبيرًا، وقتلوا أخيار الخلق المُسلمين، هجّروهم مُعذّبين بدمائهم إلى الحبشة، عدا عن تطاول هؤلاء الكُفّار على الله تعالى، أليس للرّسول عليه السّلام حقًا في وعيدهم؟ أليس من حق العباد أن يتخلصوا منهم؟ ففي بعض الأحيان يحتاج الكافر إلى الوعيد والترهيب والتخويف، إذ نزل الحديث الشريف في الوقت الذي عانى منه المُسلمين من تعذيب هؤلاء الكُفّار.[١]
قد يُهِمَُكَ: تحريف حديث جئتكم بالذبح واستغلاله
يُعد سوء الفهم وتشويه الإسلام في وقتنا هذا من أكبر المُشكلات التي يتعرّض لها هذا الدين الحنيف، إذ حرّف العديد من أعداء الدّين حديث النبي عليه السّلام "جئتكم بالذّبح" واجتزأ الحاقدين هذه الكلمة من نص الحديث، ليُبيّنوا للنّاس أنّ حبيبنا مُحمّد مُحبًّا للقتل والموت، وأنّه سفّاكًا للدّماء، فهذه العبارات خرجت من ألسُن الظّالمين، فلا يجب تصديقهم، لأنّهم يحاولون الكذب على لسان رسول الله، قال تعالى: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَٰسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُۥ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ}[٤]. [١]
استغلّ السُفهاء هذه الكلمات الموجّهة لفئة من كُفّار قريش من الذين سخروا من الرسول عليه السّلام عندما كان يطوف حول الكعبة، وأذوه وهو صابر، عدا عن العذاب الذي ناله المُسلمين حينها، فأراد أن يُخبرهم أنّه سينتصر ويعلوا، فاستوعدهم بالذّبح، إلا أنّ الإسلام أكبر من أن يسعى حول سفك الدّماء، والدّليل أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يقتل يهود بني قيقاع ولم يقتل أسرى الحرب.[٥]
- ^ أ ب ت "هل صح حديث : ( لقد جئتكم بالذبح )، وما توجيه معناه ؟"، الإسلام سؤال وجواب ، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزائد، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:6/18، صرح ابن إسحاق بالسماع , وبقية رجاله رجال الصحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:3678 ، صحيح.
- ↑ سورة الأنعام، آية:147
- ↑ "حديث : " جئتكم بالذبح ""، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020. بتصرّف.