محتويات
المجلس
يمثّل المجلس مكانًا طبيعيًا يجتمع فيه الناس، يتبادلون فيه أحاديثهم وقصصهم فيما بينهم محاولين في ذلك ترفيه أنفسهم وإقامة علاقات التواد والصداقة باستمرار والتواصل والحديث ومبادلة الزيارات، خاصةً في المجتمعات العربية والقروية التي تكثر فيها المناسبات الاجتماعية، ويكون الناس أكثر متانة، فيكون انعقاد مجالس السهر أو الحديث شبه يومي، وذلك لقرب الناس من بعضهم وانتشار مشاعر الألفة بينهم، وهي مجتمعات لجميع الطبقات، وفي هذا المقال بيان كفارة المجلس وسلبياته والأدلة التي تحث على آدابه.[١]
كفارة المجلس
لطالما أوجد الإسلام لكل مشكلة حلًا، ولم يتغاضَ النبي الكريم عن تعليمنا قواعد المجلس كي نتحلى بها ونمارسها في كل مكان ندخله ونجلس فيه مع الناس، إضافة إلى ذلك نهانا النبي عليه الصلاة والسلام عن الصفات المذمومة التي يجب على الإنسان ألا يمارسها لما فيها من مضار كبيرة على الفرد والغير، فلذلك أمرنا النبي الكريم بقراءة دعاء بعد الخروج من المجلس، وذلك كي يحافظ الإنسان على ذكر الله تعالى وعلى حسناته من الضياع وأن يبرّئ ذمته من الآثام التي حصلت في المجلس، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جلس في مجلسٍ فكثُرَ فيه لَغَطُهُ فقال قبلَ أن يَقومَ من مجلسِه ذلك سبحانَك اللهمَّ وبحمدِكَ أشهدُ أن لا إلهَ إلا أنتَ أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ إلا غُفِرَ له ما كان في مجلسِه ذلكَ) [٢]،
إن هذا الحديث الشريف يسعى إلى تطهير ذمة الإنسان من المنكرات الحاصلة، فنجد النبي عليه الصلاة والسلام أكثر حرصًا علينا من أنفسنا، فهو يخشى علينا من صغائر الأمور التي قد تتحول إلى مرض يدمر المجتمع، فالنبي الكريم ينهانا عن الجلوس في مجالس السوء التي يكون فيها فعل المحرمات بينًا، ويأمرنا بالتزام حرمة المجلس، ويحثنا على متابعة المجالس التي يذكر فيها اسم الله، لكن إن صدف وحدث في المجلس لغو، فعلى الإنسان أن يكون حريصًا على نفسه اتجاه علاقته مع ربه، وذلك بأن يتوجه بالاستغفار أولًا، ثم قراءة هذا الدعاء الموصى به من النبي الكريم، لما فيه من خواص تطهر المرء من ذنوبه. [٣]
سلبيات المجلس
إن الناس بطبعهم يحبون خوض الأحاديث مع من يحبون، لذلك نجد أن المجالس المعقودة للرجال والنساء لا تخلو من أحاديث وأفعال سلبية تضر بالحاضرين وغيرهم، فقد يغتاب بعض الناس الآخرين ويحكي قصصًا عنهم، في حين أن البعض الآخر قد يقع في ممارسة الكذب لإضحاك الغير وسرد قصص مكذوبة لتسليتهم، وهذه بعض الآثام التي تقترف في هذه المجالس، ويخرج الناس من مجلسهم وهم لا يعيرونها انتباهًا، ومع العلم هي آثام ليست بالهينة وعلى العبد ألا يتوانى عن الاستغفار بعدها، خاصة بعد الخوض فيما يُدعى بفاكهة المجالس للتسلية وإضاعة الوقت، كالغيبة والنميمة وتعود لأسباب عديدة، مثل ضعف الإيمان وإرضاء الآخرين من الأصحاب والحقد والحسد وعدم اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في آداب المجلس، فكل ذلك يعد آفة مدمرة في منظومة العلاقات الاجتماعية، وبسببها قد تحدث المشكلات والقطيعة وغيرها من الأمور المكروهة، لذلك يجب على الإنسان تجنب الحديث فيها قدر المستطاع، وإن أحس بأنه قاربها، عليه أن يسارع بالاستغفار من الله تعالى، ومن آثار هذه السلبيات؛ إفساد المجالس، وإحباط الأعمال، وأخذ الآثام التي تهوي بصاحب المجلس إلى الهلاك، لأن الله تعالى حذرنا من الغيبة والنميمة، وأن الناس دومًا مترابطون فيما بينهم يعتمدون على مجالسهم ومحاوراتهم دومًا لتقوية الصلات والعلاقات بينهم، فحتى إن كانت العلاقات واسعة يجب أن تقوم على آداب معينة يُلتزم بها من قبل الجميع، لما في ذلك من احترام للذات وللآخر، وتقوية لأواصر المحبة والأخوة التي يقوم عليها المجتمع، ومن آداب المجلس أيضًا حفظ أسرار أهل المجلس، وعدم الانفراد بالحديث، وعدم التفرقة بين اثنين، وتذكير أصحاب المجلس بكفارته والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والحذر من التناجي، ولكن مهما وصل الإنسان إلى مراتب عليا بالخلق فهو معرض للوقوع في الخطأ، فلذلك يجب عليه أن يكفر عن خطأه اتجاه من أساء إليه، فالاعتذار لغة فاضلة لا تقلل من شأن أحد، خاصةً إذا كان هذا الاعتذار موجهًا للخالق سبحانه، فهو غافر لكل ذنب، لكنه سبحانه يأمرنا قدر المستطاع بتجنب هذه المعاصي. [٤]
فضل ذكر الله تعالى في المجالس
فيما يأتي فضل ذكر الله تعالى في المجلس: [٥]
- طرد الشيطان من المجلس.
- تقوية القلب للتمسك بالله عز وجل.
- توريث المحبة بين المسلمين.
- الترقب والاستشعار بالخوف من عظمة الله تعالى.
- القناعة والرضا بما قسمه الله تعالى للعبد، نتيجة الإيمان به.
آداب المجلس
يوجد في الإسلام العديد من آداب المسجد، وفيما يأتي ذكر بعض منها:[٦]
- اختيار المكان المناسب للجلوس، وعدم الجلوس في الطرقات، ولا أبواب السكك، ولا أماكن العبادة وأماكن الراحة.
- إلقاء السلام عند الدخول والخروج.
- اختيار الجلسة المناسبة التي لا محظور فيها، ولا تكشف عورة.
- اختيار الجليس الصالح، والحذر من جليس السوء.
- عدم التفريق بين اثنين إلا من بعد إذنهم.
- عدم الجلوس مكان أحد.
أدلة على آداب المجلس في الإسلام
كرّم الإسلام المجلس بالآداب العديدة التي يجب على المسلم التحلي بها، وقيل عن المجالس الخالية من الآداب بالأغواء والصخب، ومن بعض الأدلة التي ذكرت في القرآن والسنة الإسلامية حول آداب المجالس: [٧][٦]
- فقال صلى الله عليه وسلم: (والَّذي نَفسي بيدِهِ، لا تدخُلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتَّى تحابُّوا، أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحابَبتُمْ ؟ أَفشوا السَّلامَ بينَكُمْ) [٨]
- (كُنَّا في مَجْلِسٍ عِنْدَ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، فأتَى أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ مُغْضَبًا حتَّى وَقَفَ، فَقالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنكُم رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: الاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فإنْ أُذِنَ لَكَ، وإلَّا فَارْجِعْ قالَ أُبَيٌّ: وَما ذَاكَ؟ قالَ: اسْتَأْذَنْتُ علَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ أَمْسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لي فَرَجَعْتُ، ثُمَّ جِئْتُهُ اليومَ فَدَخَلْتُ عليه، فأخْبَرْتُهُ، أَنِّي جِئْتُ أَمْسِ فَسَلَّمْتُ ثَلَاثًا، ثُمَّ انْصَرَفْتُ. قالَ: قدْ سَمِعْنَاكَ وَنَحْنُ حِينَئِذٍ علَى شُغْلٍ، فلوْ ما اسْتَأْذَنْتَ حتَّى يُؤْذَنَ لكَ قالَ: اسْتَأْذَنْتُ كما سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قالَ: فَوَاللَّهِ، لأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ وَبَطْنَكَ، أَوْ لَتَأْتِيَنَّ بمَن يَشْهَدُ لكَ علَى هذا. فَقالَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ: فَوَاللَّهِ، لا يَقُومُ معكَ إلَّا أَحْدَثُنَا سِنًّا، قُمْ، يا أَبَا سَعِيدٍ، فَقُمْتُ حتَّى أَتَيْتُ عُمَرَ، فَقُلتُ: قدْ سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ هذا) [٩]
- قال صلى الله عليه وسلم: (لا يُقِيمَنَّ أحَدُكُمْ أخاهُ، ثُمَّ يَجْلِسُ في مَجْلِسِهِ. وَكانَ ابنُ عُمَرَ، إذا قامَ له رَجُلٌ عن مَجْلِسِهِ، لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ) [١٠]
- (لا يُقِيمَنَّ أحدُكُم الرَّجُلَ من مجلِسِه ثمَّ يجلِسُ فيهِ ، و لكنْ تفسَّحوا و توسَّعوا) [١١]
- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [١٢]
المراجع
- ↑ " آداب المجلس"، moslim، اطّلع عليه بتاريخ 15/10/2019. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن العربي، في عارضة الأحوذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 7/34، صحيح.
- ↑ "دعاء كفارة المجلس "، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 15/10/2019. بتصرّف.
- ↑ "الغيبة (أسبابها - آثارها - علاجها)"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15/10/2019.
- ↑ "فوائد ذكر الله عز وجل"، rslantext، اطّلع عليه بتاريخ 15/10/2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "تذكير الجَالِس والـمُجَالس بآداب المَجْلِسِ والـمُجَالِس", saaid, اطّلع عليه بتاريخ 5/11/2019. بتصرّف.
- ↑ "آداب المجالس في الإسلام"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15/10/2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2992، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2153، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2177، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 869، صحيح.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 11.