عدد اركان الاحسان

عدد اركان الاحسان
عدد اركان الاحسان

مراتب الدين

لديننا الحنيف ثلاث مراتب، وهي الإسلام والإيمان والإحسان، فالإسلام هو المرتبة العامة التي تكون بقول الشهادتين وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والحج لمن استطاع إليه سبيلًا، بالاضافة للقيام بالمباح في الشريعة الإسلامية السمحاء، أما الإيمان فهو الاعتقاد الجازم بستة أركان، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وأخيرًا المرتبة الثالثة وهي الإحسان والذي يعني عبادة الله كأنك تراه فإن لم تراه فهو يراك، فجميع الصالحات التي يؤديها المسلم هي من الإسلام والإيمان، وجمعه بينها ظاهرةً وباطنةً أصبح مسلمًا مؤمنًا، وفي حال عبد الله سبحانه وتعالى كأنه يراه فإن لم يراه فإنه يراه أصبح مسلمًا مؤمنًا محسنًا.[١]


عدد أركان الإحسان

رُوي عن عمر بن الخطاب قوله :[بينما نحن عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم ذاتَ يومٍ إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثيابِ شديدُ سوادِ الشعرِ، لا نرَى عليه أثرَ السفرِ ولا نعرفُه، حتَّى جلس إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم فأسند ركبتَه إلى ركبتِه ووضع كفَّيهِ على فخذِه ثمَّ قال: يا محمدُ أخبرْني عن الإسلامِ، ما الإسلامُ ؟ قال: أنْ تشهدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهَ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ وتقيمَ الصلاةِ وتؤتيَ الزكاةَ وتصومَ رمضانَ وتحجَّ البيتَ إنِ استطعتَ إليه سبيلًا. قال : صدقتَ : قال عمرُ : فعجِبنا له يسألهُ ويصدقُه. فقال : يا محمدُ أخبرني عن الإيمانِ ما الإيمانُ ؟ قال : الإيمانُ أنْ تؤمنَ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخرِ والقدرِ كلِّه خيرِه وشرِّه . قال : صدقتَ . قال : فأخبرني عن الإحسانِ ما الإحسانُ ؟ قال : أنْ تعبدَ اللهَ كأنك تراهُ فإن لم تكنْ تراهُ فإنه يراكَ. فقال : أخبرني عن الساعةِ متى الساعةُ ؟ قال : ما المسؤولُ عنها بأعلمَ من السائلِ . فقال : أخبرني عن أماراتِها. قال : أنْ تلدَ الأمةُ ربَّتها وأنْ ترَى الحفاةَ العراةَ العالةَ رعاءَ الشَّاءِ يتطاولونَ في البناءِ، قال : ثمَّ انطلقَ الرجلُ ، قال عمرُ : فلبثتُ ثلاثًا ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم : يا عمرُ أتدري من السائلُ ؟ قلتُ : اللهُ ورسولُه أعلمُ . قال: فإنه جبريلُ عليه السلامُ أتاكم يعلِّمَكم دينَكم]،[٢]، أما فيما يتعلق بالإحسان في هذا الحديث الذي نزل فيه جبريل يعلم المسلمين دينهم فإنه يمكن استنباط أن للإحسان ركنًا واحدًا فهو كما ذكرنا أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تراه فإنه يراك، بخلاف الإيمان وفيها إشارة إلى أن للإحسان مرتبتين، هما:[٣][٤]

  • المرتبة الأولى: وهي مقام المشاهدة وهو مقام عالٍ لا يصل إليه إلا من كان له قلب سليم ومخلص في عبادته لله تعالى، إذ يعبد العبد خالقه كأنّه متمثّل أمامه ويرافقه في كل سكناته وأعماله، فتكون حياته كلّها قائمة على نور الله الذي ملأ قلبه ووجدانه وكامل كيانه، فأثمرت هذه المشاهدة السكينة والطمأنينة الناتجة عن قرب العبد من الله، وقرب الله من العبد.
  • المرتبة الثانية: وهي مقام المراقبة وهو ما يظهر في شق الحديث الثاني "فإن لم تكن تراه فإنّه يراك"، وقد جاء مقام المراقبة بعد المشاهدة مباشرة، فمن يشاهد نور الله في كل حركاته وسكناته يستشعر رقابته عليه، وأنّ هذه الرقابة ليست عبثيّة وإنما ينتج عنها محاسبة الله تعالى له، إن كان خيرًا فخير، وإن كان سوءًا فإن الجزاء من جنس العمل، وعند بلوغ العبد هذا المقام سيصفو قلبه، ويكف أذاه عن الناس في سرّه وعلانيته، لأن كل عمل يعمله يراقبه الله به ويجازيه عليه.


مفهوم الإحسان

الإحسان في اللغة مصدر أحسن يُحسن إحسانًا، والذي يأتي ضد الإساءة، أما في الشرع فإن الإحسان يُطلق على نوعين، هما:[٤]

  • الإحسان إلى عباد الله وهو على نوعين: الأول هو الإحسان الواجب في القيام بحقوق العباد كصلة الرحم وبر الوالدين، والإحسان إلى البهائم، إذ نقل شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ]،[٥] ويأتي في هذا الباب الإحسان بترك المحرمات ظاهرةً وباطنةً لقوله تعالى:{وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ}[ الأنعام:120]، وكذلك الإحسان في الصبر، والإحسان في معاملة الخلق في إعطائهم حقوقهم، والإحسان الواجب في ولاية الخلق، أما الثاني فهو الإحسان المستحب: وهو ما زاد على الواجب، أي القيام بمجهودات بدنية، مالية وعلمية القصد منها المساعدة فجميعها تدخل في باب الإحسان المستحب، كالإحسان إلى من أساء إليك مصداقًا لقوله تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت:34- 35].
  • الإحسان في عبادة الله، وهو ما يسعى الإنسان للوصول إليه مرضاةً لله، فهو أعلى مراتب الدين، فالمحسنين إلى الله هم من يتقنون عبادة الله، أي الإخلاص فيها والخشوع، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك]،[٦] وقد اُقترن الإحسان بالعديد من الفضائل في أكثر من موضع في القرآن الكريم، إذ قُرن بالإسلام والإيمان والتقوى والجهاد والعمل الصالح والإنفاق، قال الله تعالى:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:112]، وقال أيضًا:{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}[لقمان: 22]، وقال أيضًا:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا} [الكهف:30].


أشكال الإحسان

كما أسلفنا فإن الإحسان يكون إما بالإحسان إلى العبد أو الإحسان إلى الله سبحانه وتعالى، وفيما يأتي بعض من أشكال الإحسان:[٧]

  • الإحسان إلى الوالدين: وهو من الإحسان الواجب على المسلم وليس إحسانًا مستحبًا، بدليل قوله تعالى :{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء:23].
  • الإحسان إلى الأقارب والرحم: فالمسلم يجب أن يُحسن إلى أهله ومن يرتبط بهم بصلة الرحم، بدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
  • الإحسان إلى الجار: يحسن المسلم لجاره ويكرمه، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [مازال جبريلُ يُوصيني بالجارِ حتَّى ظننتُ أنَّه سيُورِّثُه]،[٨] كما أن المسلم يتجنب إيذاء جاره لكمال إيمان امتثالًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ].[٩]
  • الإحسان إلى الفقراء: لا يبخل المسلم بماله على الفقراء، فالفقير يوم القيامة سيشهد بأن فلانًا لم يعطه، وفي عطية الفقراء لا يجوز أن يمن المسلم بالإحسان عليهم، أي يجب أن يكون عمله هذا خالصًا لوجه الله تعالى.
  • الإحسان إلى النفس: يحسن الإنسان لنفسه عندما يبتعد عن الحرام، ويطهر نفسه ويزكيها، مصداقًا لقوله تعالى {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}[الإسراء:7].


المراجع

  1. "مراتب الدين وأركان كل مرتبة"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
  2. رواه ابن منده، في الإيمان لابن منده، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 9.
  3. "الإسلام والإيمان والإحسان"، aljamaa، 5-2-2005، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "المبحث الثالث: مرتبة الإحسان"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم: 1955.
  6. رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 4777.
  7. "أهم 5 معلومات عن الإحسان "، edarabia، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
  8. رواه السيوطي ، في الدر المنثور، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1/590.
  9. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 47.

فيديو ذو صلة :