محتويات
معنى العولمة
جاءت كملة العولمة لتترجم معناها في اللغة الإنجليزية كما هو Globalization، والذي يعني إكساب أي شيء الطابع العالمي، فالأعمال بجميع أشكالها ستأخذ صفة عالمية، وفي ترجمات أخرى كانت بمعنى الكوكبة والكونية، أما في اللغة العربية فكلمة العولمة تولدت من كلمة "عالم"، وفعلها هو عوْلم يُعولم عوْلمة، فالمعاني الإنجليزية أو العربية تعني أن العولمة تهدف لعيش العالم في القرية الكونية، وفي جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والتي ستأخذ الشكل العالمي لها، فالعولمة بمفهومها لا تقتصر على جوانب محلية أو إقليمية، وإنما في العالم بأكمله، ولكن يعدّ الجانب السياسي في العولمة الجانب الأكثر تأثيرًا، وهو الذي يحرك الأشكال الأخرى للعولمة، سواء الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية.
والسؤال المطروح في هذا المقام هو من أين خرجت العولمة وفكرتها، والجواب هو من النظام الرأسمالي، فهو النظام الذي يهدف لدمج الدول حول العالم ببعضها البعض، فأمر الدمج بالنسبة لهذا النظام هام جد، فمن خلاله يمكن للدول الرأسمالية تحسين اقتصادها ورفع مؤشرات النمو لديها، وما هذا التحسن إلا على حساب الدول المُسماة بالدول النامية أو دول العالم الثالث، فكيف للمنتجات أن تدخل في التبادلات التجارية ضمن منظومة العولمة مباشرةً دون التمهيد له من خلال عولمة ثقافة الشعوب، والمحاولة الجادة في تغيير طريقة حياتهم والأنماط الاستهلاكية لديهم، فلا أصناف صناعية يمكن بيعها وتبادلها دون قبول المجتمعات لها، ومما ساعد على وصول العولمة بجميع أشكالها ما حدث من تطور يفوق الخيال في وسائل الاتصال والتواصل، فالعولمة في علم الاجتماع هي ظاهرة استحقت الدراسة والتحليل العميق، وذلك لمعرفة ماهيتها وأهدافها وفوائدها أو مضارها، فالأمر ليس مجرد ظاهرة اجتماعية محلية يعاني منها بلد ما، وإنما ظاهرة تجوب العالم، وتغير من معتقداتهم وتقاليدهم، الأمر الذي أحدث جدلًا وخلافًا حول تعريفها ومدى تعقيدها لما فيها من تداخل أصبح يطال أغلب نشاطات البشر [١][٢].
نظرة الباحثين للعولمة
اتخذ تعريف العولمة جدلًا واسعًا كونها ظاهرة تتبع علم الاجتماع عامةً، ولكنها في حقيقة الأمر من أكثر التعريفات التي لم يتفق عليها الكثير من العلماء حول العالم، فمفهومها غامض إلى حد ما، فالسياسيون ينظرون إلى العولمة من وجهة نظر تختلف عن الاقتصاديين وعن الاجتماعيين، وفيما يأتي طرح بعض وجهات النظر[٣]:
- العولمة في الفهم الاقتصادي: تعدّ العولمة في الفهم الاقتصادي ظاهرة اقتصادية بامتياز، إذ عرفها صندوق النقد الدولي بأنها تعاون اقتصادي يتنامى في دول العالم جميعها، وما يؤدي لذلك الإجراءات التي اتخذتها الدول الرأسمالية الكبرى في زيادة حجم التبادل التجاري بين دول العالم، بالإضافة إلى ضخ رؤوس الأموال الكبيرة لزيادة حجم الاستثمارات في الدول، وفي مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والنمو عرفها أمين المؤتمر، بأنها عملية تُسيّر أصحاب الإنتاج والاستثمار نحو اقتصاد عالمي فيه سوق واحدة، ومنطقة إنتاج واحدة، إذ إن الهدف هو أن تكون هذه المناطق في العالم وكأنها مناطق اقتصادية، لا أن يكون اقتصاد كل دولة على حدة، وعُرفت العولمة من وجهة نظر الاقتصاديين بأنها اندماج الأسواق في العالم بتجارة واستثمارات مباشرة، وبالتالي تنتقل رؤوس الأموال والعناصر البشرية (القوى العاملة) والثقافة والتقنيات في سوق رأسمالي حر، الأمر الذي يقلل من شأن سيادة الدول على مستثمريها.
- العولمة في الفهم الأيدلوجي: إن العولمة في الفهم الأيديولوجي وبالتالي التأثير السياسي تعميم الأنماط الحضارية التي تخص بلدًا ما على دول العالم، فالولايات المتحدة الأمريكية تدعو العالم لتبني وجهة نظرها العلمانية في الحياة، أي أيديولوجيتها، ويعدّ البعض ذلك نوعًا من أنواع الهيمنة على العالم، والأمر في هذه النظرة للعولمة لا يبتعد كثيرًا عن العولمة في المفهوم الاقتصادي، فكيف لدولة كأمريكا أن توجه العالم للانخراط في أيدولوجيتها الفكرية والسياسية دون تأثير اقتصادي مباشر على الدول هنا وهناك، فلا يتأتّى ترويجها لأعداد هائلة من السلع والخدمات دون أن تغير من طريقة تفكير العديد من مجتمعات العالم التي كانت ترفضها سابقًا، وأصبحت اليوم من أساسيات الحياة فيها.
- العولمة في الفهم الاجتماعي: تهدف إلى تداخل الحياة الاجتماعية بين الأمم، وتبادل الخبرات والعادات والتقاليد بشتى أنواعها، فالانماط الاجتماعية تنتقل من الدول المسيطرة بالضرورة للدول المُسيطر عليها، والعكس ليس صحيحًا، وما يثبت ذلك أن التغير في أنماط الحياة في دول العالم الثالث كان بدرجات كبيرة مقارنة بالتغير الذي طرأ على الدول الغربية.
كيفية التعامل مع العولمة
تحتاج الأيديولوجيات التي تنساب إلى الشعوب حول العالم والتي في حقيقتها قد تخالف العديد من المعتقدات الدينية والثقافية والعادات والتقاليد إلى وقفة جادة للتأكد من أهدافها التي تسعى إليها، فالأمة الإسلامية هي الأمة الوحيدة في العالم التي لا بد من أن تنعكس أيديولوجيتها الفكرية على تصرفات أبنائها، وإلا فالعواقب غير محمودة كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فأول الخطوات للتعامل مع هذه الأيديولوجيات كالعولمة هو فهم حيثياتها وتفاصيلها ومعرفة ما فيها من إيجابيات إن وجدت، وما هي سلبياتها والآثار المترتبة على تبنّيها، فالأمة الإسلامية اليوم في حالة تخبط واضح ما بين رافضين، ومشجعين وجاهلين للعولمة، فالبعض يعد أن أسهل الطرق لذلك هو الاستسلام، والأصعب هو تحليلها واستبعاد ما فيها من قضايا منافية للقيم التي يتبناها أي من هذه المجتمعات، فالدول التي تدخل في هذا النظام لا يعني أنها منجرة تمامًا وراء تبني العولمة، فلا مانع من التركيز على القيم والمعايير الأخلاقية في بلادها لمحاربة أي فكرة مسيئة لها، وإجراء الخطوات اللازمة التي من شأنها المحافظة على خصوصية البلد الثقافية بما لا يمنع من الاستفادة من تبادل الخبرات والعلوم التي أصبحت سهلة المنال في ظل التطور التكنولوجي الحاصل [٢].
مواجهة تحديات العولمة
أشار العديد من المحللين والمهتمين أن ثمة أساليب ووسائل يمكن من خلالها مواجهة العولمة، بما فيها من محاذير وفوائد، وذلك بصياغة الإستراتيجيّات التي تؤهلهم للتعامل مع التعقيدات العلمية والتكنولوجية الحديثة، وتحديث المناهج في المدارس والجامعات التي تعيد ملامح الهوية للأجيال القادمة، لا سيما في البلاد العربية التي لا زالت تتمسك بقيمها وضوابطها الفكرية، بالإضافة إلى تعزيز الإعلام ودوره في المجتمعات العربية، وأخيرًا إجراء الدراسات على جوانب العولمة لا سيما العولمة الثقافية، ومعرفة نقاط قوتها وضعفها، فجميع هذه الوسائل من شأنها التحكّم بصمام أمان الأمة العربية في مواجهة أي توجه عالمي أيديولوجي له تأثير مباشر عليها [٤] .
المراجع
- ↑ "تعريف العولمة و أسبابها و كل ما يخصها من إيجابيات و سلبيات"، akhbarak، 3-4-2018، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب علي محمد مقبول الأهدل (13-9-2014)، "العولمة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
- ↑ مبارك عامر بقنه، "مفهوم العولمة ونشأتها"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
- ↑ د. جمال نصار (28-1-2015)، "الهوية الثقافية وتحديات العولمة"، aljazeera، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
