محتويات
مفهوم العولمة الثقافية
يشير مفهوم العولمة الثقافية Cultural Globalization إلى التنقل السريع للأفكار، والقيم، والمعاني، والمنتجات الثقافية عبر الحدود المادية للأمم والدول، ويُمكن القول بأن العولمة الثقافية تهدف إلى تشكيل ثقافة عالمية واحدة، ويعزز هذا الهدف وجود شبكة الإنترنت وأساليب التسويق الترفيهية التي تتبعها العلامات التجارية العالمية، فضلًا عن تشجيع السياحة العالمية التي تتغلب على جدران الثقافات المحلية وأنماط الحياة التقليدية، ولهذا الأمر قدرة على توحيد وعي الناس وأذواقهم وأفكارهم وأنشطتهم اليومية بغض النظر عن مكان تواجدهم في العالم، وقد ساعدت هجرة أو انتقال اللغات والمعتقدات والقيم عبر الغزوات العسكرية والرحلات التبشيرية والتجارية في تسريع وتيرة العولمة الثقافية، وقد ازدادت وتيرة هذه العولمة بفضل التطور الهائل الذي حدث في السنوات الأخيرة، خاصة في مجال التنقل والاتصال.[١]
أهداف العولمة الثقافية
تهدف العولمة الثقافية إلى خلق تجانس في المجتمعات وصهرها في طبقة عالمية واحدة وتهدف لخلق ثقافة عالمية مشتركة بين الجميع، ولقد باتت ملامح هذا الأمر تبرز بوضوح في بلدان العالم كافة؛ إذ بات من الطبيعي رؤية أو سماع الكثير من الناس الذين يُشاهدون نفس البرامج الترفيهية، ويستمعون إلى نفس الموسيقى، ويسعون إلى اقتناء نفس المنتجات أو الماركات العالمية، وربما ارتداء نفس الملابس أيضًا، وتشير هذه الأمور في مجملها إلى تشكل ما يُشبه الثقافة العالمية، التي ستؤدي في المحصلة إلى زوال الجدران الثقافية بين الأمم وجعلها أمة واحدة بالتزامن مع إهمال الفروقات القومية والجغرافية بينها وتدمير الثقافات المحلية والمميزات التي تجعل الأمم مختلفة عن بعضها البعض، وبالنهاية سيؤدي هذا الأمر إلى العيش في عالم بلا حدود ويتأثر بعولمة الاقتصادات ولكن السعي إلى الحفاظ على الروح الثقافة أثار الجدل بهذا الخصوص وظهر على إثره ثلاثة سيناريوهات، هي التمايز الثقافي، والتقارب الثقافي، والتهجين الثقافي.
لكن بالطبع هنالك وجهات نظر أخرى حول الأهداف الممكنة التي يُمكن للعولمة الثقافية تحقيقها؛ ففي حين أن التجانس هو واقع لا محالة، إلا أن آخرين يجادلون بأن الوصول إلى قرية عالمية أمر غير صحيح ولن يتحقق، فالعولمة لن تقضِ على التفاوتات في أساليب حياة الناس ومستويات معيشتهم، وهذا التمايز يبدو واضحًا بين الدول الفقيرة والدول الغنية، إلا أن مفكرين كثر يتحدثون عن إمكانية أن تؤدي العولمة الثقافية إلى تقوية الحسّ القومي بدلًا عن تدميره فهذا التجانس الثقافي هو تجانس سطحي في أساليب الحياة، ويقول مفكرون آخرون إن هنالك فرصة لخلق تجانس وتباعد في نفس الوقت، أو خلق عالم هجين بين الاثنين، وفي هذا العالم سيتم الحفاظ على هوية وثقافة الأمم المحلية لكن بالتزامن مع سريان التجانس الذي تهدف إليه العولمة الثقافية.[٢]
مظاهر العولمة الثقافية
تتلخص أهم المظاهر المرتبطة بالعولمة الثقافية في النقاط التالية:[٣]
- السفر: انخفضت أسعار تذاكر الطيران كثيرًا منذ ستينات القرن الماضي، وهذا أتاح لملايين الناس فرصة السفر إلى أنحاء جديدة من العالم والتعرف على ثقافات جديدة لم يألفوها من قبل، وأدى هذا بطريقة أو بأخرى إلى دفع الفنادق والمطاعم إلى أخذ تدابير لجعل المسافرين يشعرون وكأنهم في بيوتهم، كوضع تلفاز في الغرف الفندقية لبث المحطات العالمية الغربية، وتجهيز الغرف بحمامات ذات طابع غربي، وجعل الطعام غريبًا أيضًا، وغيرها من مظاهر العولمة الثقافية.
- الملابس: انتشرت بدلات الرجال وربطات العنق في العالم وباتت الآن جزءًا أساسيًا من الطبيعة الرسمية للمناسبات والاحتفالات، لكن بالطبع أضيفت بعض اللمسات الثقافية المحلية لهذه البدلات لجعلها مناسبة أكثر لبعض الدول.
- الترفيه: بات التلفاز يعرض الكثير من البرامج التي تركز على طبيعة أو ثقافة الجمال الخاصة بالأمم الغربية ويدفع بالمشاهد إلى تقبل اللمسات الجمالية والجنسية من وجهة نظر أمريكية أو غربية دون المبالاة بالثقافات المحلية، وهذا يظهر بوضوح في أفلام هوليوود.
- الطعام: احتل الطعام مكانة مهمة في نشر العولمة الثقافية منذ أيام الاستيطان والتوسع الأوروبي، وبالإمكان رؤية آثار العولمة الثقافية بوضوح عند النظر إلى سلاسل المطاعم الغربية الشهيرة التي انتشرت في معظم دول العالم، فضلًا عن منتجات المشروبات الغازية، التي أصبحت رمزًا من رموز العولمة بنظر الكثيرين.
- الرياضة: تعدّ الرياضة أيضًا واحدة من مظاهر العولمة الثقافية وباتت واضحة في الأحداث الرياضية العالمية التي يتابعها الناس من شتى أنحاء العالم، مثل كأس العالم والفورمولا 1 وغيرها من الأحداث الشهيرة التي جمعت الناس في وقت واحدة على شاشة واحدة لمتابعة حدث واحد.[١]
- ثقافة الاستهلاك: مع ازدياد مظاهر العولمة الثقافية أصبح هنالك تقارب في أنماط الاستهلاك العالمي، ويظهر ذلك في اقتناء السيارات والسياحة وغيرها من تفاصيل الاستهلاك اليومية، وإذا أردت ملاحظة هذا اذهب لأي دولة حول العالم ولاحظ أنماط الاستهلاك التي تقوم بها أنت وغيرك من السكان، فكلها متشابهة فأصبحت الاحتياجات والمتطلبات واحدة في مختلف أنحاء العالم.[١]
العولمة الثقافية: بين الإيجابيات والسلبيات
بوسعك التعرف أكثر على الإيجابيات والسلبيات التي تحملها العولمة الثقافية على النحو التالي:[٤]
- الإيجابيات:
- توفر إمكانية الوصول إلى منتجات ثقافية جديدة، خاصة فيما يتعلق بالفن، والتعليم، والترفيه.
- تعمق فهم القيم والمبادئ الخاصة بثقافات أخرى وتمحو التصورات السيئة أو غير المقبولة عن هذه الثقافات.
- توفر إمكانية الولوج إلى المعلومات في أي مكان من العالم.
- توفر الفرصة للدفاع عن القيم والمُثل العليا التي يُؤمن بها الأفراد.
- اعتماد أنماط ثقافية جديدة يمكن استيعابها ضمن البيئة المحلية.
- السلبيات:
- نشر ثقافة الاستهلاك القائمة على السلع.
- خطر التجانس الثقافي على الثقافات المحلية وفقدان الثقافات المحلية سماتها الفريد.
- خطر التغريب والغزو الثقافي والإمبريالي.
- انتشار ثقافات العنف المتعلقة ببعض الأيديولوجيات المتطرفة.
قد يُهِمُّكَ: كيفية مواجهة مخاطر العولمة الثقافية
يُلقي الكثير من المفكرين بمسؤولية مواجهة العولمة على عاتق الحكومات؛ وذلك لأن العولمة تستهدف الهوية الوطنية أو القومية وسيادة الناس على أوطانهم، خاصة فيما يتعلق باللغة الرسمية التي يتعامل بها الناس؛ فانتشار اللغة الإنجليزية هو أحد مظاهر العولمة الثقافية التي فشلت حكومات كثيرة في التصدي لها لأنهم ظنوا بأن اللغة المحلية لديهم كانت لا تصلح لتكون لغة جامعة للناس، وحدث هذا الأمر في الكثير من الدول الآسيوية، التي اعتمدت اللغة الإنجليزية كلغة للأعمال والتعليم، لكن وفي نفس الوقت لا يجد الكثير من المفكرين خطرًا من اعتماد اللغة الإنجليزية لتكون لغة التعليم والأعمال، ويعللون ذلك بالقول بأن السوق يحتاج إلى ناس تتحدث اللغة الإنجليزية من أجل التعامل والتواصل بصورة أفضل مع الناس من مجتمعات أخرى،[٥]لكن خطر العولمة الثقافية يظهر بوضوح أكثر في المعركة الحاصلة بين القيم الإسلامية واللغة العربية من جهة وبين الثقافات الغربية من جهة أخرى، وقد حاول بعض المفكرين طرح بعض الأساليب لمواجهة العولمة والثقافة الغربية، منها:[٦]
- محاربة الصورة النمطية عن العرب والمسلمين في وسائل الإعلام.
- فضح البرامج التلفزيونية التي تسوق للأفكار الغربية المتعلقة بالإباحية وثقافة الجريمة والمخدرات.
- دعم إنتاج البرامج التلفزيونية التي تحمل طابعًا تسامحيًا وتشجّع على القيم العائلية.
- إبراز قصص المشاهير الذين أظهروا إعجابًا بالثقافة الإسلامية ودخلوا إلى الإسلام بإرادتهم؛ كقصة البريطاني يوسف إسلام مثلًا.
- تنسيق الجهود الرامية إلى خلق مواقع إسلامية منضبطة على شبكة الإنترنت بدلًا من تبعثرها وعدم وجود تنسيق فيما بينها.
- دعم الشبكات التلفزيونية والإعلامية الهادفة إلى إنشاء كيان عربي يضم إذاعات أو قنوات ناطقة بالعربية فقط.
المراجع
- ^ أ ب ت Karl Thompson (25/5/2017), "What is Cultural Globalisation?", ReviseSociology, Retrieved 28/12/2020. Edited.
- ↑ Abderrahman Hassi and Giovanna Storti (22/8/2012), "Globalization and Culture: The Three H Scenarios", IntechOpen, Retrieved 28/12/2020. Edited.
- ↑ "Cultural globalization", Encyclopedia Britannica, Retrieved 28/12/2020. Edited.
- ↑ "Pros and cons of economic, social and political globalization: is globalization overall positive for our societies?", Netivist, Retrieved 28/12/2020. Edited.
- ↑ "Reasons Why Globalization Is Resisted by Governments", Global Policy Forum, 20/8/2002, Retrieved 28/12/2020. Edited.
- ↑ Allen W. Palmer, PhD & Abdullahi A. Gallab, PhD, "ISLAM AND WESTERN CULTURE", David M. Kennedy Center for International Studies, Retrieved 29/12/2020. Edited.