مفهوم الذوق السليم

مفهوم الذوق السليم
مفهوم الذوق السليم

ما المقصود بالذوق العام؟

الذوق العام هي كلمة جميلة موحية تحمل في طياتها كل معاني اللطف، وحسن التعامل مع الآخرين، وتحمل معنى اللباقة، وحسن المعشر، والكلام المهذب، وتجنب أي شيء يؤدي إلى إزعاج الآخرين أو جرح مشاعرهم، وذلك مما تعارف عليه الناس من الأخلاق حتى لو لم يرد ذكره في المعاجم، وموطن الذوق يدور حول العقل والقلب والروح، وعالم الحسيات التي لا يتجاوز اللسان أو إحساس البدن الملائم أو المنفر، وعندما يثني شخص ما على آخر بحسن لباقته ولطفه يقول إن فلان عنده ذوق، أو صاحب ذوق، وإذا أراد ذم شخص ما قال إنه قليل الذوق أو ليس لديه ذوق ولباقة.[١] وعرّف معجم المعاني الذوق بأنه آداب السلوك التي تقتضي منك معرفة ما هو لائق ومناسب في التعامل مع الآخرين في المواقف الاجتماعية.[٢]


ما هو الذوق السليم بمنظور الإسلام؟

قد تعتقد أن مسألة الذوق تتبع الطبائع والأعراف السائدة في المجتمع، وبأن لا علاقة لها في الدين الإسلامي على الإطلاق، والحقيقة أن تلك مغالطة فادحة، فالإسلام جاء مهذبًا للفطرة مراعيًا للشعور ومنقحًا للأعراف السائدة على اختلافاتها، والذوق في اللغة مصدر ذاق الشيء يذوقه ذواقًا ومذاقًا، فالذوق والمذاق هما مصدران واستعمالهما في الغاية التي نتحدث عنها في هذا المقال إنما تعني الجانب المتعلق بالحاسة غير الملموسة للأجسام، والذوق في المصدر هو حاسة معنوية يصدر عنها انبساط النفس أو انقباضها عند النظر لأثر من آثار العاطفة أوالفكر.[٣]

ينظر الإسلام للذوق على أنه من معالم التطوّر الفكري والنضج الإسلامي، فهي ليست من نافلة القول أو الفعل كما قد يظن البعض، فالذوقيات والتعامل الراقي مع الآخرين ومراعاتها ليست أمرًا عارضًا في الدين أو دخيلًأ عليه، وليست على هامش ضيق منه، بل هي أصلٌ أصيل منه وجزءٌ لا يتجزأ من آداب الدين، وهالة عظيمة تُسيّج دوائر الأمر والنهي بناءً عليه، فقد جاء الإسلام ليخرج بالإنسان من طور التقليد الأعمى لآبائه وأجداده ولينزع عنه موروثاته العقائدية الخاطئة التي طانت دارجة قديمًا، فقد قال تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[٤]، ومع هذا لا يترك دين الإسلام الذوق بعيدً عن حياتك وعاداتك اليومية بل يدخل في كل جزء صغير منها وينظّم طريقة تعاملك مع الآخرين من حولك، إذ قال تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}[٥]، والنفس مفطورة على التعامل الطيب تبعًا للوازع الداخلي، فذلك الأمر لا يحتاج إلى نظريات وتحليلات للشخصية الإنسانية وإنما تناول الإسلام الذوق ووضع له من الحدود ما يناسبه باختلاف الزمان والمكان وعلى مر العصور.[٣]

اهتمّ الإسلام بالذوق العام من خلال النظم العامة المعمول بها في المجتمع بطريقة لا تتعارض مع ما نص الله سبحانه وتعالى عليه، واهتم الإسلام بالذوق العام حتى بالأشياء المادية الملموسة فأولى اهتمامًا كبيرًا لفن العمارة الإسلامية لتكون بأبهى منظر، أما فيما يخصك أنت فقد حثّ الدين الإسلامي على التطيّب والتجمّل والاهتمام بالمظهر الخارجي، وحسن مناداة الآخرين، وليس ذلك فحسب بل أدخل الذوق العام في التعامل مع الحيوانات أيضًا فنظم كيفية تعامل الإنسان مع الحيوان، ومن مظاهر الذوق الأخرى التي اهتم بها الدين الإسلامي وحث أتباعه عليها آداب الحوار وعدم مقاطعة الآخرين وحسن التعامل مع الآخرين واحترامهم.[٣]


قصص عن الذوق في الإسلام

تحوي كلمة الذوق في طياتها الكثير من معاني اللطف وكمال التهذيب وحسن المعشر وحسن التصرف أيضًا، وتجنب جرح الآخرين وما يمس مشاعرهم وأحاسيسهم من الأقوال والأفعال والإشارات، ولكَ في الدين الإسلامي أسوة حسنة في ذلك، فأينما قرأت في الأحاديث النبوية الشريفة أو قصص التابعين الصالحين، أو في تفاسير القرآن الكريم وجدت الكثير من الدلائل على ذلك، ومنه نذكر:[١]

  • الأدب مع غير المسلمين حتى في الحرب، إذ أتى أبو رافع رضي الله عنه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يحمل كتابًا من قريش، فما أن رأى الرسول الكريم حتى ألقى الله في قلبه الإسلام، فقال: [يا رسولَ اللَّهِ إنِّي واللَّهِ لا أرجعُ إليهِم أبدًا ، فقالَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - : إنِّي لا أخيسُ بالعَهْدِ ولا أحبسُ البُرُدَ ، ولَكِنِ ارجِع ، فإن كانَ في نفسِكَ الَّذي في نَفسِكَ الآنَ فارجِعْ . قالَ : فذَهَبتُ ، ثمَّ أتيتُ النَّبيَّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - فأسلَمتُ][٦].
  • تجنب تعرض جند المسلمين لأماكن عبادة غير المسلمين وتركهم يمارسون شعائرهم فيها، فقد روى عبد الله بن عباس رضي الله عنه: [أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ إذا بعثَ جيوشَهُ، قالَ لا تقتُلوا أصحابَ الصَّوامعِ][٧].
  • تجنب جرح الآخرين بالكلام السيء حتى إن كان فيهم عيب أو غلظ، فقد قال الشافعي رحمه الله: "ما جلس إليّ ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر".
  • الإشارة إلى أن رائحة فم الصائم كرائحة المسك وذلك من ذوقيات الإسلام التي تأتي جبرًا لخاطره ونهيًا عن قول شيء عنها لمن يجد منها أذى في نفسه، وأن يتفوه بما لا يليق، فقد قال صلى الله عليه وسلم: [لَـخَلوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ الـمِسْكِ][٨].


مَعْلومَة: أسباب ضعف الذوق العام في المجتمع

اهتم الإسلام منذ تنزل رسالته بالأخلاق أيما اهتمام وذلك لأنها الوسيلة الأفضل لرقي البشرية وتقدمها مهما اختلفت الأديان والأعراق والأنساب والأقطار، ومن مظاهر سوء الأخلاق ضعف الذوق العام وتراجع الاهتمام به، ولا بد لنا من إضاءة على ذلك تمكنكَ من فهم الأسباب، وإليك ذاك:[٩]

  • الانشغال بالتكنولوجيا الحديثة وأدواتها عن تعلّم آداب السلوك العام وممارسة الأخلاق الحميدة بصورة ملحوظة.
  • غياب إدراك أهمية التحلي بالأدب والذوق والابتعاد عن الفظاظة في التعامل لدى العديد من الأوساط الشابة.
  • عدم معاقبة الأطفال بجدية عند ارتكابهم لسلوك سيئ أو عند تقليلهم من شأن الآخرين ومن احترامهم من باب ترك الطفل على هواه وعدم الضغط عليه.
  • ترك الأطفال أغلب الأحيان بين أيدي الرعاية الخاصة وجلساء الأطفال، وعدم إمضائهم لوقت كافي مع مرشد حقيقي وهو الأم أو الأب.
  • نقص تعلم الأدبيات الأساسية لدى الأطفال في سن باكرة وعدم تعلمهم لعبارات الذوق الأساسية مثل شكرًا، من فضلك، لو سمحت والعبارت المهذبة الأخرى.[١٠]
  • ممارسة الحق بالتعبير عن الرأي على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاطىء تمامًا، دون إظهار الاحترام لوجهة النظر الأخرى أو تقبلها باحترام والتهجّم على الأشخاص بسهولة.[١٠]
  • القدوة السيئة التي تظهر للأطفال والمراهقين من قبل المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.[١٠]
  • اختلاف معايير وسائل الإعلام نفسها واختلاف مستوى الأفلام والبرامج والحوارات التي تقدمها للمشاهدين، وتدني مستوى طرح الموضوعات المختلفة، والاستهزاء ببعض الأشخاص والسخرية منهم وعدم احترام مناصبهم أو أدوارهم الاجتماعية.[١٠]
  1. ^ أ ب "سلامة الذوق وأثره في الأفراد والأمة"، صيد الفوائد ، اطّلع عليه بتاريخ 17/1/2021. بتصرّف.
  2. "تعريف و معنى ذوق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 20/1/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت "الإسلام دين الذوق والرقي والحضارة"، الألوكة ، اطّلع عليه بتاريخ 17/1/2021. بتصرّف.
  4. سورة الزمر، آية:3
  5. سورة الخزرف، آية:23
  6. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم:1235 ، صحيح.
  7. رواه العيني، في نخب الأفكار ، عن عبد الله بن عباس ، الصفحة أو الرقم:244، إسناده صحيح.
  8. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:7493 ، صحيح.
  9. "Today’s ill-mannered youth are product of failed parenting", collegiatetimes, Retrieved 19/1/2021. Edited.
  10. ^ أ ب ت ث "As Tom Cruise would say, put your manners back in", dailytelegraph, Retrieved 19/1/2021. Edited.

فيديو ذو صلة :