محتويات
الأحاديث القدسية
يعرف الحديث القدسي بأنه هو الحديث الذي أسنده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى رب العزة، وقد سُمي بالقدسي نسبة للقدس، وفيه منزلة التكريم لله وتنزيهه، وتدور أغلب الأحاديث القدسية حول معاني التقديس والتمجيد لله عز وجل، ويدور القليل منها حول الأحكام والتكاليف، وتأتي عن الرواة بصيغة قول الرواي قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه، أو قوله -قال الرسول صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى، وهي كبقية الأحاديث لا تعني الثبات بالضرورة، فمنها الصحيح والضعيف أو الموضوع، واختلف العلماء فيما يتعلق بأن الحديث القدسي كلام بلفظ الله أو هو كلام بمعناه، إذ منهم من قال أن ألفاظه ومعانيه من الله عز وجل، والبعض قال بأنه كلام الله بالمعنى فقط، واللفظ للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو الرأي الراجح، وذكر العلماء أن عدد الأحاديث القدسية يقارب الألف حديث بغض النظر عن صحتها، وقد أفرد العديد من العلماء هذه الأحاديث وصنفوها [١].
حديث ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: قالَ اللَّهُ تَعالَى: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ، رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ.[٢]، إذ فيه تنبيهًا مهمًا لكل مسلم يطلب رضا الله عز وجل، ليأتمر بأوامره ويبتعد عن المعاصي وما حرّمه الله، إذ إنه توجد ثلاثة أصناف من الناس حذر الله عباده من أن يكونوا منهم وهو ما سنأتي على شرحه في الفقرة اللاحقة.
شرح حديث ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة
قال العلماء بأن الله سبحانه وتعالى خصم للظالمين جميعًا يوم القيامة، إلا أن التشديد على ثلاث فئات من الناس بشكل صريح في حديث ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة جاء لقبح هذه الأعمال التي تصف فيها الإنسان بأسوء أنواع الظلم في حق العباد، وفيما يأتي شرحًا لما ورد فيه [٣][٤]:
- رجل أعطى بي ثم غدر: هي الفئة الأولى التي تضم كل من عاهد عهدًا، وحلف بالله فيه ثم نقض عهده، أي أنه يتخذ من اليمين كفالة له عند الغير ليحقق مراده من بيع وشراء وغيرها، ثم ينسى يمينه وينكر عليهم حقوقهم عنده، وصفة الغدر هي واحدةٌ من الصفات المذمومة التي حذر منها الدين الإسلامي الحنيف ودعا إلى الاحتراز منها، إذ يأتي الإنسان الذي يغدر بالآخرين يوم القيامة حاملًا لواء غدره (ما صنع في الدنيا) خجلًا ويتملكه الخزي والعار بين الخلائق؛ عقابًا له على اتخاذ اليمين مخرجًا لأعماله، وفي الحديث تأكيدًا للتخلق بصفات أهمها الأمانة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ.[٥]
- رجل باع حرا فأكل ثمنه: تضم هذه الفئة من يبيع حرًا على أنه عبد وهو يعرف بأنه حر، ثم يقبض المال وينتفع منه، وهذا حرام، وقد انتشرت هذه الحالة في عهد الرسول والصحابة خاصةً في الغزوات والمعارك، إذ كان البعض يبيع الأسير على أنه عبد مملوك رغم أنه يعرف حسبه ونسبه وأصله وأنه حر.
- رجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يوفه أجره: وتضم هذه الفئة من يستأجر شخصًا لينجز له عملًا ما على اتفاق بينهما، ثم بعد أن ينتهي العمل لا يعطيه حقه وأجره، وهذه ظاهرة منتشرة بكثرة في أيامنا هذه، وتضم أيضًا من يبدل بنود الاتفاق؛ كأن يتفق رب العمل مع الأجير على خمسين دينارًا حتى إذ انتهى ساومه على أقل من ذلك.
الأحكام الشرعية في حيث ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة
تأتي الاستفادة الكبرى من حديث ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة من باب بيان أحكام شرعية واضحة حرمها الله على عباده، وبالتالي لا بد من الحذر منها، فيأتمروا بأوامره ويجتنبوا نواهيه، وفيما يأتي توضيحًا لها[٦]:
- بين حرمة نقض العهد إذ كان مقترنًا وموثقًا بالحلف بالله عز وجل، ففيه هتك بحرمة اسم الله العزيز التي تأتي من الحلف بالله لعهد نُقض وترتب عليه ضررًا.
- بين حرمة وعظم جريمة من يبيع شخصًا حرًا، وتصرف بثمنه كأنه عبد مملوك، إذ فيه تعدي على حق هذا الإنسان الحر، ومن واجبه أن ينصره ولا يخذله ولا يظلمه.
- بين حرمة ظلم الأجير وعدم تأدية حقه المتمثل في أجرته على جهده وتعبه، والحرمة تأتي من باب أكل حقوق الضعفاء والمساكين، إذ إنه أشبه بمن يأكل مال اليتيم والعياذ بالله.
آثار إيتاء الحقوق
يشمل الحديث العبرة واستجابة الدعاء والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة إذ إنها تفرج الكرب، فما بالنا بمن ينتهكون حقوق العباد ويوقعوا الظلم عليهم، فكيف سيستجيب الله لدعائهم ويفرج كربهم، كما يبين الحديث صفات للمؤمنين التي هي أسباب تفريج الكرب عنهم؛ كالإخلاص، وبر الوالدين، والتعفف عن الحرام، وبذل الخير للآخرين دون انتظار المقابل منهم [٣]، كما ورد فيما قاله الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ، حتَّى آوَاهُمُ المَبِيتُ إلى غَارٍ وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَديثِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ غيرَ أنَّهُ قالَ: قالَ رَجُلٌ منهمْ: اللَّهُمَّ كانَ لي أَبَوَانِ شيخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهُما أَهْلًا وَلَا مَالًا وَقالَ: فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي فأعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِئَةَ دِينَارٍ وَقالَ: فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ منه الأمْوَالُ، فَارْتَعَجَتْ وَقالَ: فَخَرَجُوا مِنَ الغَارِ يَمْشُونَ.[٧]
المراجع
- ↑ "مقدمة حول الأحاديث القدسية"، islamweb، 12-7-2004، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2270، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ^ أ ب أمين بن عبدالله الشقاوي (5-8-2016)، "حديث: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "شرح حديث: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة""، elfagr، 20-1-2018، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 34، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ عبدالله منوخ العازمي (16-2-2017)، "ثلاثة الله يكون خصمهم يوم القيامة !"، khutabaa، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2743، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].