محتويات
مفهوم علم الفقه
يعرف لفظ الفقه في معاجم اللغة العربية بأنه اسم يدل على الفهم والفطنة، وهو مشتق من الفعل الثلاثي فَقِهَ فنقول فَقِه فلان الأمرَ أي فهمه بعد جهل، وأدركه بعد تفكير، وعلم الفقه هو العلم الذي يختص باستنباط الأحكام الشريعة من النصوص الإسلامية، وذلك لإقامة الحجة والبرهان ثم تحديد الموقف العملي للمكلف، بما يضمن إزالة الغموض الذي يعتريه حول شبهة ما، فيصبح الحكم واضحًا ليكون المكلف مطيعًا وتابعًا له، والشخص الذي يقوم بعملية الاستنباط يسمى فقيهًا.
نشأة علم الفقه
عصر النبي صلى الله عليه وسلم
يعتبر عصر النبي ميلاد الفقه، فلما جاء عليه السلام بالدين الإسلامية بمبادئه الجديد، وألغى كل ما يتعارض معها، حسبما يتناسب مع جوهر العقيدة، وقد كان القرآن الكريم والسنة النبوية وقتذاك عماد علم الفقه، ومن مميزات هذه المرحلة:
- تدرج التشريعات فلم يحرم الخمور مرة واحدة ولم يوجب الزكاة مرة واحدة، بل على مراحل.
- رفع الحرج ويقصد بذلك سن الرخص بقصد التيسير والتخفيف.
- النسخ أي رفع الله جل وعلا حكمًا من أحاكمه بخطاب لاحق.
- عدم الاختلاف فكان النبي مرجع القضاء فلما توحد المصدر توحد التوجه.
عصر الخُلفاء الراشِدين رضوان الله عليهم
كان منهجهم الاجتهاد الجماعي، أو الفردي دون إلزام الغير باتباعه، واختلاف الصحابة أمر طبيعي يعود إلى أسباب كثيرة منها:
- العلم أو عدمه بالسنة لأنها لم تكن مدونة بعد.
- عدم الأخذ بالسنة أخذا قطعيًا بسبب طريقة توارثها فكان ينبغي التحري والدقة.
- اختلاف فهم النص وبالتالي اختلاف الاجتهاد لا سيما في ما لا نص فيه.
عصر التابعين
ويمتد من سنة 41 هجري إلى نهاية القرن الثاني للهجرة، وقد سار التابعون على منهج الصحابة أيضًا، لكنه تعذر الإجماع بسبب اتساع رقعة الدولة واختلاف الأمصار؛ ناهيك عن ظهور المدارس الفقهية المختلفة، وانتشار الوضع في الحديث من أعداء الدين بغرض إفساده والتشوسش على العلم وعرقلة تقدمه.
ظهور نوابغ الفقهاء
مر الفقه بدور طويل يمتد من بداية القرن الهجري الثاني حتى منتصف القن الرابع، وقد بلغ علم الفقه خلاله نشاطًا منقطع النظير، فكثرت المدراس الفقهية والكتب، وظهر علم أصول الفقه، والمذاهب الفقهية الأربعة؛ وذلك بسبب كثرة الأسئلة وبالتالي تعدد الأجوبة، وبدأ تدوين السنة، وازدهار حفظ القرآن الكريم فصارت القراءة علمًا.
عصر نصرة المذاهب الفقهية
بدأ في منتصف القرن الرابع واستمر إلى سقوط بغداد في يد التتار، وشهد خمولًا وتفككًا وركودًا عامًّا للعقلية الاسلامية، وذلك بسبب انتشار التقليد، فسدّ باب الاجتهاد خشية مخالفة السابقين، فترتب على ذلك ضعف الهمة والجمود باعتبار أن الأول لم يترك للآخر شيئًا، واستهانة الفقهاء بأنفسهم مقابل اعتزازهم بأسلافهم، ناهيك انتشار التعصب المذهبي لا سيما في القرون اللاحقة للقرن الثالث، فاكتفى فقهاء هذا العصر بتعليل أحكام الأئمة السابقين، واستخلاص قواعد الاستنباط مع الموازنة والمقارنة لبيان الراجح منها.
عصر التقليد والجمود
بعد سقوط بغداد استمر الضعف والتدهور حتى أصبح التقليد هو الشيء الطبيعي وكأنه الأصل، وكل مَن يحاول كسر هذا الجمود يُرمى بنقيضه، فانحصر نشاط الفقهاء في تأليف المتون والشروح والفتاوي، عدا بعض العلماء الذين حاولوا استرداد عافية العلم ليعود شامخًا، ثم انتهى الحال إلى درك لم يسبق له مثيل فأصبح الانشغال به مفسدة للعقل والقلب ومضيعة للزمن لا فائدة منها، وظل الأمر كذلك حتى دخلت أوروبا إلى الشرق وصفعته بيدها، فاستيقط بعض الدعاة والأئمة من جديد على هذه الضربات ولكنهم اصطدموا بعالم جديد يدعو إلى تقليد الأوروبيين في خيرهم وشرهم، فوقف الكل موقفًا سلبيًا منطويين على أنفسهم فكان هذا حجة من أصحاب الدين أنفسهم أن شريعة الإسلام لا تُجَارِي التطور، ولا تتماشَى مع الزمن، فكانت النتيجة الحتمية أن بلاد الإسلام لا تخلو من فقيه قائم بحجة أو داعٍ عالمٍ للإصلاح يصفع الخادع والمخدوع معًا ليكفوا عن دعايتهم للغرب.