بحث حقوق الانسان في الاسلام

بحث حقوق الانسان في الاسلام
بحث حقوق الانسان في الاسلام

حقوق الإنسان

علاقة الإنسان بالكون وأشكال الحياة الأخرى على الأرض تبين أفضلية الإنسان وتمكينه من التحكم وتسخير كل ما في الحياة من مخلوقات، سواء حيوانات أم نباتات لمصلحته وفي سبيل تهيئة سبل الحياة الأفضل له، فمع هذا التكريم للجنس الإنساني وتسليحه بالعقل والمنطق أصبح هنالك حقوق إنسانية تحفظ للإنسان مكانته التي منحه الله إياها، وبالرغم من أن هذه الحقوق تؤكد على تفرّد الصفة الإنسانية عن غيرها إلا أنه توجد مجموعة من الانتهاكات لأبسط الحقوق، سواء حق الحياة الكريمة، أو حق التعبير عن الرأي، أو حق الحرية ورفض العبودية، وغيرها الكثير مما سنأتي على ذكره لاحقًا، أما في الإسلام فنجد دلائل على وجود قوانين ومحددات لحقوق الإنسان منذ بدء الخلق وما تبعه من حقوق تتوافق والمتطلبات الحضارية والتغيرات التاريخية التي مرت بها الحضارة الإنسانية ككل.[١]


حقوق الإنسان في الإسلام

نرى أن موقف الإسلام من الإنسانية وتفردها يؤكد على اختيار الجنس البشري ليكون له دور ومهمة في الأرض وعليه أن يسعى لتحقيقها، أما ما أشار إليه الإسلام من حقوق ونمط حياة إنساني يحفظ له كرامته وصفاته فهي ميسِرات لهذه المهمة، نشير فيما يلي إلى أهم هذه الحقوق:[٢]

  • حق الحياة: إن الحياة منحة من الله تعالى للإنسان وفيها يبرز الجانب الروحي، وهي الدليل على استمرارية وجوده، وسلبها منه ليس حقًا لأحد، وهي حق للجميع دون تمييز في الجنس والدين والعمر أو غيرها، فمنها ما أنكره الإسلام على أهل الجاهلية بقتل أولادهم بغير حق، في قوله تعالى: {وإذا الموءودةُ سُئلت بأي ذنبٍ قُتلت}[٣]، ويظهر أيضًا حرص الإسلام على الحياة من خلال تحريم إجهاض الجنين باعتباره لا ذنب له ولأن هذه الحياة التي مُنحت له من حقه.
  • حق الكرامة: يظهر الحرص على كرامة الإنسان في العديد من التشريعات الإسلامية، فتحريم الغيبة والنميمة والهمز والسخرية من الآخرين وغيرها هي صون لكرامة الإنسان، فلا يهان في حضوره أو غيابه، كما أن الإسلام حريص على كرامة الإنسان حتى في مماته، ويظهر ذلك في غسل الميت وتكفينه ودفنه، كما ظهر في تحريم التمثيل بالجسد وتشويهه حتى في حالة الحرب.
  • حق الكفاية: أي ضمن الإسلام للإنسان ما يكفيه من ملبس ومشرب ومأكل ومسكن، فيظهر ذلك في الزكاة والصدقة والدعوة إلى التراحم والتكافل الاجتماعي.
  • حق التملك: فللإنسان حرية البيع والشراء والتصرف بممتلكاته، كما سن الإسلام تشريعات تحرم الاعتداء على ممتلكات الآخرين سواء بتخريبها أو سرقتها أو التصرف بها دون إذن صاحبها، ومن المهم الإشارة إلى أن حق التملك لكل من الذكر والأنثى ولا فرق بينهما.
  • حق المساواة: لا فرق في الإسلام ما بين الأنثى والذكر في الحقوق والصفات الإنسانية، وكذلك لا تمييز أيضًا بين الشعوب المختلفة، يقول تعالى "'{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}'"[٤]، فلا فرق بين شخص وآخر إلا في مخافة الله، ووفقًا لهذه المساواة فلا يشكل العِرق، أو الجنس، أو الدين أو اللون أي فارق في الحقوق الممنوحة للفرد.

إن القوانين الوضعية التي يحتكم إليها العالم الآن في حماية حقوق الإنسان ليست سوى نتاج حضاري وتاريخي لما ورد سابقًا في التشريعات الإسلامية، كما أن وجود انتهاكات لمثل هذه القوانين لا يلغي دورها وضرورة تطبيق العقوبة على منتهكيها، فهي صون لكرامة الإنسان والانتقاص من كرامته أو الاستهانة بها فيه استهانة بالحضارة الإنسانية ككل.


تكريم الإنسان في الإسلام

تشير بدايات الخلق في الإسلام إلى التكريم الذي حظي به الإنسان وتفرده بين جميع المخلوقات الأخرى، ابتداءً من تعليم الله لآدم الأسماء كلها حسب ما ذكر في القرآن، ويظهر التكريم جليًا في أمر الله للملائكة بالسجود لآدم وجعله متمكنًا في الأرض وله خلَف فيها، أما عن حقوقه التي منحه إياها الإسلام فهي أساس وركيزة ثابتة لقوانين حقوق الإنسان المتعارف عليها في وقتنا الحالي، وقد جاء القرآن ليُقرِّرُ تكريمًا صريحًا للإنسان في خلقه وتسخير الكون له، وفي هدايته بالرسل، كي لا يشقى الإنسان ولا يضلَّ العقل، فقد تحدث القرآنُ عن هذا التكريمَ في مناسبات عديدة، وبأساليب مختلفة، وكلها تعطي إشارة أكيدة لمركز هذا الكائن ومسؤوليته في الحياة.[٥]


مظاهر تفضيل الإنسان عن سائر الخلق

من مظاهر تكريم الله تعالى للإنسان، ما يلي:[٦]

  • استخلافه في الأرض: لقد بين الإسلامُ كرامةَ الإنسان، فعده خليفة الله تعالى في الأرض، وهي منزلة اشرأبَّت أعناقُ الملائكة إليها، وتشوَّفت إليها أنفسهم، فلم يُعْطَوها وأعطاها الله سبحانه للإنسان، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ(32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ(33)}[٧]، ولقد كرَّم الله سبحانه تعالى الإنسان بالخلافة في الأرض، وهيَّأه لذلك بالعلم والعقل الذي تفوَّق به على الملائكة.
  • خلقه في أحسن تقويم: أعلن الإسلام أيضًا أنَّ الله تعالى كرَّم الإنسان بالخلقة والصورة الحسنة وبالصورة الحسنة، قال جل وعلا: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[٨]، وقال أيضًا: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ المَصِيرُ}[٩].
  • تمييزه بالعنصر الروحي: علاوة على ما سبق، كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان بالروح العلوي الذي أودعه بين جنبيه، فهو نفخة من روح الله تعالى وقبس من نوره، استحقَّ به أن تنحني له الملائكة إكباراً وإجلالاً ممتثلة بأمر الله تعالى، فقد قال سبحانه لملائكته: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}'"[١٠].

وقد يتوهَّم بعض الناس أن هذه النفخة الروحيَّة الإلهيَّة خاصَّة بآدم أبي البشر وهذا خطأ، فإنَّ نسله وبنيه جميعًا قد أخذوا حظًا منها، كما قال تعالى بعد أن ذكر خلق آدم:{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[١١]، فهذا الاحتفال والتكريم لم يكن لشخص آدم عليه السلام، وإنما كان تكريمًا للنوع الإنساني في شخصه، فقد ميّز الله تعالى الإنسان بمواهب العلم والعقل والروح واستخلفهم في الأرض، ولهذا أفصح القرآن الكريم عن كرامة البشر كافّة حين قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[١٢]. وجميع ذلك يثبت أنَّ الإنسان نوع مُتميز ومُتفرِّد عن بقية الحيوانات، فإنها ـ وإن شابهته من خلال عناصر تكوينها الطيني ـ فهي تخالفه ويخالفها في التكوين المعنوي، إذ لم يكرمها الله تعالى بما كرَّمه من العقل والروح؛ لأنها ليست مكلفة بما كُلف به من عمارة الأرض وخلافة الله فيها، فهي مجرد تسخير له في مهمته من أجل قضاء حاجته.


المراجع

  1. "What are Human Rights", theadvocatesforhumanrights, Retrieved 2019-10-13. Edited.
  2. "Human Rights in Islam", whyislam, Retrieved 2019-10-13. Edited.
  3. سورة التكوير، آية: 8.
  4. سورة الحجرات، آية: 13.
  5. "Islam as a Religion of Human Dignity and Honor", islamicity, Retrieved 2019-10-13. Edited.
  6. "What Are Humans", thisistruth, Retrieved 2019-10-13. Edited.
  7. سورة البقرة، آية: 30-33.
  8. سورة التين، آية: 4.
  9. سورة التغابن، آية: 3.
  10. سورة ص، آية: 72.
  11. سورة السجدة، آية: 9.
  12. سورة الإسراء، آية: 70.

فيديو ذو صلة :

459 مشاهدة