أين ولد الشاعر الأصمعي

الشاعر الأصمعي

هو أبو سعيد عبد الملك ابن قريب الأصمعي الذي كان بارعًا في النحو والشعر وعلوم الحيوان أيضًا، حتى أنّ الخليفة الأموي هارون الرشيد أطلق عليه لقب (شيطان الشعر)، وقيل فيه العديد من الأقوال الطيبة التي تشهد له، ومنها ما قاله (أبو الطيب) عن أنه (الأعلم في الشعر، والأحضر في الحفظ، والأتقن في اللغة)، وكذلك شهد له الشاعر الأخفش بقوله: (ما رأينا أحدًا أعلم بالشعر من الأصمعي)، وقد كان نديم مجالس الأمراء والسلاطين والشعراء ينهل منهم ويبارزهم في اللسان والكلمة فيتفوق عليهم.[١]


مكان مولد الشاعر الأصمعي

وُلِد الأصمعي في البصرة في العراق عام 740م، وتوفي فيها عام 828م، وهو من نسل عائلة بارعة في الشعر ومتذوقة للغة العربية أيضًا؛ فوالده الشاعر المعروف أبو عينية المحلبي، وقد برزت عليه علامات العلم وحب المعرفة منذ نعومة أظفاره؛ فكان يقصد مجالس العلم والعلماء فيستمع إليهم ويسأل ويتعلم، حتى كبر وشب وقربه الخليفة هارون الرشيد منه بل وجعله معلمًا ومدرسًا لأولاد المأمون والأمين، وإلى جانب ذلك بدأ الأصمعي يكتب مجلدات ومخطوطات تضم كافة القواعد النحوية في اللغة العربية؛ وذلك كي يسهل على الطلبة تعلمها واستذكارها وتلقيها، ومن اللطيف في الأمر أنه سخّر طلاقة لسانه وفصاحته في حبه لعلم الحيوان، فكان يعمد إلى الخيل فيشرحها ويكتب في دفاتره تفصيل أعضاء جسمها وأجزائها في وصف علمي دقيق سهل القراءة والفهم، وكان الأصمعي سريع البديهة وحاضر الذهن، فمتى بادر أحد إلى سؤاله أو تحديه أو محاولة النيل منه وجه إليه أشعاره وأقواله على الفور، وكان يصف تسلسل الطلبة في العلم ويتحدث عن تدرجاته، فهناك الصمت والاكتفاء بالاستماع، ومن ثم الحفظ، فالعمل بما تعلم، وأخيرًا الحرص على النشر وإفادة الغير.[٢]

وقد كان الأصمعي عالمًا متمكنًا من أصول الشعر العربي، شاعرًا أديبًا عالمًا باللغة وأصولها، وحظي الشاعر الأصمعي بشهرة واسعة، إذ يحب الخلفاء مجالسته والاستماع لقصائده الجميلة وحضور مجالسه الأدبية، فبرع الأصمعي في جمع الأشعار والأخبار، فكان ينتقي أجمل الأشعار وينشدها إلى أن أصبح محط اهتمام الرواة الذين أخذوا يتناقلون أخباره وأقواله، فقد تميز الأصمعي عن بقية أقرانه من الشعراء والأدباء، وترك للأجيال من بعده إرثًا كبيرًا في الأدب العربي محفوظًا في الكثير من الكتب مثل كتاب الخيل، وكتاب الإبل، وكتاب خلق الإنسان وغيرها الكثير.[٣]


حياة الشاعر الأصمعي

أبو سعيد الأصمعي، يرجع نسبه إلى قبيلة باهلة القيسية، عُرف بصدق روايته، فهو عالم ثقة وإمام في اللغة وفي الغريب من الأخبار والنوادر، كانت نشأته في بلده البصرة التي تعلم فيها الكتابة والقراءة، ثم أتقن تلاوة القرآن الكريم وأحكام التجويد على يد أحد القراء السبعة وهو القارئ أستاذ اللغة والأدب أبو عمرو بن العلاء، فلازمه الأصمعي وتعلم منه الكثير، وممن كان لهم الفضل على الأصمعي وثقافته وعلمه؛ عيسى بن عمر الثقفي، والخليل بن أحمد الفراهيدي وغيرهما، وبدأ الأصمعي يروي الشعر عن فحول الشعر العربي مثل رؤبة وابن ميادة والحسين بن مطير الأسدي وابن هرمة وغيرهم؛ لإيمانه بأن الشعر والعلم لا يؤخذ إلا من أفواه الرجال.

تميز الأصمعي بحبه الكبير للعربية، حتى أنه سافر إلى أعماق البوادي ليأخذ العربية من أرباب الفصاحة والبيان، فجمع علومه الكثيرة وحفظها في كتبه وتعاهدها بالدراسة والفهم والحفظ، فذاع صيته وانتشرت أخباره، وبلغ هارون الرشيد علم الأصمعي وفصاحته ودرايته بأنساب العرب وأخبارها، فاستقدمه وجعله مؤدبًا ومعلمًا لنجله الأمين، فكان الأصمعي يتميز بخفة الروح وظرافة الحديث، وقد ترك إرثًا عظيمًا من التصانيف؛ منها الأضداد، واللغات، والإبدال، والأصمعيات وهي عبارة عن مختارات شعرية انتقاها من عيون الشعر العربي تصف الحياة الأدبية في تفاصيلها الدقيقة، وتخبر عن أفكارها وعاداتها، فطغت قيمته اللغوية على قيمته الفنية، فكان تراثًا لغويًا يندر وجوده في كتب الأدب واللغة، فأصبح الأصمعي مضرب مثل في البلاغة والفصاحة وسعة الرواية.[٤]


أبرز إنجازات الشاعر الأصمعي

طاف الأصمعي بوادي العرب ينهل من لغته وأخباره ويجمعها ويبهر بها الحكام، فتجزى له العطايا والهدايا الكبيرة، فكان أعلم أهل زمانه باللغة والشعر وأحسنهم حفظًا، شهد عصر الأصمعي تطورًا ملحوظًا في الحركة العلمية وتبادل الثقافات وتشجيع الخلفاء؛ فعقدوا مجالس للمناظرة في قصورهم وأجزلوا الأُعطيات للعلماء والأدباء، وكان الأصمعي ممن عرفوا ثقافات عديدة كانت دخيلة على ثقافة البصرة المعروفة، إضافة إلى سفره خارج البصرة؛ فقد زار بغداد ونهل العلوم من علمائها، وانتقل إلى مكة المكرمة وقرأ شعر هذيل على الشافعي.

كان واضحًا على الأصمعي شغفه بالعلم واللغة والرواية وقدرته على الحفظ والدراسة؛ كلّ ذلك كان جليًا في عدد مؤلفاته الكبير وفحواها، إلى جانب علمه بالأدب واللغة والأنساب برع الأصمعي في العلوم الطبيعية وعلم الحيوان وتصنيفاتها وتشريحها؛ نظرًا لعمق معرفته باللغة ومفرداتها وبحثه الدائم عن المصطلحات الأصلية التي استخدمها العرب للحيوانات، وألف في هذه العلوم بعض الكتب، فحظي بشهرة كبيرة وتميز على من هم في مجاله من الشعراء والأدباء وأصحاب اللغة، وكان يعزو سبب ذلك بقوله: وصلت بالعلم وكسبت بالملح.[٥]


قصيدة الشاعر الأصمعي

قيل أن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور قد ضيّق الخناق على الشعراء وبدأ يضيق عليهم في رزقهم؛ لأنه من المفروض على الخليفة أن يقدم للشاعر مقابل كلّ قصيدة تقرأ عليه وزن ما كتبت عليه ذهبًا، فاستغل الأمير ملكته بالحفظ من بعد أول مرة، فبعد أن يلقي الشاعر قصيدته أمام الخليفة المنصور طامعًا في الأجر والعطايا كان الخليفة يسرد القصيدة ويقول أنها له وأن الغلام لديه يحفظها كذلك، وبالفعل يأتي الغلام ويسرد القصيدة عن ظهر غيب؛ لأنه يحفظ الشعر بعد تكراره على مسامعه مرتين، ثم يأتي الخليفة بالجارية التي تحفظ الشعر بعد سماعه للمرة الثالثة وتسردها أمامهم، وفي نهاية الأمر يدّعي أنه هو صاحب القصيدة ويحرم الشاعر من الأجر، حتى أصبح الشعراء في حيرة من أمرهم وأصيبوا بالإحباط والخيبة، فلما سمع الشاعر الأصمعي بالنبأ علم بوجود مكيدة كبيرة، فأعد لذلك أصعب قصيدة له، متنوعة في الكلمات والمعاني مستغلًا قدرته اللغوية واطلاعه الواسع على اللغة ومفرداتها الغريبة والفريدة.

تنكر الأصمعي بزيّ الأعراب لأنه كان معروفًا عند الأمير، ودخل بلاط الأمير وطلب أن يلقي عليه قصيدته التي لم يسبق للأمير أن سمع بها من قبل، فأذن له الأمير، فلم يتمكن الأمير من سردها بعد سماعها لأول مرة، وكذلك الغلام والجارية، إذ قالا لم نسمع بها من قبل، فقال الأمير أحضر ما كتبتها عليه لنزنه لك ذهبًا، وكان الأصمعي قد كتبها على عمود من رخام ورثه عن أبيه لا يحمله إلا عشرة من الجند، فأحضروه ووزنوه فكان وزنه وزن الصندوق كله، عندها قال الوزير لأمير المؤمنين: ما أراه إلا الأصمعي، فلما طلبوا منه أن يزيل لثامه؛ فإذا به الأصمعي الشاعر المعروف عند أمير المؤمنين، فقال له الأمير: أتفعل ذلك بي يا أصمعي، فذكره الأصمعي بما فعله الأمير من قطع رزق الشعراء وما فعله بهم، فطلب الأمير من الأصمعي أن يعيد المال لبيت مال المؤمنين، فرفض الأصمعي أن يعيده إلا أن يعيد للشعراء حقوقهم، فردّ عليه الأمير بالقبول، ومن أبيات هذه القصيدة التي هي بعنوان صوت صفير البلبل ما يأتي:[٤]

صـوت صــفير الـبلبـل

هيج قـــلبي الثمــل

المــاء والزهر معا

مــع زهرِ لحظِ المٌقَلي

وأنت يا ســـيدَ لي

وســــيدي ومولي لي

فكـــم فكــم تيمني

غُـــزَيلٌ عقــيقَلي

قطَّفتَه من وجـــنَةٍ

من لثم ورد الخـجلي


أدب الشاعر الأصمعي

تعددت أعمال الأصمعي ما بين الأدبي والعلمي ووصل إلينا بعضها، وسنخصص هذه الفقرة لتسليط الضوء على أبرزها:[٦]

  • القصائد والأشعار: ومن أشهرها؛ الأعشى، صوت صفير البلبل، من قصص الأصمعي، من كتاب الأصمعيات وجميعها تحف أدبية مهمة وتحمل طابع الابتهال والحكمة وإيصال التجربة إلى الآخرين للاعتبار منها، كما وتناولت علاقة العبد بربه وطريقة الخلوة في جو روحاني.
  • علم الحيوان: أصدر العديد من الكتب عن نتائج تشريحه للحيوانات واستنتاجاته؛ ومن ذلك كتاب الوحوش، الإبل، خلق الله، الشاه والخيل، وهي تركز على تلك الأنواع لكونها كانت متوافرة بين يديه في عصره، وتتضمن المجلدات وصفًا علميًا للجسم المستند إلى علم التشريح.


المراجع

  1. "قصيدة صوت صفير البلبل"، edarabia، اطّلع عليه بتاريخ 4-3-2020. بتصرّف.
  2. "سيرة ذاتية عن الأصمعي "، murtahil، اطّلع عليه بتاريخ 2019-7-30. بتصرّف.
  3. esraa hassan (7-3-2018)، "أفضل قصائد الشاعر عبد الملك الأصمعي"، almrsal، اطّلع عليه بتاريخ 30-6-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "الأصمعي"، marefa، اطّلع عليه بتاريخ 30-6-2019. بتصرّف.
  5. "من هو الأصمعي - Al-Asmaʿi؟"، arageek، اطّلع عليه بتاريخ 30-6-2019. بتصرّف.
  6. "أدب الأصمعي "، adab، اطّلع عليه بتاريخ 2019-7-30. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :