أثر التسامح على الفرد والمجتمع

أثر التسامح على الفرد والمجتمع
أثر التسامح على الفرد والمجتمع

مفهوم التسامح

يعد التسامح خلقًا عظيمًا، وهو قائم على العفو عند المقدرة عن زلّات الناس وإساءتهم، وعدم ردّ الإساءة بالمثل، والسُّمُو بالنفس إلى مرتبة أخلاقية عُليا، وجميع الأديان السماوية حثّت الإنسان ودعته لأن يكون متسامحًا؛ لما للتسامح من أثرٍ عظيم على حياة الناس، فبِهِ تزيد أواصر المحبة بينهم، ويقوم مجتمع متراحم مبني على الرّفق والرحمة والعفو عن الزلّات، وتختفي الكثير من المشاكل بين الناس، ومن أعظم الأمثلة من البشر على التسامح، هم رسل الله عليهم أفضل الصلوات والسلام؛ إذ كانوا يتغاضون ويتسامحون مع أقوامهم رغم كلّ الإساءات التي كانوا يلاقونها منهم، إلا أنهم كانوا يتميزون بالعفو والصفح، فما أجمل أن يقتدي الإنسان بصفات أنبياء ورسل الله.[١]


التسامح وأثره على الفرد والمجتمع

يعرَف التسامح بأنه القدرة على التعامل مع الشيء أو الاستمرار في الوجود على الرغم من تواجد الظروف الصعبة أو السيئة،[٢] وتتشكل المجتمعات من الأفراد الذين يمتلكون صفات محددة تمكَنهم من التعايش مع بعضهم البعض وتميزهم عن بقية المخلوقات، وعلى الرغم من اختلاف الثقافات والعروق والأديان المتَبعة وحتى أنماط المعيشة، إلا أن تلك الجماعات قادرة على التأقلم والتعايش مع بعضها البعض اعتمادًا على العديد من القواعد والأساسيات التي تشكل الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات، ويعد التسامح إحدى هذه الركائز التي تشكل أساسًا متينًا لمجتمع يتصف بالازدهار في كافة مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى العاطفية، إذ إن انتشار العولمة والتكنولوجيا الحديثة في الآونة الأخيرة جعلت العالم بأكمله وكأنه قرية صغيرة متاحة للجميع، وأصبحت الثقافات المختلفة متبادلة وسهل الوصول إليها في أي وقت كان، وبسبب هذا التطور الكبير في العلاقات فنحن الآن بحاجة كبيرة إلى تعزيز مفاهيم الحب المتبادل بين الأفراد والتسامح وقبول الآخرين وخصوصًا في قضية اختلاف الأديان، فكلّ فرد من أفراد المجتمع له حقّ اعتناق الدين الذي يتناسب مع أفكاره وعاداته المتَبعة، وهنا يأتي دور التسامح في تقليل عدد الخلافات الواقعة بين الأفراد بسبب اختلاف وجهات النظر.[٣]

للتسامح العديد من الاَثار الإيجابية على الفرد والمجتمع، ومن هذه الاَثار:[٤]

  • يقوم التسامح في الأساس على الترفُّع عن صغائر الأمور، فنجد الشخص المتسامح إنسانًا واعيًا، لا يردّ الإساءة بالإساءة، وإنما يسعى إلى تجاهل إساءات الاَخرين، وذلك يجعله إنسانًا أرقى، ويجعله منشغلًا بما هو أهم في حياته من ردّ الإساءة للاَخرين.
  • الإنسان المتسامح يشعر بالسلام الداخلي والرّضى عن النفس، فهو يتسامح مع الاَخرين لنيل هدفٍ سامٍ، وهو رضى الله ومحبته ونيل الأجر العظيم.
  • الإنسان المتسامح محبوب بين الناس، وله مكانة رفيعة في قلوبهم، فهو إنسان مميز بالطيبة، وسعة الصدر، والحِلم.
  • يعود التسامح على المجتمع أكمله بالخير، فالتسامح يزيد من أواصر المحبة بين أفراد المجتمع، ويُطفئ نيران الضغائن المشتعلة في قلوب الناس.
  • يساهم التسامح في التقليل من نسب الجرائم، والثأر في المجتمع، كما ويقلّل من العنف والنزاعات والحروب.


دور الإسلام في تعزيز مفهوم التسامح

يعد الدين الإسلامي الحنيف أول الرسالات التي حثَت المجتمع على تطبيق مفهوم التسامح، إذ أكد القرآن الكريم على أن مسألة الدين هي مسألة شخصية تتعلق بضمير الفرد كما جاء في الكتاب الكريم في قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}،[٥] ويجب ألا يتواجد أي شكل من أشكال الإكراه في ذلك، وتوجد العديد من الأمثلة الشاهدة على تطبيق مفهوم التسامح منذ أيام رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، إذ كانت المعاهدة الأولى بين المسلمين واليهود عندما هاجر النبي محمد صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، والتي كانت تستند استنادًا وثيقًا على مبدأ الحرية الدينية المطلقة والتسامح الذي يطبق بنزاهة، كما ورد في بعض الروايات أنه عندما جاء مسيحيو نجران إلى المدينة المنورة أعطاهم النبي الأمين محمد صلّى الله عليه وسلم كافة الصلاحيات لإجراء طقوس العبادة الخاصة بهم، وحثَّ الصحابة عليهم السلام بعدم كبحهم أو منعهم من ذلك.[٦]

دعت جميع الأديان السماوية للتسامح والعفو عند المقدرة، وقد دعا ديننا الإسلاميّ الحنيف للتسامح وأمر الناس بالرّفق واللين والبُعد عن الإساءة إلى الاَخرين حتى وإن بادروا هم بالإساءة، وورد في القراَن الكريم العديد من الاَيات التي تحُثّ على التسامح ومن هذه الاَيات، قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}،[٧] وديننا الإسلاميّ هو دين عظيم قائم على التسامح والرّفق وهو بعيدٌ كل البعد عن التشدُّد، وفيه الكثير من الأمثلة على التسامح مع الملسمين في آداء العبادات، ومن الأمثلة على ذلك إباحة الله سبحانه وتعالى للمسلمين التيمُّم في حال انقطاع الماء، أو في حال كان المرء في مكان لا يوجد فيه ماء أبدًا، ومن الأمثلة الأخرى كذلك على التسامح إباحة الله سبحانه وتعالى للمسلم المريض أو الذي على سفر الإفطار خلال شهر رمضان وقضاء ذلك فيما بعد، وكان النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم من أعظم الأمثلة على التسامح، فقد عفا عن المشركين في الكثير من المواقف، وتسامح مع من أساء إليه.[٤]


طرق تعزيز مفهوم التسامح لدى الأطفال

يعد الطفل الركيزة الأساسية التي تبدأ منها المجتمعات، لذا يجب التنويه إلى أهمية زرع المبادىء النبيلة داخله منذ الصغر، وإحدى تلك المبادئ هي التسامح وقبول الآخر، مما يسهم في تكوين قاعدة متينة من العلاقات الوطيدة بين أفراد المجتمع الواحد بعيدًا عن أنواع التعصب الناتجة عن الاختلاف العرقي أو الديني أو اللوني، وفيما يلي بعض ذكر لبعض الطرق التي تساهم بفعَالية في تعزيز مفهوم التسامح لدى الأطفال:[٨]

  • اجعل طفلك يشعر بالتميز والحب والأمان.
  • لا تبخل عليه بعبارات الحب والمودة التي تجعل منه طفلًا محبوبًا ويعتاد على حبّ الآخرين.
  • عرَّف طفلك على الأماكن الجديدة، الأشخاص، والثقافات، وذلك من خلال التفاعل مع الآخرين والاطلاع على عاداتهم في مختلف الطقوس.
  • كن مثله الأعلى في التسامح والاحترام، إذ سيتعلم طفلك كيفية التعامل مع الآخرين، من خلال ملاحظته لأساليب تعاملك معهم وعلاقاتك بهم واحترامك لقيمهم.


مواقف النبي عليه الصلاة والسلام في التسامح

للنبي عليه الصلاة والسلام الكثير من المواقف التي تمثّل فيها تسامحه مع الكثير من المسيئين، ونذكر من هذه المواقف:[٩]

  • تسامُح الرسول عليه الصلاة والسلام مع الأعرابيّ الذي شدّه من ياقة العباءة: فقد رُوي عن الصحابيّ الجليل أنس بن مالك أنه كان يمشي مع رسول الله، وجاء فجأةً أعرابيّ وأمسك بياقة قميص الرسول عليه الصلاة والسلام وشدّه إليه بعنف، وقال له (أعطني من مال الله الذي عندك)، وما كان من تصرُّف النبي عليه الصلاة والسلام إلّا أن التفت إلى الأعرابي وضحك، وأمر له بمقدار من المال.
  • عفو النبي عليه الصلاة والسلام عن المشركين يوم فتح مكة: فبالرغم من القوة والغلبة التي بلغها المسلمون يوم فتح مكة، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام، عفا عن أهلها من المشركين، وقال لهم "اذهبوا فأنتم الطُّلقاء"، ولم يفكر عليه أفضل الصلاة والسلام بردّ الإساءة لهم، أو الانتقام منهم، بل سامحهم وعفا عنهم، بالرغم من كل الإيذاء الذي بدر منهم تجاهه وتجاه المسلمين.
  • عفو النبي عليه الصلاة والسلام عن الأعرابي الذي أراد قتله وهو نائم تحت الشجرة: كان النبي عليه الصلاة والسلام في إحدى الغزوات نائمًا تحت شجرة، وسيفه معلقٌ فوقها، فجاءه فجأة رجلٌ من المشركين وأخذ سيفه وكان يريد أن يقتله، وسأل الأعرابي رسول الله قائلًا (أتخافني؟)، فأجابه عليه الصلاة والسلام (لا)، فسأله الأعرابي (فمن يمنعك مني؟)، فأجابه عليه الصلاة والسلام (الله)، فسقط السيف من يد الأعرابيّ، فأخذه النبي وسأله (من يمنعك مني؟)، فأجابه الأعرابي (كُن خيرَ اَخِذ)، وبالرغم من أن الأعرابي رفض دخول الإسلام، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام سامحه وعفا عنه.


نصائح لتعزيز مفهوم التسامح في حياتك

نحن نعيش في مجتمع حيّ يتكون من جماعات متعلَمة ومتكيَفه مع بعضها البعض، ورغم أن روح التسامح يمكن أن تجلب الشفاء والمعنى الحقيقي للحياة، إلا أن معظم الناس لديهم صعوبة في التسامح مع الآخرين واتخاذ هذا المبدأ منهجًا لحياتهم، ويُعَرف التسامح أيضًا بأنه قدرتك على التعامل مع الرفض أمام نفسك أولًا ومن ثم مع الآخرين، وفيما يلي بعض النصائح لتعزيز مفهوم التسامح في حياتك:[١٠]

  • يمكنكَ الاجابة عن الأسئلة التي تحتاج إلى وقتٍ كافٍ للإجابة عنها، والتي تعد كخطوة أولى لتتعرف على كيفية تطبيق مبدأ التسامح في معاملاتنا مع الآخرين:
    • هل لديك القدرة على تحمل انتقادات الآخرين والتعامل مع الاضطرابات التي يسببونها لك؟
    • هل لدية القدرة على التمتع بالروح الرياضية وعدم فقدان الثقة أثناء فعل ذلك؟
    • هل تفضَل أن تكون شخص غير مبالٍ، أو لديك القدرة على تجاهل المواقف والأشخاص؟
    • إذا كان من غير الممكن أن يتغير سلوك الآخرين، كيف تتعامل معهم؟
  • امتلك مشاعرك: حاول السيطرة على نفسك عندما يتصرف أحد الأشخاص تصرَفًا يزعجك، وخذ بعين الاعتبار عدم درايته بمشاعرك.
  • انظر للداخل: حاول معرفة ماضي الشخص المقابل لك وسبب انزعاجك منه، ومن ثم انظر إلى نفسك للعثور على مصدر مشكلتك من خلال طرح بعض الأسئلة.
    • هل أنت ذلك الشخص الذي يرفض ما لا يريده أو يحتاجه؟
    • هل الشخص المقابل لك لا يهتم لمشاعرك؟
    • هل الشخص الآخر يقول أو يفعل شيء لا تسمح لنفسك بفعله؟
    • لماذا انزعجت من تصرفه؟
  • تأمَل: إن عملية التأمل تساعدك في زرع مبادىء التسامح داخل نفسك من خلال تحمل الآخرين بمختلف أفكارهم، وتهدئة النفس قبل الرد على الآخرين، والتحلي بالصبر اللازم.
  • ركَز على التغيير: إن الكون بطبيعته متغيَر ويجدد نفسه باستمرار، وعلى هذا النحو فإن كلّ شيء في هذه الحياة له لحظة تكوّن وتغيير، وأنت كذلك يمكنك التغيير من وقت لآخر، وكن دائمًا على دراية أن المواقف التي تزعجك هي مواقف مؤقتة، وغالبية الأشخاص في حياتك هم أيضًا مؤقتين وسيتواجدون حولك لظروف معينة ولفترات محددة.
  • استخدم قوَتك: ضع ردة فعلك العاطفية جانبًا عند التعامل مع التجارب المحبطة، وبالتالي ستتمكن من التحكم بمقدار الانزعاج الذي يسببه الآخرين لك والذي بدوره يؤثر سلبًا عليك، وتحويله إلى مصدر قوة تمكَنك من التركيز على الجوانب الأكثر إيجابية وقبولًا للطرف الآخر وللتجارب.
  • الحفاظ على المنظور: بغض النظر عن درجة الرضا التي تمتلكها تجاه نفسك ومدى تقبَلك للصادر منها، إلا أنه من الممكن تواجد شخص ما منزعج منك بسبب بعض تصرفاتك وأفكارك، لذلك تذكر أخطاءك واسأل نفسك باستمرار:
    • هل سبق وأن أزعجت شخص ما بطريقة ما؟
    • كيف كانت ردّة فعله؟
    • كيف تصرفت تجاه ذلك الشخص لتوضيح وجهة نظري له؟
  • عوَّد نفسك على الصبر: عادة الصبر أحد أهم الجوانب التي ستساعدك على أن تصبح أكثر تسامحًا وتقبلًا للآخرين.


المراجع

  1. خالد البوعينين (8-9-2016)، "مفهوم التسامح"، بوابة الشرق الإلكترونية، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2019. بتصرّف.
  2. "tolerance", dictionary.cambridge, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. Junaid Ahmad Waraich, Pakistan (13-4-2018), "Tolerance – Its Importance in Social Life"، alhakam, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  4. ^ أ ب آلاء الورداني، "ما هي اثار التسامح"، موسوعة كله لك، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2019.بتصرّف.
  5. سورة البقرة ، آية: 256.
  6. Junaid Ahmad Waraich, Pakistan (13-4-2018), "Tolerance – Its Importance in Social Life"، alhakam, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. سورة الأحراف، آية: 199.
  8. "4 Ways to Promote Tolerance and Respect in Your Child", scholastic, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  9. "مواقف من تسامح النبي محمد"، بوابة الأهرام، 8-2-2018، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2019. بتصرّف
  10. Leo Carver (10-2-2016), "8 Tips to Build Tolerance in Your Life"، chopra, Retrieved 10-12-2019. Edited.

فيديو ذو صلة :