محتويات
المدينة المنوّرة
تعد المدينة المنورة أول عاصمة للخلافة الإسلامية في تاريخ الإسلام كاملًا، وثاني أقدس الأماكن لدى المسلمين بعد مكة، وفيها أول مسجد بناه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعاصمة أرض الحجاز التاريخية غرب المملكة العربية السعودية، وفيها مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومقبرة البقيع التي تضم بين جوانبها أغلب الصحابة والتابعين وشهداء المعارك الإسلامية، تقع المدينة المنورة في غرب السعودية، وتبعد حوالي 400 كم شمال شرق مكة المكرمة، و150 كم شرق البحر الأحمر، ويعد الميناء المعتمد لها هو ميناء ينبع الذي يقع في الجهة الغربية الجنوبية منها، ويبعد عنها 220 كم، وتبلغ مساحة المدينة المنورة حوالي 589 كم²، منها 99 كم² تشغلها المنطقة العمرانية، أما بقية المساحة فهي أراضٍ خالية من العمران، وتتكون من جبال ووديان ومنحدرات وسيول وأراض صحراوية وأخرى زراعية، وتتميز المدينة بالمناخ الصحراوي الذي يتسم بالجفاف وقلة سقوط الأمطار، ودرجات حرارة عالية على مدار العام، إذ تتراوح بين 30-45 درجة مئوية في فصل الصيف، وفي فصل الشتاء يكون الجو ماطرًا، ويكثر هطول المطر تحديدًا في شهر نيسان.[١]
تاريخ المدينة المنورة
لا تمتلك الحجاز عامةً تاريخًا واضح المعالم، إذا توجد توقعات وتأويلات عِدّة حول تاريخ الحجاز عامةً وتاريخ المدينة خاصة، لكن أكثر المؤرخين يذهبون إلى أن "العماليق" نسبة إلى عملاق أو عمليق هم أول من سكن المدينة المنورّة من أحفاد سام بن نوح عليه السلام، وكانت قد تكاثرت مع الزمن أحفاده وذراريه، وأصبحوا على شكل قبائل أشهرها بنو هف وبنو سعد وبنو مطرويل، بعد ظهور المسيح والديانة المسيحية واعتناقها للديانة المقدسة في عهد الإمبراطورية الرومانية بدأ اليهود بما يشبه التمرد والعصيان؛ فتعرضوا للقمع والتشريد من جانب الدولة الرومانية، وفرَّ بعضهم إلى أنحاء الجزيرة العربية، ويوجد من يرى أن هذه الهجرة جاءت في أعقاب عملية السبي التي تعرض لها اليهود في العهد الآشوري والكلداني، وقد استقبلهم العرب على عادتهم استقبال الحفاوه وإكرام الضيف وإيواء الغريب، ومن الباحثين من يعتقد أن يهود المدينة ومعهم يهود الجزيرة العربية عمومًا إنما هم من العرب الذين اعتنقوا اليهودية عن طريق التبشير، وشأنهم شأن العرب الذين اعتنقوا النصرانية بعد ظهورها، وكيفما كان الأمر فإن اليهود أقاموا في يثرب إلى جانب العماليق مع بعض قبائل العرب مثل بلى وقيس عيلان، وقد تأثروا بهم واتخذوا لأنفسهم أسماءً عربيةً، وأصبحوا مع الزمن قبائل كاملة مثل القبائل العربية، فخرج منهم قبيلة بنو قريظة وقبيلة بنو النضير وقبيلة بنو قينقاع وغيرهم الكثير، وتوجد بعض أسماء المواضع في المدينة المنوّرة منسوبةً إليهم؛ مثل وادي مهزور المعروف بالغة العبرية مجرى الماء، ووادي بطحان ومعناه الاعتماد، وأخيرًا بئر أريس، إذ لا يوجد شخص اسمه أريس، وإنما أريس في العبرية معناها الفلاح.
وبعد هجرة الأوس والخزرج، وعقب أحداث سيل العرم وانهيار سدّ مأرب عند منتصف القرن السادس الميلادي، كان الأوس قد نزل جنوبي يثرب وشرقيها، وأقام الخزرج في الشمال الغربي وجاوروا بني قينقاع، ومع مرور الأيام تاجروا وتملّكوا الضياع والأموال والعقارات، مما جعل اليهود يخافون على أنفسهم وأموالهم منهم، فعقدوا معهم تحالفًا رغم تغلبهم على يثرب، لكن ما أرادوه من هذا الحلف أن تستمر لهم السيادة على المدينة في الوقت الذي قَنِع الأوس والخزرج بما كانوا يحققونه من مكاسب على المستوى الزراعي أو التجاري، لكن اليهود كعادتهم هم من نقضوا العهد الذين بينهم وبين الأوس والخزرج، ولجؤوا إلى بث الدسائس والمؤامرات لتفريق الكلمة فيما بين القبيلتين، وانتهى الأمر بشن حروب ووقائع امتدت إلى ما قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بقليل، ومن أشهر تلك الوقائع حرب سمير- حرب حاطب- وحرب بعاث، تكبد فيها كل من الأوس والخزرج خسائر فادحة في الأموال والأرواح، وحينما صحا الفريقان من سكرتهم وتنبهوا إلى ما يفعله بهم اليهود من انتهت تلك الحروب بعد أن وهن وثاق الأخوة بين القبيلتين العربيتين.
وكان لسيد الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول العوفي، وسيد الأوس أبي عامر عبد عمر بن صيفي بن النعمان دور لافت في تجاوز تلك الخلافات، لكن نجم هذين السيدين تبدد وانتهى مع بداية ظهور الإسلام بسبب رفضهما للدعوة الإسلامية؛ لإعتقادهما أن العهد الجديد سرق منهم الملك والحكم، فتظاهر الأول بالدخول في الإسلام نفاقًا وكذبًا، في حين أبى الثاني إلا الكفر، فغادر إلى الشام حيث مات فيها بعيدًا عن القوم والديار.[٢]
المدينة المنورة في العصر الحديث
عاشت المدينة المنورة أزهى عصورها في عهد الخلفاء الراشدين بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة السلام، فمنذ تولي أبو بكر الصديق الخلافة قضى على المرتدين عن الإسلام في حروب الردة، وجاء بعده عمر بن الخطاب، إذ فُتحت بلاد الشام ومصر وبلاد فارس، وفي عهد عثمان بن عفان الذي شهد زمنه المزيد من الفتوحات ودخول سلاح البحرية إلى الجيش الإسلامي وحدوث الفتنة بين المسلمين، وأخيرًا عهد علي بن أبي طالب الذي سار على نهج السابقين، وبعد استشهاده عام 661 بدأت الفتنة بين المسلمين حتى قامت الخلافة الأموية عام 661 بعد أن تنازل الحسن بن علي عن الخلافة، ونقلت عاصمة المسلمين من المدينة المنورة إلى دمشق، ومنذ نهاية عصر الخلافة الأموية حتى بداية العهد السعودي مرّت المدينة المنورة بعصور مختلفة بداية من الخلافة العباسية مرورًا بالخلافة الفاطمية ثم الدولة الأيوبية ثم الدولة المملوكية ثم الإمبراطورية العثمانية وصولًا إلى العصر السعودي الحديث.
دخلت المدينة المنورة في ظل الدولة السعودية في يوم 19 جمادى الأولى عام 1344 للهجرة، وذلك عندما سلمها القادة الهاشميون بناء على اتفاق خاص مع الملك عبد العزيز آل سعود، وقد شهدت المدينة المنورة في العصر السعودي الحديث أزهى عصورها من حيث أعمال التوسعة والعمران، وشهدت المدينة تقدمًا في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ وفرت الدولة السعودية الأمان لسكان المدينة بعد أن كان مفقودًا بسبب غارات القبائل، ولعل أبرز ما فعلته الحكومة السعودية للمدينة المنورة هي توسعة المسجد النبوي، إذ وضع الملك فهد بن عبد العزيز حجر الأساس للتوسعة الضخمة للمسجد النبوي، وذلك في 2 نوفمبر 1984، إذ أُضيفت مساحة 82000 م² لحرم المسجد، وبنوا ساحات واسعة تحيط بجهات المسجد الأربع يبلغ إجمالي مساحتها حوالي 235000م²، وزادت الطاقة الاستيعابية للمصلين كثيرًا داخل المسجد، فبعد أن كان المسجد النبوي يستوعب حوالي 58000 مصلٍّ (دون مساحة الساحات المحيطة بالمسجد)، فقد أصبح يستوعب حوالي 650000 مصلٍّ.[٣]
أهم معالم المدينة المنورة
هي ثاني أقدس البقاع في الإسلام بعد مكة المكرمة وعاصمة السياحة الإسلامية لعام 2017، تحمل معظم معالممها الطابع الإسلامي بما في ذلك ثلاثة من أهم المساجد؛ وهي المسجد النبوي الذي بناه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء أول مسجد بني في الإسلام ومسجد القبلتين الذي تحولت فيه القبلة إلى مكة المكرمة، كما تفتخر المدينة المنورة باحتضانها مقابر أكثر من 70 من الصحابة.[٤]
- المسجد النبوي: هو أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ الرحال إليها، والصلاة فيه أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام، وقد بني على يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويحتضن قبره الشريف مع اثنين من صحابته الكرام أبو بكر الصديق وعمر ابن الخطاب، ويتميز المسجد النبوي بتصميمه الرائع على شكل مستطيل مع عشر مآذن عالية، كما أنه أول مكان يضاء بالمصابيح الكهربائية في شبه الجزيرة العربية.
- مسجد قباء: أول مسجد بني في الإسلام تحديدًا في عام 622 ميلاديا عند قدوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقد وضع حجر الأساس بنفسه، ويتميز بمحرابه ومآذنه العالية والمنبر الرخامي الرائع في الداخل، وقد شهد في العصر الحديث توسعة، إذ بلغت مساحة المصلى وحده حوالي 5035 مترًا مربعًا بعد أن كانت 1600 متر مربع فقط، وأصبحت المساحة الكلية له مع مرافقه ما يُقارب 13500 متر مربع.
- مسجد القبلتين: هو المسجد الوحيد في العالم الذي صُلّي فيه بقبلتين، فقد اتجه الصحابة في صلاة واحدة إلى قبلتين، ففي البداية كانت القبلة إلى البيت المقدس، وفي العام الثاني للهجرة تحولت القبلة إلى المسجد الحرام، فأرسل النبي محمد أحد الصحابة ليبلغ المسلمين في أطراف المدينة، وعندما جاء الصحابي والناس يصلّون وأخبرهم فتحولوا وهم في صلاتهم إلى القبلة الجديدة، ويرجع تاريخ بناء مسجد القبلتين إلى عام 623 ميلاديًا، ويتميز بلونه الأبيض الناصع.
- مقبرة شهداء أحد: تحتضن قبور الصحابة التي يصل عددهم الى أكثر من 70 صحابيًا، ومنهم عم النبي حمزة ابن عبد المطلب ومصعب بن عمير رضي الله عنهما، وتقع مقبرة شهداء أحد على بعد 5 كيلومترات شمال المسجد النبوي عند سفح جبل أحد، ويستحب لمن نزل المدينة أن يزور تلك المقبرة ويسلم على من فيها من الصحابة رضوان الله عليهم.
- جبل أحد: أحد معالم المدينة المنورة ذات الطابع الطبيعي والديني، يقع الجبل شمالي المدينة المنورة، وهو أكبر وأعلى جبال المدينة بارتفاع يصل إلى أكثر من ألف متر عن سطح البحر، ويمتد كسلسلة جبلية من الشرق إلى الغرب، وقد شهد هذا الجبل المقدس غزوة أحد في السنة الثالثة للهجرة التي وقعت بين المسلمين وكفار قريش في الساحة الممتدة ما بين قاعدته الجنوبية الغربية وجبل الرماة الذي يبعد عنه ميلًا واحدًا تقريبًا، واستشهد فيها عم الرسوم حمزة بن عبد المطلب.
- مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف: هو واحد من أهم معالم المدينة المنورة وأكبر مطبعة في العالم لطباعة المصحف الشريف، إذ يطبع أكثر من 10 ملايين مصحف كل عام، وقد افتتح المجمع رسميًا الملك فهد بن عبد العزيز يوم 30 أكتوبر 1984، ومنذ ذلك الحين أنتج أكثر من 160 إصدارًا و193 مليون نسخة من المصحف، ويجري المجمع دراسات وأبحاث مستمرة لخدمة الكتاب والسنّة، كما يضم أحدث ما وصلت إليه تقنيات الطباعة في العالم.
- محطة الحجاز: افتتحت السكة الحديدية عام 1900 ميلادي من قبل السلطان عبد الحميد الثاني، وتشكل محطة الحجاز آخر محطات سكة القطار التي كانت تربط دمشق بالمدينة المنورة مرورًا بالأردن وصحاري وجبال تبوك وجبال الحجاز، والمحطة اليوم مفتوحة للجمهور كمتحف يعرض تاريخ المحطة وتاريخ المدينة المنورة، وقد أُصلحت عربات القطار القديمة والتي تعمل الآن على مسافة كيلومتر واحد من المحطة لنقل الزوار منها وإليها.
- متحف دار المدينة: يعد أحد المعالم السياحية الحديثة، افتتح عام 2011، يعرض التاريخ العمراني والحضاري للمدينة المنورة، كما يعرض تفاصيل السيرة النبوية والإسلامية والثقافة العمرانية والحضارية للمدينة المنورة، ويوفر لزواره فرصة التعرف على معالم الحجرة النبوية الشريفة ومراحل تطورها وذلك منذ تأسيسها على يدّ النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، بالإضافة إلى منازل الصحابة التي كانت تحيط بالمسجد النبوي الشريف.
- مدائن صالح: مدائن صالح هي موقع أثري هام يقع شمالي غربي المملكة في العلا التابعة للمدينة المنورة، وقد ذكرت هذه المدينة في القرآن الكريم على أنها موطن قوم ثمود الذي بعث فيهم نبي الله صالح، وكانت تعرف أيضًا باسم مدينة الحِجر.
- البقيع: وهي المقبرة الرئيسة لأهل المدينة المنورة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى الآن، وتقع جنوب شرق المسجد النبوي، تبلغ مساحة البقيع الحالية حوالي 180000 متر مربع، وتضم مقبرة البقيع رفات الآلاف من أهل المدينة ومن توفي فيها من المجاورين والزوار وفي مقدمتهم الصحابة الكرام؛ منهم عثمان بن عفان وأمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم عدا خديجة وميمونة وابنته فاطمة رضي الله عنها.
المراجع
- ↑ "المدينة المنورة"، aljazeera، اطّلع عليه بتاريخ 25-12-2019. بتصرّف.
- ↑ مصطفي الخطيب (18-6-2017)، "تاريخ المدينة المنورة "، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 2-1-2020. بتصرّف.
- ↑ "المدينة المنورة"، marefa، اطّلع عليه بتاريخ 25-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "جولة حول أهم معالم المدينة المنورة"، travelerpedia، اطّلع عليه بتاريخ 25-12-2019. بتصرّف.