محتويات
التيسير في الشريعة الإسلامية
جعل الله شريعة الإسلام الخاتمة لجميع الشرائع، وأنزلها للناس كافة في مشارق الأرض ومغاربها، ومن نعمة الله علينا أن جعلها ميسَّرة الفهم والعمل، لرفع الحرج عن هذه الأمة؛ إذ قال سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}[١]، وقال أيضًا: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}[٢].
معالم اليُسر في الشريعة الإسلامية كثيرة ومتعددة، إحداها التيسير في الصلاة؛ إذ أباح ربنا جل في عُلاه قَصْر الصلاة الرباعية إذا سافر الإنسان سفرًا طويلًا، للتخفيف عليه وعدم تكليفه فوق طاقته، وشَرّع القصر والجمع وأمر به، وبَين لنا الله عزو وجل أنَّ قصر وجمع الصلوات أفضل من إتمامها في حال السفر، ورخص الجمع أيضًا للمريض، وللأعذار الخارجة عن إرادة الانسان؛ كنزول المطر ونحو ذلك، وهذا كله للتيسير والتخفيف عن المسلمين.[٣]
معنى جمع وقصر الصلاة
بين الله مجملًا في كتابه الحكيم صلاة القصر، وأوضحها لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ}[٤]، وبيَّنَهَا النبي عليه السلام بفعله عندما كان يقصر في السفر؛ فكان عليه السلام إذا سافر صلى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والعشاء ركعتين، أمّا صلاة المغرب فلم يرد عن الرسول عليه السلام أنّه قصرها؛ إذ كان يُصليها ثلاثاً دائماً في السفر والحضر، وكذلك صلاة الفجر فإنّها لا تقصر، إنّما تصلى ركعتين اثنتين دائماً في الحل والترحال،
وذلك يعني أنّ القصر يكون فقط في صلاة الظهر، والعصر، والعشاء؛ أيّ أنّ الصلاة التي تُصلى أربع ركعات، تُقصر وتُصبح اثنتين، أمّا رخصة الجمع؛ فإن احتاجها المسلم جمع، وإن لم يحتاجها تركها، فإذا سافر بعد الظهر وأحب أن يُصلي العصر مع الظهر فلا ضرر في ذلك، ولو سافر بعد المغرب وأحب أن يقدم العشاء مع المغرب، فلا بأس في ذلك أيضًا، وقد فعل النبي عليه السلام ذلك في كثير من أسفاره.[٥]
كيفية أداء صلاة القصر والجمع
يجوز لكل مسافر أن يجمع صلاة الظهر والعصر مع بعضهما البعض، أو صلاة المغرب والعشاء مع بعضهما البعض، مع قصر ما كان رباعياً من الصلوات، وذلك وفق الضوابط التالية:[٦]
- جمع صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم: يكون جمع التقديم أولى في حق من زالت عليه الشمس في محل نزول، خصوصًا إذا نوى المسافر ألّا ينزل قبل اصفرار الشمس.
- جمع صلاتي الظهر والعصر جمع تأخير: وهذا أولى إذا كان مواصلًا للسير لم يتوقف، وقد جدّ فيه، فله أن يجمع الظهر والعصر جمع تأخير.
- جمع صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم: يكون جمع التقديم أولى في حق من غربت عليه الشمس وهو نازل، وكان ينوي إذا ارتحل ألا ينزل إلّا بعد انتهاء ثلث الليل الأخير.
- جمع المغرب والعشاء جمع تأخير: يكون جمع التأخير أولى في حق من غربت عليه الشمس وهو في حال ركوب، وجَدَّ في السير ولم ينزل للاستراحة أو غيرها، فله أن يُؤخر صلاة المغرب إلى وقت العشاء ويجمعهما.
شروط قصر وجمع الصلاة
يُباح لكل مسافر أن يجمع بين الصلاتين وفق الشروط الآتية:[٧]
- أن تكون المسافة التي قطعها مسافة قصر، وهي حوالي 80 كيلو متر تقديرًا عند جمهور العلماء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ مسافة السفر لا تتحدد بمسافة ما، إنّما يُرجع في ذلك إلى العرف.
- يشترط جمهور العلماء أن يكون هدف السفر مباحاً، فمثلًا لو سافر المسافر بهدف قطع الطريق أو ارتكاب الفاحشة، أو ارتكاب المعصية لم يجز له أبدًا أن يأخذ برخصة المسافر في الجمع والقصر، لأنّ الهدف الأساسي من سفره للمعصية وليس لأمر مباح.
- أن ينوي الإقامة أقلّ من أربعة أيام، فإن نوى الإقامة أكثر من ذلك لا يجوز له أن يأخذ برخصة الجمع والقصر في الصلاة، قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " إن كان ناويًا الإقامة أكثر من أربعة أيام، فلا يجوز له الترخص برخص السفر من الجمع والقصر ونحو ذلك، وإن نوى الإقامة أربعة أيام أو أقلّ من أربعة أيام أو أنّ سفره متعلق بقضاء حاجته، فمتى انقضَت سَافرَ، ولم يُحدد المدة الموجبة للترخص برخص السفر - جاز له أن يترخص برخص السفر ".
- أن لا يبدأ في أخذ رخص السفر؛ إلّا عندما يخرج من مدينته خروجًا حقيقيًا.
- يشترط جمهور العلماء ألّا يفصل بين الصلاتين المراد جمعهما، وإنّما يُصليهما في نفس الوقت.
- يشترط عند جمهور العلماء الترتيب بين الصلاتين المجموعتين، فقد قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "يجب في حال الجمع الترتيب، بحيث يُصلي الظهر أولاً ثم يُصلي العصر، ويصلي المغرب أولاً ثم يصلي العشاء، سواء كان جمعه جمع تقديم أو تأخير"، وقال الشيخ ابن عثيمين عليه رحمة الله :"يشترط الترتيب بأن يبدأ بالأولى ثم بالثانية؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: [صلوا كما رأيتموني أصلي][٨]".
مَعْلُومَة
قد لا يعرف كثير من الناس أنّ هناك حالات غير السفر يكون جمع الصلاة فيها مباحًا، وهذه الحالات هي:[٩] * يُشرع الجمع بين الظهر والعصر للحاج الواقف على جبل عرفات، فيُصلي الظهر والعصر جمع تقديم عند أول وقت الظهر، ويُشرع الجمع بين المغرب والعشاء، بعد الإفاضة من جبل عرفات جمع تأخير.
- يُشرع الجمع في المرض عند المالكية والحنابلة، وحجتهم في ذلك أنّ الجمع لا يكون إلا لعذر، والمرض عذر.
- الجمع في المطر الذي يبلل الثياب، فقد ذهب جمهور فقهاء الشافعية، والمالكية، والحنابلة، إلى جواز الجمع في المطر، مستدلين بذلك إلى حديث ابن عباس في الصحيحين [وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً][١٠] وزاد مسلم في رواية [من غير خوف ولا سفر][١١].
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 185.
- ↑ سورة النساء، آية: 28.
- ↑ "التيسير في الشريعة الإسلامية"، khutabaa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-31. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 101.
- ↑ "كيفية قصر الصلوات وجمعها في السفر"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-31. بتصرّف.
- ↑ "كيفية القصر والجمع في السفر"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-31.
- ↑ "شروط الجمع بين الصلاتين في السفر"، islamqa.info/ar/answers، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-31. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم: 893، صحيح.
- ↑ "أحوال الجمع بين الصلاتين عند الفقهاء"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 2020-6-3. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1210، صحيح.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 705، [صحيح].