الشعر الأندلسي
تميز الشعر الأندلسي في الأندلس التي تُعرف بإسبانيا في الوقت الحالي بسهولة ألفاظه، ووضوحها، ورقتها، وتنوعها، كذلك بوحدة الوزن والقافية عند بداية الشعر الأندلسي، ولكن بعد انتشار الغناء ألفوا أوزان جديدة، وبالرغم من هذا التجديد فقد حافظ الشعر الأندلسي على الأسلوب الشرقي ونسجوا الشعر حسب الأسلوب الشرقي بسبب المكانة الكبيرة التي كان يحتلها الشرقيون في نفوس الأندلسيين؛ فالشرق يُعد مكانًا للحضارة ونزول الوحي، وسُمّي العصر الأندلسي بالعصر الذهبي لما شاع فيه من رفاهية، والجمال، بالإضافة للآداب والعلوم، ويُعد هذا سببًا ساعد على ازدهار الشعر لديهم بالإضافة إلى تشجيع الحكام لديهم للعلماء والأدباء بسبب ميول الحكام للمعرفة، ومن الشعراء الأندلسيين الذين جددوا في الشعر العربي ابن زيدون، وسنتحدث في هذا المقال عن مولده ونشأته، ودوره السياسي، ونماذج من شعره.[١]
ابن زيدون ونشأته
يُعد ابن زيدون من أشهر شعراء الأندلس، واسمه أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيد المخزومي الأندلسي، وُلد شاعرنا عام 394 للهجرة في ضاحية الرصافة التي أنشأها عبد الرحمن الداخل واتّخذها مقرًا لحكمه وهي في مدينة قرطبة، ويعود أصل ابن زيدون إلى قبيلة بني مخزوم العربية المعروفة بمكانتها الكبيرة في الجاهلية والإسلام، إذ إن أبناءها من الفرسان الذين يمتازون بالشجاعة، والكرم العظيم، وكان والده صاحب علم وفقه وعالمًا في علوم العربية ومن فقهاء قرطبة وأعلامها، وكان جده لأمه المُسمّى محمد بن إبراهيم بن سعيد القيسي قاضيًا؛ فقد تولى القضاء في مدينة سالم وقد كان عالمًا، وقد عُرفت الأندلس عامة، وقرطبة خاصة بمناظرها الطبيعية بالغة الجمال الأمر الذي أثر على روح ابن زيدون، فتأثر شعره بالمشاهد الخلابة المحيطة به، وأصبح من أعظم شعراء تلك الحقبة، وعندما بلغ 11 من عمره تُوفي والده، وتولى جده تربيته، وكان شديدًا في ذلك فأصبح عالمًا بالقرآن، والأدب، والنحو، والشعر، والعلوم.[٢]
ابن زيدون سياسيًا
كانت الفترة التي عاش فيها ابن زيدون فترةً عصيبةً ممتلئة بالفتن بين المسلمين، الأمر الذي أدى بالحاكم إلى استدعاء ابن زيدون لمساعدته في القضاء على هذه الفتن التي أدت إلى قتل الكثير من أهل البلاد ومن ضمنهم الخليفة الأموي، إذ كان من أهم الأشخاص المؤثرين في المجتمع آنذاك لما تمتع به من حسن القول والفعل، وقد لعب ابن زيدون دورًا كبيرًا في إزالة الخلافة الأموية بمدينة قرطبة، كما ساعد ابن جهور على بناء الحكومة الجهورية؛ إذ حرك الجماهير عن طريق شعره، ومكانته الكبيرة في الدولة، وكان ابن جهور مُعتمدًا عليه اعتمادًا كبيرًا، فربطتهما علاقة قوية إلى أن تدخل الوشاة في زعزعة هذه العلاقة، وإنهائها بعد أن عُرفَتْ قصة حب ابن زيدون لولادة بنت الخليفة المستكفي التي أحبها الكثير من الشعراء، الأمر الذي أدى إلى حدوث منافسة بينه وبين الشاعر ابن عبدوس، فانتهى به المطاف بالسجن.[٢]
نماذج من شعره
يوجد لابن زيدون العديد من الأعمال الأدبية وله ديوان مُسمّى بديوان ابن زيدون وأهم ما يضمه هذا الديوان قصائده الغزلية التي استوحاها من حبه لولادة بنت الخليفة المستكفي، ويمتاز الغزل عنده بصدق العاطفة وجمال التصوير وعفوية التعبير، وفيما يلي ذكر لأبيات من قصيدته النونية المشهورة:[٣]
أَضحى التَنائي بَديلًا مِن تَدانينا
- وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا
- حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا
مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ
- حُزنًا مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
- أُنسًا بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا
- بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا
فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقودًا بِأَنفُسِنا
- وَاِنبَتَّ ما كانَ مَوصولًا بِأَيدينا
وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا
- فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا
وله أيضًا قصيدة إني ذكرتك بالزهراء مشتاقًا وفيما يلي ذكر لبعض أبيات هذه القصيدة المشهورة:[٤]
إنّي ذكرْتُكِ بالزّهراء مشتاقا
- والأفقُ طلقٌ ومرْأى الأرض قد راقَا
وَلِلنَسيمِ اِعتِلالٌ في أَصائِلِهِ
- كَأَنَّهُ رَقَّ لي فَاعتَلَّ إِشفاقا
وَالرَوضُ عَن مائِهِ الفِضِيِّ مُبتَسِمٌ
- كَما شَقَقتَ عَنِ اللَبّاتِ أَطواقا
يَومٌ كَأَيّامِ لَذّاتٍ لَنا انصَرَمَت
- بِتنا لَها حينَ نامَ الدَهرُ سُرّاقا
نَلهو بِما يَستَميلُ العَينَ مِن زَهَرٍ
- جالَ النَدى فيهِ حَتّى مالَ أَعناقا
كَأَنَّ أَعيُنَهُ إِذ عايَنَت أَرَقي
- بَكَت لِما بي فَجالَ الدَمعُ رَقراقا
وَردٌ تَأَلَّقَ في ضاحي مَنابِتِهِ
- فَازدادَ مِنهُ الضُحى في العَينِ إِشراقا
سَرى يُنافِحُهُ نَيلوفَرٌ عَبِقٌ
- وَسنانُ نَبَّهَ مِنهُ الصُبحُ أَحداقا
كُلٌّ يَهيجُ لَنا ذِكرى تَشَوُّقِنا
- إِلَيكِ لَم يَعدُ عَنها الصَدرُ أَن ضاقا
لا سَكَّنَ اللَهُ قَلبًا عَقَّ ذِكرَكُمُ
- فَلَم يَطِر بِجَناحِ الشَوقِ خَفّاقا
المراجع
- ↑ "مفهوم الشعر الأندلسي وأهم مميزاته وخصائصه"، almrsal، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2019.
- ^ أ ب سمير حلبي، "“ابن زيدون” بين الإبداع والطموح (بمناسبة ذكرى وفاته: 1 من رجب 463هـ)"، islamonline، اطّلع عليه بتاريخ 12-9-2019.
- ↑ "أضحى التنائي بديلا من تدانينا"، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2019.
- ↑ "إني ذكرتك بازهراء مشتاقا", aldiwan, Retrieved 11-12-2019. Edited.