محتويات
البكاء عند الرجال
البكاء هو ردّ فعل طبيعي عاطفي على مشاعر معينة، لكن غالبًا يَصعب عليك البكاء بالرغم من علمك بأنه أمر طبيعي، إلا أن الثقافة السائدة في الكثير من مجتمعات غالبية الرجال هي أن الرجال الأقوياء لا يبكون، إذ يُربِي العديد من الآباء أبناءهم على البكاء على انفراد إذا اضطرهم الأمر للبكاء، وهذا اعتقاد راسخ عند الكثير من الرجال بأن الرجولة تعني كبح الدموع إلا في حالات الحزن الشديد، حتى أن بعض النساء اتفقن مع هذا الرأي أيضًا، لكن في وقتنا هذا فإن غالبية النساء تُنادي بضرورة تشجيع الرجال والفتيان على التعبير عن مشاعرهم الحساسة، فلا تخجل من البكاء، إذ يمتلئ التاريخ بالقادة الذكور الذين بكوا علانية، فدموعك تدل على أنك تعيش وفقًا لقواعد القيم الإنسانية، فقد بكى النبيّ وهو خير البشر، وبكى مُحاربو العصور الوسطى ومحاربو الساموراي اليابانيون في أوقات المأساة الملحمية، كما استخدم الرئيس أبراهام لنكولن الدموع كاستراتيجية في خطاباته، وتبعه الرؤساء المعاصرون في ذلك.[١]
ما هو السر وراء عدم بكاء الرجال؟
تُشير الأبحاث إلى أن النساء يبكين ما يقارب ما بين 30-64 مرة في السنة، بينما يبكي الرجال ما بين 6-17 مرة فقط؛ وذلك بسبب نقص الهرمون العاطفي لديهم، إذًا على الأغلب فإن الأمر مُرتبط بهرمونات الذكورة أكثر ولا يرتبط فقط بالتوقعات أو الثقافات المجتمعية التي تقول بأن الرجال الحقيقيين لا يبكون، فقد اتضح أنه يوجد سبب جسدي حقيقي يجعل الرجال يميلون إلى البكاء أقل من النساء، لكن بالإضافة إلى هذا العامل توجد العديد من الأسباب الاجتماعية التي تجعلهم يتجنبون البكاء كما ذكرنا سابقًا خشية أن يوصفوا بالضعف أو نتيجة التربية الاجتماعية منذ الصغر، لكن عادت في الوقت الحاضر الثقافة القائلة بأن البكاء يدل على قوة الرجل وصدق عواطفه.[٢][١]
لا تحبس دموعك لهذه الأسباب
وجد الباحثون بأن البكاء يمكن أن يفيد جسمك وعقلك، فلا تحبس دموعك بعد اليوم، ومن فوائد البكاء:[٣]
- يزيل السموم من جسمك: إذ تُزيل الدموع الأوساخ والغبار من عينيك، وتُمنحهم مزيدًا من الترطيب، وتساعد على حمايتهم من العدوى.
- يساعد على تهدئتك ذاتيًا: فقد وجد الباحثون أن البكاء يُنشط الجهاز العصبي الودّي (PNS)، فيحصل جسمك على الراحة والهدوء بعد فترة وجيزة من البكاء، إذ يُفرز جسمك عند البكاء مواد كيميائية مثل الأوكسايتوسين والإندروفين، ويُمكن أن تُساعد هذه المواد في تخفيف الألم العاطفي أو الجسدي، ويدخل جسمك في مرحلة تخدير، فيمنحك شعورًا بالهدوء أو الرفاهية.
- يُحسِّن مزاجك: فعند البكاء وخاصة البكاء الشديد، فإنك تأخذ نفسًا سريعًا من الهواء البارد، فيساعد ذلك على تنظيم درجة حرارة دماغك وخفضها، فيتحسن مزاجك بعد نوبة بكاء.
- قد يمنحك الدعم المعنوي: إذ إن البكاء هو وسيلة لإخبار من حولك أنك بحاجة إلى الدعم.
- يعيد توازنك العاطفي: لا يحدث البكاء دائمًا كاستجابة لشيء حزين، فقد تبكي أحيانًا عندما تكون خائفًا أو حتى سعيدًا للغاية، فقد يكون البكاء هو طريقة جسدك للتعافي من تجربة مثل هذه المشاعر القوية، فهو وسيلة طبيعية وصحيّة للتعبير عن المشاعر.
- يساعدك على التعافي من الحزن: إذ إن البكاء مهم جدًا خلال فترات الحزن التي تتضمن مزيجًا من مشاعر الخدر والغضب والشعور بالذنب، وقد يساعدك البكاء في معالجة الحزن وتقبّل فقدان أحد الأحباء، إذ يمر كل شخص بمثل هذه المواقف ويعبر عن حزنه بطرق مختلفة، لكن إذا وجدت أن بكاءك شديد أو بدأ يؤثر في حياتك اليومية، فقد يكون من الأفضل مراجعة طبيبك.
قد يُهِمُّكَ
يُعد البكاء من النعم العظيمة التي امتنّ بها الله تعالى على عباده، قال تعالى: {وأنه هو أضحك وأبكى}[٤]، ففي البكاء تحصل المواساة للمحزون والتسريه عن المُصاب، وبه يتنفس المهموم من هموم الحياة ومتاعبها، وقد بكى النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو خير البشر، وكان بُكاؤه مشهدًا من مشاهد الإنسانية، فحين كانت تمرّ به المواقف المحزنة، وتهتزّ لأجلها مشاعره، يبكي – صلى الله عليه وسلم – وتفيض عيناه بالدموع، لكن دموعه لم يكن سببها الألم والحزن فقط، بل وراءها أسباب أخرى مختلفة؛ كالخشية والخوف من الله عزّ وجل، فقد كانت الدموع تسيل على خدّيه – صلى الله عليه وسلم- حينما كان يقف بين يدي ربه يناجيه، وكان يبكي رحمة وشفقة على الآخرين، وكان يبكي شوقًا ومحبّة، وكان يبكي – صلى الله عليه وسلم– إذا سمع القرآن، وبكى أيضًا اعتبارًا بمصير الإنسان ومآله بعد موته، وبكى صلوات الله عليه عند مقتل جعفر بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب، وعند وفاة ابنه إبراهيم، وبكى عند وفاة ابن لإحدى بناته، وعندما زار قبر أمه آمنة، وأبكى من حوله وبكى حينما وقف على شفير القبر في جنازة أحد أصحابه.
وبكى النبي – صلى الله عليه وسلم – خوفًا على أمّته من عذاب الله سبحانه وتعالى ورحمةً بها ،كما ورد في الحديث: [أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ تَلا قَوْلَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبْراهِيمَ: {رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فمَن تَبِعَنِي فإنَّه مِنِّي}[٥]، وقالَ عِيسَى عليه السَّلامُ: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فإنَّهُمْ عِبادُكَ وإنْ تَغْفِرْ لهمْ فإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}[٦]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وقالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتي أُمَّتِي، وبَكَى، فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟ فأتاهُ جِبْرِيلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بما قالَ، وهو أعْلَمُ، فقالَ اللَّهُ: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوءُكَ][٧]، فمن كلّ تلك المواقف النبوية نتعلم أن البكاء ليس شرطًا أن يُعبر عن النقص، وليس بالضرورة أن يدل على الضعف، بل قد يكون دليلًا على صدق الإحساس، وقوّة العاطفة، ويقظة القلب، شريطة أن يكون هذا البكاء منضبطًا بالصبر، بعيدًا عن النياحة والجزع، أو قول ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى.[٨]
المراجع
- ^ أ ب Derek Whitney (2018-07-08), "Why Is It So Hard for Men to Cry?", psychcentral.com, Retrieved 2020-08-12. Edited.
- ↑ "Here is why men do not cry, and there is a physical reason", www.deccanchronicle.com, 2017-08-04, Retrieved 2020-08-13. Edited.
- ↑ Ashley Marcin (2017-04-14), "9 Ways Crying May Benefit Your Health", www.healthline.com, Retrieved 2020-08-13. Edited.
- ↑ سورة النجم، آية:43
- ↑ سورة إبراهيم، آية:36
- ↑ سورة المائدة، آية:118
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:202، حديث صحيح.
- ↑ "دموع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-13. بتصرّف.