محتويات
مظاهر التوازن النفسي في شخصية الرسول الكريم
عند دراستك لشخصيّة الرّسول صلى الله عليه وسلم ستلاحظ مقدار التّوازن الكبير والدّقيق الذي لا يمكن أن تجده في بشرٍ سواه، إذ يتمثّل التوازن في شخصيته عليه السّلام في جمعه بين مكارم الأخلاق كلِّها، وعدم طغيان أي خُلُق على آخر، أو أي صفة على أخرى، فهو نوع من الكمال البشري الذي يقودكَ لحبّه صلّى الله عليه وسلّم ومفاخرة العالم أجمع به، أمّا إذا تحدّثنا عن التّوازن النّفسي في شخصيّته عليه الصّلاة والسّلام، فيمكننا القول أنّ هناك توازنًا عجيبًا يدركه أي شخص سواء قريب أم بعيد عنه، فلم يكن عليه السّلام بالكئيب العبوس الذي ينفّر الناس من حوله، وفي الوقت ذاته لم يكن بكثير الضحك والهَزل الذي يُسقط مهابته من العيون، وكان حزنه وبكاؤه عليه السّلام ممّا يحزن ويبكي منه العقلاء من غير إفراط ولا إسراف في ذلك.
فكان صلى الله عليه وسلم إذا بكى لم يشهق أو يرفع صوته، ولكن كانت تدمع عيناه، ويُسمع لصوته أزيز، وأغلب بكاؤه كان إما حزنًا على ميّت، أو خوفًا على أمّته، أو محبّةً للّه سبحانه أو خشيةً منه عند سماعه لآيات الوعيد والعذاب في القرآن الكريم، إذ بكى عليه السّلام عندما مات ابنه إبراهيم، وبكى عندما شاهد ابنته وهي تحتضر، وبكى لما مات عثمان بن مظعون، وكان يبكي خشوعًا في صلاة اللّيل أحيانًا، وأما ضحكه عليه السّلام، فقد كان ممّا يستوجب الضّحك فعلًا، وممّا يتعجّب لوقوعه ويستغربه ويستندره، وكان يُداعب أصحابه ويمازحهم بالكلام اللّطيف غير الجارح، فجمع عليه السّلام في توازنه النّفسي بين ضحكه وبكائه من غير إسراف ولا تبذير، ويعد ذلك من أبرز معالم نبّوته.[١]
مظاهر التوازن السلوكي في شخصية الرسول الكريم
كان التّوازن السّلوكي في شخصيّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم دليل على نبوّته، وجعل هذا التّوازن منه عليه الصّلاة والسّلام القدوة العليا للمسلمين جميعًا، ومن أهم مظاهر التّوازن السّلوكي في شخصيته عليه السّلام ما يأتي:[٢]
- التّوازن بين القول والفعل: إذ كان التّوازن الكبير بين أقواله وأفعاله عليه السّلام واضحًا أشد الوضوح، وكان دائمًا المثل الأعلى في توازنه في حياته العمليّة، فقد جمع بين أعلى مراتب التّوازن، فهو العابد والزّاهد، والمجاهد والزّوج والأب، والدّاعية، فلم يكن هناك خيرًا إلاّ كان أول من يقوم به، ولم يكن هناك شرًّا إلاّ كان أوّل من يتركه وينهى عنه، وكان كثير العبادة دائم الصّلاة، زاهدًا لدرجة أنه لم يأخذ من الدنيا شيء، ولم تأخذ الدّنيا منه شيء، وقد كان عليه السّلام أشجع النّاس وأجودهم وأكرمهم وأصفاهم سريرة.
- الصّدق في الجد والدعابة: كان الصّدق من أوضح سماته عليه السّلام، فقبل بعثته كان يُلقَب بالصّادق الأمين، وكان أول انطباع لمَن يراه لأوّل مرّة أنّه من الصدّيقين، فهو الصّادق لوعده الذي لم يُخلف أو يغدر، فكان لا يحيد عن الصّدق ولا حتّى مجاملة لأي أحد، حتّى في مزاحه لم يكذب قط.
- التوازن الأخلاقي في شخصية الرسول: فمن أجمل ما قالته عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مُختَصِرة لأخلاقه: "كان خُلُقه القرآن"، إذ كانت أخلاقه شديدة السّمو والتّوازن، فكان تواضعه لا يغلب حُلُمه، وحُلُمه لا يغلب كرمه، وكرمه لا يغلب صبره، وهكذا كان في جميع تصرّفاته، فلا تلاحظ أي سلوك غير أخلاقي في تصرّفاته عليه السّلام، فكان متواضعًا، وحليمًا، وكريمًا، ومُنصفًا، وصادقًا.
- التوازن بين الحَزْم واللّين: فرغم اتّصافه عليه السّلام بالحُلُم والرّأفة، إلا أنّ هاتين الصّفتين لم تتجاوزا حدّهما، فكان عليه السّلام يغضب إذا انتهكت حرمات الله، ولا يهدأ عليه السّلام حتى يهدم الباطل ويُنهيه، وفيما عدا ذلك فهو أحلم الناس عن جاهل لا يعرف أدب التّعامل، أو مسيء لا يعرف قدره، أو منافق يُظهر عكس ما يُبطِن، فهو ليّن لا يعرف الضّعف، وحازم بما تكون به الرجال.
مظاهر التوازن في عبادة الرسول الكريم
الموازنة والاعتدال ليس بالأمر الهيّن، ورغم ذلك بدا ذلك جليًا في عبادته عليه السّلام، فقد جمع بين الوسطيّة والسّماحة، والعبادة والتّبتّل، ومن أبرز مظاهر توازنه في عبادته ما يأتي:[٣]
- الموازنة بين متطلّبات الجسد والرّوح: فأعطى عليه السّلام لجسده حقّه في الرّاحة والنوم، وفي الوقت ذاته لم يُهمل العبادة والتعبّد والآخرة، فهذا هو التّوازن الدّقيق، والمنهج السّليم في التّربية، فلا يُغلّب جانب على آخر، لأنّ ذلك سيؤدّي إلى وجود خلل في بناء الذّات، وانحراف عن منهج الإسلام.
- الموازنة بين متطلبات الدّنيا والآخرة: وقد ظهر ذلك جليًّا في قصّة القوم الذين جاؤوا إلى الرسول وقالوا بأنهم لا يتزّوجون النّساء، ولا ينامون الليل للعبادة، ولا يفطرون أبدًا فهم دائمو الصّوم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا، أما واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي][٤]، فالرّسول كان يتزوّج النّساء ويفطر ويصوم، وينام ويصلّي، لذلك نهاهم عن ذلك.
- الاعتدال في العبادة: فقد نهى عليه الصّلاة والسّلام المسلمين عن المبالغة في العبادة على حساب الجسد والروح، والبيت والأهل، وأعطى لكل منهما حقه ووقته، وحثّهم على ذلكَ، فالإسلام دين الوسطيّة.
- الاحتكام إلى الشّريعة: فعلى الإنسان أن يعرض كل شيء في حياته على الشّريعة والهدي النّبوي، فإذا وجد توافقًا فهو خير، وإن رأى اختلافًا فعليه أن يراجع حساباته، ويمتثل لأوامر الله تعالى، ويتّبع هدي الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
- إعطاء النفس حقها من المباحات: فينبغي على المسلم إعطاء نفسه حقّها من الرّاحة والمباحات، ولا تكون حياته كلّها عبادة، وليس معنى ذلك إهمال أي عبادة بحجة إعطاء النفس حقها، فلكل ذي حق حقّه.
قد يُهِمُّكَ
يوجد العديد من الطرق التي يمكنكَ من خلالها الاقتداء بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ومنها ما يأتي:[٥]
- محبّته: أول عناصر الاقتداء به عليه السّلام تكون بأن يميل قلبكَ له كل الميل، فتحبّه أكثر من مالكَ، وولدكَ، وأهلكَ وعشيرتكَ، وحتّى أكثر من والديكَ.
- الاقتداء بأخلاق النّبي: فقد كان النّبي أحسن الناس خُلُقًا، وتستطيع الاقتداء بأخلاقه بأن تكون صادقًا، وتصبر على المصاعب والمشاق، وتتشبّه لكرمه وجوده.
- الاقتداء بعبادة النّبي: باتّباع سنّته في العبادات، فتستطيع أن تصلّي اللّيل، وثُكثر فيه من الدّعاء لتكون مثله عليه الصّلاة والسّلام عبدًا شكورًا حامدًا لنعم الله تعالى عليكَ، واجعل لسانكَ رطبًا بذكر الله سبحانه وتعالى، فقد كان النّبي شديد الذّكر لربه، وأكثر الناس ذكرًا له سبحانه، إذ تنام عيناه ولا ينام قلبه.
- الاقتداء بشجاعة النبي: كان من أشجع المحاربين في ساحة الوغى، وكان إذا حمي وطيس المعركة لاذ الصّحابة للاحتماء به صلوات ربّي وسلامه عليه، فلم يفر من معركة أبدًا، ولم يتأخر عن قتال أو نِزال، وكان يتقدّم الصحابة في المعارك، وتستطيع أن تقتدي بشجاعته بمجاهدة النّفس، وقولكَ الحق، فهي من الأمور التي تحتاج شجاعة.
وأمّا ثمرات الاقتداء به عليه الصّلاة والسّلام في الدنيا والآخرة فهي كما يأتي:[٦]
- السّعادة في الدنيا والآخرة، فهو وعدٌ من الله سبحانه وتعالى لعباده الذين يؤمنون به، ويتّبعون نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.
- الهداية والعِزة والنّصر والتّمكين.
- الحماية الإلهيّة من تسلّط الأعداء، والدّفاع عنهم.
- الشعور بالطّمأنينة والسّكينة والسّلام الدّاخلي حتّى مع قلّة المال، أو وهن الصحّة.
- فوز من يؤمن بالله ويصدّق بنبيّه صلّى الله عليه وسلّم ويتّبعه بجنّات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، رضي الله عنهم ورضو عنه، ففي الجنّة ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على بال بشر، وفيها لا يعطشون ولا يجوعون، وهي الأبديّة فلا يموتون ولا يهرمون أبدًا، لقوله عليه الصّلاة والسّلام: [يُنادِي مُنادٍ: إنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبَدًا فَذلكَ قَوْلُهُ عزَّ وجلَّ: {وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[٧]][٨].
المراجع
- ↑ د/ خالد سعد النجار، "التوازن النفسي والسلوكي في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-23. بتصرّف.
- ↑ د: خالد سعد النجار، "التوازن النفسي والسلوكي في شخصية الرسول"، قصة الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-23. بتصرّف.
- ↑ شيماء علي جمال الدين ، "الموازنة بين متطلبات الروح والجسد في هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم "، طريق الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-23. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5063، صحيح.
- ↑ مثنى علوان الزيدي، "كيف نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-23. بتصرّف.
- ↑ د. محمد بن عبدالسلام، "ثمرات اتباعه صلى الله عليه وسلم "، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-23. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:43
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2837، صحيح.