محتويات
مفهوم قيام الليل
تعرف كلمة قيام في معجم المعاني بأنها مصدر مشتق من الفعل الثلاثي قام بمعنى أحيا أو قام أو وقف، والليل هو الجزء المظلم من اليوم الذي يعقب النهار ويبدأ من غروب الشمس وينتهي مع طلوع الفجر[١]، وأما اصطلاحًا فقيام الليل هو أي عبادة نافلة يؤديها المسلم من بعد صلاة المغرب إلى ما قبل أذان الفجر، وعليه فمن صلى بين المغرب والعشاء ركعة لله تعالى كانت من ضمن القيام، وهذا ينافي ما يعتقده الكثير من الناس في أن القيام مشروط بساعة متأخرة من الليل أو بعد النهوض من النوم، علمًا أن قيام الثلث الآخر من الليل أفضل من غيره بحسب ما ورد في أحاديث نبوية عديدة[٢]، وتجدر الإشارة إلى أن قيام الليل لا يقتصر على أداء الصلاة، بل يشمل كل العبادات المشروعة بما فيها الدعاء، وقراءة آيات القرآن الكريم سواء من المصحف الشريف أو عن ظهر قلب، بالإضافة إلى ذكر الله جل وعلا حمدًا وتهليلًا وتسبيحًا وتكبيرًا، وسنتحدث في هذا المقال حول الدعاء المستجاب في قيام الليل بالتفصيل[٣].
الدعاء في قيام الليل مستجاب
يقترن قيام الليل اقترانًا وثيقًا باستجابة الدعاء استنادًا لما رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: يَتَنَزَّلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له.[٤]، ومن الحديث الشريف يتبين أن الله جل في علاه ينزل في آخر الليل أي قبيل الفجر؛ ليستجيب دعاء عباده ويقضي حاجاتهم ويحقق مرادهم من أمور الدنيا والآخرة، وقد يتساءل القارئ حول خاصية هذا الوقت في النزول وإجابة الدعاء، والجواب هو أنه وقت خلوة وغفلة واستغراق في النوم بل واستلذاذ به، وبالتالي فإن مفارقة هذه اللذة وترك الفراش الدافئ ومنطقة الراحة أمر يشق على العباد، فمن يؤثر مناجاة ربه على هوى نفسه أحق بالإجابة من غيره، كما أنه أصدق من غيره في طلبه ورغبته فيما عند ربه[٥].
الأسباب المُعينة على قيام الليل
تعد العبادة توفيقًا من الله جل وعلا، ولا يمكن ببساطة الالتزام بأداء أي منها، بل إنها تطلب مجاهدة النفس والأخذ بأسباب معينة، وهذا ينطبق على قيام الليل كما ينطبق على سائر العبادات الأخرى، ومن الأسباب التي تعين المرء على أداء القيام ما يأتي[٦]:
- تبييت النيّة والعزم على القيام، فينام المسلم وقد خط في ذهنه أنّه سيقوم الليل، فيعينه ذلك على القيام متى استيقظ.
- عدم المبالغة في السهر بعد العشاء، حتى لا يستغرق في النوم وقت القيام، إذ إن حاجة الجسم الفطرية للنوم تحدد بعدد معين من الساعات.
- التخفيف من تناول الطعام بعد العشاء، لأنّ الطعام يثقل المعدة ويجعل نوم المرء ثقيلًا.
- ترك الذنوب والمعاصي، إذ تحجب ظلمة المعاصي والذنوب نور القيام، فلا يقوم الليل بصدق من كثرت معاصيه وذنوبه؛ ولذا ينبغي على من كان يقوم الليل ثم انتكس حاله مراجعة نفسه ومحاسبتها، مع الكف والتوبة عما اقترف من غيبة أو نميمة أو النظر إلى الحرام أو غير ذلك.
- النوم والقيلولة بعد الظهر، إذ فيها خير وعون للمسلم على القيام لأنها تريح البدن وتجلي التعب.
- التفقّه والعلم بفضل القيام وثوابه الجزيل عند الله سبحانه، فمن عرف غرف.
- الدعاء، فيتوجه المسلم إلى الله سبحانه بالدعاء والمناجاة والتضرع، مع ضرورة الصدق والإخلاص في الطلب، كأن يقول: يا رب، يا حي يا قيوم، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، اللهم أعني على القيام، ووفقني في هذه الليلة للوقوف بين يديك، وغير ذلك من الصيغ فكلها جائزة.
- كثرة التسبيح والذكر والاستغفار، لأن ذكر الله يقوي الإنسان ويزيده توفيقًا وانتصارًا على هوى النفس، ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة الزهراء وزوجها علي بن أبي طالب بالتسبيح قبل النوم وذلك بقول: سبحان الله 33 مرة، والحمدلله 33 مرة، والله أكبر 34 مرة.
- كثرة تذكر الموت واليوم الآخر، ففي ذلك كسر لشهوات النفس وحملها على الطاعة التي منها قيام الليل.
- أكل الحلال والابتعاد عن الحرام.
- سلامة القلب وطهارته من الحقد والحسد والضغينة، ولذلك نجد أن أصحاب القلوب المريضة التي يسيطر عليها الكره والبغض لا يوفقون في أداء الطاعة.
فضائل قيام الليل
لا تقتصر فضائل قيام الليل على استجابة الدعاء فحسب، بل يطال صاحبه الكثير من الخير في الدنيا والآخرة، ويمكن إجمال هذه الفضائل الحسنة فيما يأتي[٦]:
- استحقاق أهل القيام مدح الله لهم بين الملائكة؛ لأنهم جمعوا بين الفرائض والنوافل، وبمعنى آخر لأنهم اجتهدوا في القربات فأعد الله لهم من النعيم ما لا عين رأت وما لا أذن سمعت، وقد قال جل وعلا في كتابه الكريم واصفًا إياهم: {تتجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[٧].
- قيام الليل من علامات المتقين.
- تميز أهل القيام عن غيرهم فنجد أنهم لا يستوون مع سواهم من العباد الذين قضوا ليلهم في النوم، أو السهر واللهو غير المجدي، فأصحاب القيام من ذوي القلوب الحية التي إذا ما سمعت آيات الله جل وعلا تتلى تنصب، ثم تتفكر بها وتتدبر وتتأمل معانيها وسط خشوع وتطبيق وعمل، وأما الغافلين فإن قلوبهم ميتة، وعليه يسمعون آيات الله تتلى عليه في كل حين لكنهم لا يتأثرون ولا يتفاعلون، بل يعرضون عنها والعياذ بالله.
- قيام الليل شرف للمؤمن وسبب من أسباب دخوله الجنّة واجتنابه النار.
- وسيلة من وسائل تربية وتهذيب المسلم؛ إذ فيه انتصار على أهواء النفس، وحملها على الطاعة، وتعويدها على الصبر والجد والمثابرة، لأن المؤمن يخلو بخالقه فيناجيه ويدعوه، وقد أرخى الليل سدوله واستغرق النّاس في نومهم.
- تزكية النفس البشرية، ففي القيام صفاء وطمأنينة وسعادة للمسلم وفيه صدق وإخلاص وقوة رقابة ذاتية صادقة للنفس.
- الصلاة في الليل أفضل منها في النهار، بل إنها أفضل صلاة بعد الفرائض الخمس أي أفضل ما في النوافل والسنن؛ كونها صلاة سرية أقرب إلى الإخلاص، كما أنها شاقة على المرء يتخللها تعب ومعاناة وصراع مع الشيطان، ناهيك عن أنها أقرب إلى التدبر والخشوع.
- قراءة 100 آية من القرآن في قيام الليل تجعل صاحبها يُكتب عند الله من القانتين، أي القائمين بأمر الله، وهذا شرف وكرامة للعبد دون أدنى شك.
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى قيام الليل في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "صلاة النافلة بعد المغرب هل تحسب من قيام الليل"، إسلام ويب، 6-7-2011، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "سنة النبي في قيام الليل"، مقالة، 22-7-2019، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6321، خلاصة حكم المحدث : [صحيح] .
- ↑ "الموسوعة الحديثية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب خالد الحسينان، "فضل قيام الليل"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة السجدة، آية: 16.