اثار البطالة على الفرد والمجتمع

اثار البطالة على الفرد والمجتمع
اثار البطالة على الفرد والمجتمع

البطالة

يعاني المجتمع من البطالة عندما يتواجد فيه أفراد يقدرون على العمل ويبحثون عن فرص عمل ولا يجدون، فالبطالة إحدى أهم المشكلات التي أفرزتها الثورة الصناعية، ففي المجتمعات القديمة كانت الأسر تعمل في أعمال مستقلة، فتجد أن أبناء تلك الأسر ينضمون للعمل في المجال الذي تحترفه الأسرة مباشرة ودون عناء، وبما أن أغلب الأعمال كانت إما تجارية، أو زراعية، أو يدوية موروثة؛ فإنها لم تكن تحتاج بطبيعة الحال إلى درجات عالية من التأهيل، لذا فالبطالة في ذلك الزمان لم تكن مصطلحًا متداولًا أو حتى معروفًا.[١]

وفي ظل الثورة الصناعية وما صاحبها من متطلبات ومعايير عالية للتوظيف تجد أن الحصول على عمل بات أمرًا بالغ الصعوبة، ناهيك عن أن العوامل الاقتصادية من ركود وضعف في النمو الاقتصادي تسهم في زيادة الأمور سوءًا، فتغدو عملية إيجاد العمل المناسب الذي يلبي حاجات الفرد والأشخاص الذين يعيلهم في ظل تلك الظروف أشبه بالمهمة المستحيلة، وأثّرت الثورة الصناعيّة على الجانب الزّراعي للفلاّحين، فتطوّر التكنولوجيا الزّراعيّة الكبير رافقه الاستغناء عن الكثير من الأيدي العاملة في الأرياف، ما أدّى إلى نزوح نسبة كبيرة منهم إلى المدن التي تركّزت فيها أغلب الوظائف؛ فأصبحت الأيدي العاملة المتوفرة تزيد عن فرص العمل المتوفّرة الأمر الذي ترك الكثيرين دون وظائف، وهو السّبب الرّئيسي وراء البطالة التي أصبحت مشكلة خطيرة تهدّد المجتمعات في الوقت الرّاهن.[١]


آثار البطالة على الفرد والمجتمع

تؤثّر البطالة على المجتمع ككل، وعلى الفرد باعتباره اللّبنة الأساسيّة في المجتمع، وفيما يلي تلخيص لأهم آثار البطالة على كليهما:

  • آثار البطالة على الفرد:[٢]
    • الإصابة بالاكتئاب وببعض الحالات النفسية مثل التوتّر والانسحاب نحو الذات؛ بسبب عدم التزام الفرد بعمل ثابت يشعره بقيمته والغاية من وجوده في الحياة، ناهيك عن شعوره بأنه عالة على المجتمع الذي يحيا فيه، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتحار البعض بسبب عدم اعتبارهم عناصر فاعلة في المجتمع، ومعاناتهم تحت ضغوط كبيرة لعدم قدرتهم على تلبية احتياجاتهم واحتياجات أسرتهم بسبب عوامل خارجة عن إرادتهم، وهو ما ينعكس على الحالة النفسيّة لجميع أفراد الأسرة.
    • تدني احترام الفرد لذاته بسبب حالة العجز والملل وعدم الرضا التي يحياها، الأمر الذي ينعكس في الكثير من الأحيان على صحته الجسدية، ما يزيد من حالات الإعياء البدني والأمراض التي تصيب العاطل عن العمل.
    • زيادة الأعباء الماليّة والدّيون التي يتحمّلها الفرد أو ربّ الأسرة بسبب اضطراره للاقتراض لتلبية متطلّبات المعيشة له ولأسرته.
    • الاضطرار للخضوع للكثير من التغييرات في نمط الحياة، مثل الانتقال من المنزل الذي لا يستطيع الفرد أن يدفع إيجاره للعيش مع أسرته أو مع عوائل أخرى، وهو تغيير صعب ومحبط في الكثير من الأحيان؛ إذ يُجبر الفرد على التخلّي عن خصوصيّته وروتين حياته، إلى جانب التخلّي عن الرفاهيّة التي كان يحياها أثناء تواجده في وظيفة، وقد يبيعوا الأغراض الشخصيّة فقط ليتمكّنوا من دفع الفواتير المترتّبة عليهم.
    • القبول بوظيفة أقل من المهارات العمليّة، والخبرات العلميّة، والشّهادات الأكاديميّة التي يمتلكها الفرد، ما يؤثّر سلبًا على الرّضا الوظيفي لديه، وهو ما يسبّب ضعف إنتاجيّته وتدنّيها، وقد تؤدّي به مرّة أخرى إلى شرك البطالة.
  • آثار البطالة على المجتمع:[٣]
    • ارتفاع معدلات الجريمة كثيرًا كالسرقات والتهريب والتزوير والاتجار بالبشر والمخدرات والعديد من الجرائم على شاكلتها؛ بسبب بحث بعض العاطلين عن العمل عن بدائل تتيح لهم تأمين احتياجاتهم الأساسية.
    • ارتفاع معدلات الطلاق والخلافات العائلية؛ بسبب فقدان معيل تلك الأسر لعمله، وبالتالي عدم قدرته على تلبية متطلبات أسرته المعيشية، وهذه المشكلات تزيد من تفكك الأسر وبالتالي توجه أفرادها إلى عالم الجريمة والانحراف.
    • تزعزع الاستقرار السّياسي في البلاد التي تعاني من معدّلات مرتفعة من البطالة، وقد تتسبّب بحدوث حالات الشغب والتمرد؛ وذلك لأن البطالة تخلق نوعًا من البلبلة وعدم الثقة في الحكومات والنهج الاقتصادي الذي تتخذه للنهوض بالبلد، الأمر الذي يزيد من محاولات الشعوب الانقلاب على حكوماتها، بالإضافة إلى لجوء الحكومة إلى فرض المزيد من الضّرائب لمواجهة الرّكود الاقتصادي، وهو ما يؤجّج الموقف أكثر.
    • ارتفاع معدّلات الانتحار بين صفوف العاطلين عن العمل، سواء محاولات الانتحار أو الانتحار الفعلي.
    • ارتفاع مستوى الفقر، وتدنّي مستوى المعيشة.
    • انخفاض القوّة الشرائيّة للأفراد؛ لأنّهم يفضّلون الادّخار على الإنفاق لمواجهة متطلّبات الحياة وتقلّبات الأوضاع، الأمر الذي يؤثّر بدوره على الاقتصاد سلبًا.
    • ارتفاع معدّلات الرّكود الاقتصادي.
    • ازدياد هجرة الكفاءات العلمية والفنية إلى خارج دولها خصوصًا الدول النامية؛ وذلك بسبب عدم توفر فرص عمل تناسبها أو جهات رسمية تحتضنها، الأمر الذي يُفقدها الدّافع في البقاء في مثل هذه الدّول، ورغبتها بالهجرة للبحث عن فرص عمل أفضل، وهو ما يسبّب فقدان الموارد البشريّة التي تدعم التنمية الاقتصادية في المجتمع.[٤]
  • اَثار البطالة الاقتصادية:[٥]
    • تؤثر البطالة على الحياة الاجتماعية، وتسبب العديد من الاَلام النفسية في نفوس أفراد الأسرة، مما يُشعرهم بالحاجة، والفقد، والحرمان.
    • تؤثر البطالة على أفراد الأسرة، فقد تكون سببًا في تشتّتهم وضياعهم؛ لانشغال الأب في البحث عن مصدر للرزق وعدم قدرته على تأمين احتياجات أسرته، مما قد يؤدي في بعض الحالات إلى توجُّه بعض أفراد الأسرة لسلوك طرق غير سويّة لتفريغ معاناتهم وربما للحصول على المال.
    • قد تكون البطالة سببًا في الاكتئاب والأمراض النفسية المختلفة لدى كثير من المواطنين، مما قد يدفع البعض للانتحار.
    • تؤدي البطالة إلى انخفاض الناتج المحلّي، مما يقلّل من نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي.
    • تؤدي البطالة إلى هجرة الكثير من العقول المتعلمة والأيدي العاملة إلى الخارج، للحصول على فرص عمل.
    • تؤدي البطالة إلى زيادة العجز في الموازنة العامة؛ وذلك نتيجة لزيادة نسبة المدفوعات على الدولة للعاطلين عن العمل.
    • تؤدي البطالة إلى ارتفاع نسب الجرائم في الدولة؛ كالسرقات، والقتل، وغيرها من الجرائم.
    • قد تكون البطالة سببًا في انخفاض معدّلات الأجور للمهن المختلفة عامة.


أسباب البطالة

إن البطالة ليست وليدة اللّحظة، بل ساهمت الكثير من العوامل على ترسيخها وتفاقهما في الكثير من المجتمعمات، وفيما يلي بعض أهم الأسباب وراء مشكلة البطالة في المجتمعات:

  • التطور التكنولوجي: لعب التطور التكنولوجي دورًا رئيسيًا في مجال صناعة الآلات المتخصصة، فباتت المصانع والمعامل عمومًا تضم العديد من التقنيات التكنولوجية التي تعتمد أساسًا على الآلة ولا تحتاج إلى الأيدي العاملة، فبعد أن كانت مجالات الصناعة أو التجارة أو الزراعة أو حتى الصيد تتطلب الكثير من العمال بغية إنجاز الأعمال المنوطة بها، وأصبحت الآلة هي التي تؤدي كافة الأعمال، واقتصر دور العنصر البشري على الإشراف أو توجيه عمل الآلات في الكثير من المجالات، فكان لهذا التحول الكبير أبلغ الأثر في ظهور هذه المشكلة المؤرقة، لا سيما مع جمود السّوق وعدم مرونته في تقبّل مثل هذه التغيّرات التكنولوجيّة.[٦]
  • معدلات النمو السكانية المرتفعة: أثّر ازدياد عدد السكان المطرد بما لا يتناسب مع النمو الاقتصادي على معدلات البطالة، فزيادة عدد السكّان يعني إلزام الدّولة على توفير فرص عمل تتناسب مع هذه الأيدي العاملة الجديدة التي تدخل سوق العمل كل يوم، وهو ما لا تستطيعه أغلب الدّول ذات الاقتصادات النّامية، مما يفاقم من المشكلة، ويزيد من تعقيدها، وبالتالي صعوبة إيجاد حلول جذريّة لها.[٧]
  • مستوى التعليم: أسواق العمل باتت تحتاج إلى درجة علمية عالية، والتركيز على تخصصات علمية راكدة وغير مطلوبة يساهم في ظهور مشكلة البطالة، فليس المطلوب من الحكومات توسيع قاعدة التعليم الأكاديمي العالي، بل تحسين جودة مخرجات التعليم بما يتناسب مع سوق العمل حتى تتناسب مخرجات الجامعات مع متطلّبات السّوق.[٨]

توجد العديد من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى تفشّي البطالة، ومن أهم هذه الأسباب:[٩][١٠]

  • قصور الدولة وتراجعها في توفير فرص العمل لأبنائها في مؤسساتها المختلفة.
  • الفساد المالي والإداري الذي ينتشر في معظم مؤسسات الدولة، بما يشمله من سرقة للمال العام، وواسطات، وغيرها من أعمال تؤثر على توفير فرص العمل للكثير من المستحقّين لها من المواطنين.
  • الوضع السياسي في بعض الدول يؤثر على نسبة البطالة فيها؛ فالدول التي تعاني من الحروب والويلات، والأوضاع السياسية المُتأزمة، تكون فيها نسب البطالة أعلى من الدول المستقرة سياسيًا.
  • فشل برامج التنمية في الدولة بالعناية بالجانب الاجتماعي للمواطنين.
  • ضعف قطاع الأعمال الخاص، وقلة تواجده في الدولة، فالقطاع الخاص يحمل الكثير من أعباء البطالة عن القطاع العام من خلال توظيف الكوادر المختلفة من المواطنين، مما يقلل من نسب البطالة، وعندما تكون نسبة المؤسسات الخاصة قليلة في الدولة فذلك يحافظ على نسب البطالة عالية فيها، ولكن عندما يزدهر القطاع الخاص في الدولة، تقلّ نسب البطالة بشكل ملحوظ.
  • قد تكون بعض الثقافات المجتمعية المغلوطة لدى الكثيرين سببًا في تفشّي البطالة، كثقافة العيب؛ إذ يرفض الكثير من المواطنين العمل في مجالات كثيرة بسبب تبنّيهم لثقافة العيب وخوفهم من نظرة المجتمع لهم عندما سيعملون في مهام بسيطة أقل مما يرون أنهم يستحقون.
  • التفكير الجامد الذي يتمركز حول العمل في مجال الشهادة الجامعية، أو الاختصاص، والذي يرفض أي فرصة عمل ولو كانت خارج مجال اختصاصه؛ فالتركيز على العمل ضمن مجال معين، لا ينقذ الكثيرين في كثير من الأحيان بل يوقعهم في شباك مصيدة البطالة غالبًا.
  • وجود أعداد هائلة من الخريجين سنويًا، ضمن تخصصات راكدة لا سوق لها، هو أحد الأسباب الأساسية للبطالة، لذلك يقع على عاتق الجهات المسؤولة تقديم التوعية للطلاب المقبلين على اختيار تخصصات جامعية في المستقبل، بالتخصصات الراكدة والمُشبعة للابتعاد عند دراستها، وتزويدهم بالتخصصات التي يحتاجها سوق العمل.
  • الواسطات والمحسوبيات التي تساهم في توفير فرص عمل على أساس المعارف والرّشاوي، وتقديم الوظائف على طبق من فضة لمن لا يستحقونها وحرمان الكثير من الأفراد المستحقين لها من العمل.


أنواع البطالة

صنّف خبراء الاقتصاد البطالة إلى أنواع، وفيما يلي توضيح لهذه الأنواع:[١١]

  • البطالة الاختياريّة: وتعني وجود أشخاص قادرين على العمل، ويرغبون به، ويبحثون عن فرص عمل ويجدونها ويُقبلون بها، ولكنّهم يرفضونها بسبب عدم مناسبة الأجر لرغباتهم، وهذا النّوع من البطالة يسبّب هدرًا وطنيًا في الموارد البشريّة.
  • البطالة الاحتكاكيّة: وهي بطالة مؤقّتة يعبّر عنها بالوقت المستغرق للانتقال من وظيفة إلى أخرى.
  • البطالة العرضية: التي ترتبط بوظيفة معيّنة يمكن أن تنتهي في أي وقت، ويكون العمل فيها يوميًا؛ مثل تشييد المباني، والزّراعة.
  • البطالة الموسميّة: توجد مجموعة وظائف تعتمد على مواسم معيّنة، وبعد انتهائها يعود من كان يشغلها إلى صفوف العاطلين عن العمل، مثل؛ الزّراعة، والمطاعم، وطحن الأرز التي تحتاج فقط لبضعة أسابيع لإنجاز العمل والانتهاء منه.
  • البطالة الهيكليّة: هي التي ترتبط بتغيّرات بنية الاقتصاد، وإعادة هيكلته، ما يؤثّر على طبيعة الاستثمارات والقوى العاملة التي تحتاجها، مثل أن يحل قطار الأنفاق محلّ وسائل النّقل التقليديّة التي تُشغّل العديد من الموظّفين.
  • البطالة التكنولوجيّة: وهي التي تنتج عن إحلال الآلات محل الأيدي العاملة البشريّة ولكنّها بطالة مؤقّتة،؛ إذ ينتج عن استخدام التكنولوجيا في التصنيع انخفاض تكلفة التصنيع، بسبب تقليص أجور الأيدي العاملة، ما يعني انخفاض سعر السّلعة، وهو ما ينتج عنه ازدياد الطّلب على شرائها، وبالتّالي زيادة إنتاجها لتلبية الطّلب عليها، وهو الأمر الذي يؤدّي إلى خلق فرص عمل جديدة.
  • البطالة الدوريّة: وهي قصيرة الأجل، تتعلّق بفترات الرّكود والانتعاش الاقتصادي.
  • البطالة المزمنة: تتميّز بأنّها طويلة الأجل وتنتشر في البلدان النامية ذات الاقتصاد الفقير، والمجتمعات التي تعاني من الانفجار السكّاني مقابل قلّة الموارد.
  • البطالة المقنّعة: التي يوجد فيها فائض في عدد القوى العاملة، وتكون إنتاجيّتهم الحدّية تساوي صفرًا، ويشكّل وجودهم عبئًا على الاقتصاد، ولا تؤثّر إقالتهم على سير العمل والإنتاجيّة.


المراجع

  1. ^ أ ب "History of Unemployment in Industrial Society", zum, Retrieved 2019-11-4. Edited.
  2. "The Disadvantages of Structural Unemployment", careertrend, Retrieved 2019-11-4. Edited.
  3. "The Effects of Unemployment on Society and the Economy", job, Retrieved 2019-11-4. Edited.
  4. "Unemployment and Brain Drain", jstor, Retrieved 2019-11-4. Edited.
  5. "الأثار الاقتصادية للبطالة"، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية، 16-3-2018، اطّلع عليه بتاريخ 15-7-2019.بتصرّف.
  6. "Technological unemployment", economicshelp, Retrieved 2019-11-4. Edited.
  7. "14 Major Negative Effects of Population Explosion", economicsdiscussion, Retrieved 2019-11-4. Edited.
  8. "Rising unemployment – Are there too many graduates?", universityworldnews, Retrieved 2019-11-4. Edited.
  9. "البطالة مفهومها...أنواعها...أساليب معالجتها"، siironline، 14-5-2006، اطّلع عليه بتاريخ 15-7-2019. بتصرّف.
  10. "البطالة وأثرها على الفرد والمجتمع "، مركز جيل البحث العلمي، 18-2-2015، اطّلع عليه بتاريخ 15-7-2019. بتصرّف.
  11. "9 Types of Unemployment found in Modern Societies", yourarticlelibrary, Retrieved 2019-11-4. Edited.

فيديو ذو صلة :