بحث عن شجرة الدر

نساء حاكمات

كثيرًا ما نسمع أن النساء لا يقدرن على تولي المناصب القيادة العليا في الدولة، وعليه فإنهن عانين من الإهمال والإبعاد عن الحياة السياسية على مر العصور، إلا أن بعضهن قد سطرن تاريخًا من ذهب في مناصب قيادية هامة، بل تفوقوا على الرجال، وأقمن حضارات عظمى، فظل ذكرهن خالدًا في صفحات التاريخ، وظلت سيرهن تدرّس حتى يومنا الحالي، ومنهم شجرة الدر محور حديثنا في هذا المقال بشيء من التفصيل.[١]


شجرة الدر

قبل بدء الحديث عن شجرة الدر لا بد من التنويه إلى أن حياتها ملفوفة بالغموض والأسرار الكثيرة، كما أنها شخصية جدلية مليئة بالتناقضات، وعليه فقد تضاربت المعلومات الواردة عنها في كتب التاريخ عمومًا، بل إن هذا الغموض والفجوات الكبيرة في تاريخ السلطانة فتح المجال أمام مؤلفي الكتب لإقحام الخيال في التاريخ، وهو ما أسهم في تزيينه ربما، أو تلويثه، وفي المحصلة أدى إلى تحريفه بقصد أو بغير قصد في بعض التفاصيل، ناهيك عن جعله قاعدة لمعالجة قضايا راهنة وعصرية في التاريخ الإسلامي، ومن أبرز الكتب التاريخية التي تناولت سيرتها رواية شجرة الدر للروائي الكبير جرجي زيدان التي صدرت قبل ما يزيد عن 150 سنة، وكذلك رواية سلطانة القاهرة للكاتبة السورية ديمة دروبي، وقد صدرت باللغة الفرنسية سنة 2016 باعتبار أن الكاتبة مقيمة في باريس، وبالعودة إلى البحث عن شجرة الدر فسنتناول المحاور التالية:[٢]


أصل شجرة الدر

هي جارية تركية الأصل أو أرمنية، اشتراها الصالح أيوب قبل أن يصبح سلطانًا فرافقته فترة اعتقاله مع مملوكه ركن الدين بيبر، وأنجبت منه ولدًا اسمه الخليل، وأما اسمها الدارج فهو شجرة الدر وقد ورد في كل الكتب والمصادر التاريخية، نالت شهرة واسعة كونها حكمت مصر 80 يومًا بعد وفاة زوجها، فخاضت معارك طاحنة ضد الحملة الصليبية السابعة التي قادها الملك الفرنسي لويس التاسع خلال عامي 1249 - 1250.[٣]

وفاة زوج شجرة الدر

في الثاني من نيسان أبريل عام 1249 خاض السلطان الصالح أيوب معارك ضد الملوك الأيوبيين الذين نافسوه في الحكم، فوصلته أخبار تفيد بأن الحملة الصليبية بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع في طريقها إلى مصر، فعاد من الشام إلى مصر، وأقام في أشموم طناح قرب دمياط وبدأ بتجهيز الدفاعات لصد الحملة، لكن العربان الذين جيشهم الملك الصالح في دمياط فروا هاربين فاحتله الصليبيون بسهولة كونها خاوية من سكانها الذي فروا بدورهم أيضًا بعد أن رأوا العربان هاربين، وعليه غضب الملك وأعدم عددًا من الخارجين عن أوامره، وفي الثالث والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني من نفس العام توفي الملك جراء مرض ألمّ به، وانتهت فترة حكمه البلاد، وهنا برز دور القائدة شجرة الدر إذ استدعت قائد الجيش المصري وقتئذ الأمير فخر الدين يوسف، ورئيس القصر السلطاني الطواشي جمال الدين محسن وأوصتهم بإخفاء خبر وفاة الملك حرصًا منها على معنويات الشعب والجيش معًا، فنقلت جثة زوجها في مركب سري حتى القاهرة، ثم استدعت توران شاه ابن الصالح أيوب من حصن كيفا ليتولى مقاليد الحكم بعد وفاة والده، بل أصدرت أوامر سلطانية بتولي القيادة مستغلة بذلك أوراقًا بيضاء كان قد وقع عليها السلطان قبل وفاته، فحبكت الأمر؛ وتولى الحكم توران شاه.[٣]

حملة شجرة الدر الصليبية

قادت شجرة الدر معركة عسكرية ضد الحملة الصليبية السابعة في قائمة الحملات على مصر، وخطت انتصارًا لامعًا سطره التاريخ، وأعلا قيمتها وشأنها بين كل الذين استخفوا بقدرتها القيادية وحنكتها السياسية، رغم أن النصر كان ملطخًا بدماء قادة عسكريين أفاضل لقوا حتفهم في تلك الحروب، وشكل غيابهم خسارة للسلطانة بلا شك لكنها واصلت مسيرها، وأما ما نغص فرحة النصر عليها فعليًا خلافها مع ابن زوجها السلطان توران شاه على أموال الدولة، فاتهما الأخير بسرقة ثروات والده، وهو ما أقلق السيدة التي كانت ترى نفسها منقذة الدولة الإسلامية من خطر الصليبيين، وما هي إلا فترة يسيرة حتى أعلن عن وفاة توران شاه في ظروف غامضة، إلا أن الغموض جعل شجرة الدر وحاشيتها المقربين محط شكوك باعتبارهم مَن دبروا قتله، لا سيما وأن موت زوج ابنها سيمهد لها الطريق لتكون سلطانة مصر الفعلية، وتجدر الإشارة إلى ما ورد في بعض المصادر التاريخية أن قادة المماليك هم مَن قتلوه لا شجرة الدر، لكن الشكوك ظلت قائمة. وعلى أية حال فقد علت شجرة الدر على عرش الحكم فعلًا، لكنها لم تهنأ بمنصبها بسبب العقلية المجتمعية، فقد خرجت احتجاجات ومظاهرات عمت أرجاء البلاد اعتراضًا على تولي امرأة أمر المسلمين، فأيقنت شجرة الدر أن معركتها مع شعبها خاسرة، وأنها في عداء مع عادات سائدة ترى أن النساء غير صالحات للحكم، وعليه تزوجت عسكريًا مقربًا منها اسمه عز الدين أيبك وسلمته حكم البلاد فحمل لقب السلطان المعز في ما بعد، ومن هنا عادت شجرة الدول زوجة السلطان، وظلت تحرك أمر البلاد والعباد بالخفاء. بعد مرور فترة وجيزة اكتشفت شجرة الدر أن زوجها الجديد السلطان المعز يفكر بالزواج من امرأة أخرى تصغرها عمرًا وتفوقهما جمالًا، وعليه فقد أهملها ولم يعد يهتم بأمرها، فكانت هذه الإهانة هي مَن أفقدت شجرة الدر الملكة المطاعة رشدها، فما كان منها إلا أن دبرت قتل السلطان المعز كما شيع، ثم شعر الممالك أن مغامراتها لن تنتهي وستظل واقفة في وجه تطلعاتهم المتزايدة في الحكم، وعليه سلموها إلى زوجة السلطان المعز السابقة، فأمرت الأخيرة جواريها بضرب رأس السلطانة بالقباقيب حتى موتها في الثالث من أيار مايو عام 1257، ثم رميت جثتها في مزبلة قريبة وظلت هناك بضعة أيام قبل أن يدفنها الناس، وهكذا انطوت سيرة المرأة الجدلية، وانطوت أسرار تاريخية كثيرة.[٢]


المراجع

  1. شيماء بخساس (21-4-2017)، "قصص 8 مسلمات حكمن دولًا عظمى"، ألترا صوت، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب محمد موسى (5-5-2019)، "سلطانة مصر شجرة الدر.. زعيمة غامضة من عصر الدسائس والمؤامرات"، الجزيرة، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "معلومات عن "شجرة الدر" آخر ملكة حكمت مصر"، بوابة الفجر، 10-7-2017، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :