ابن باديس
هو عالم جزائري ورجل إصلاح ديني اشتهر بفكره الساعي لإحياء السنة النبوية الشريفة، ومحاربة البدع والشركيات والضلال، وُلد العالم عبد الحميد بن باديس في مدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري في العام 1889م، وكان ينتمي لأسرة عريقة في علمها وفضلها وجاهها، والتي تعود أصولها للأمازيغ، فاهتم العالم ابن باديس بحفظ القرآن منذ نعومة أظفاره واستطاع حفظه في عمر الـ 13، فقد كان يُقدم في صلاح التروايح وهو في سن صغير، مما صقل شخصيته الدعوية والإصلاحية وأصبح ممن يكرسون حياتهم لتوحيد الأمة الجزائرية، وبعد أن أنهى المرحلة الدراسية التحق بجامعة الزيتونة في تونس عام 1908م، فتنامى حبه للعلم بعد أن أخذه عن مجموعة من علماء الجامعة، كزعيم الفكر الإصلاحي في تونس "محمد القيرواني" وغيره الكثير، بالاضافة إلى أن وجوده في الجامعة مكنه من الاطلاع على طبيعة ما يجري في المشرق العربي (مصر والشام) من النواحي السياسية والدينية.
عاد ابن باديس لبلده قسنطينة بعد تخرجه من الجامعة في العام 1912م، ولديه من العلم الذي يؤهله للتدريس، وبدأ بالتدريس في الجامع الكبير بالرغم من الصعوبات التي واجهته ولكنها لم تقلل من عزيمته وإرادته، ومما زاد من سعة اضطلاعه ومعارفه من العلماء ذهابه إلى الحج مغتنمًا هذه الفريضة في لقاء العلماء ليتبادل الآراء ويتعلم منهم منهجهم الفكري ويوسع قاعدته المعرفية حول الأوضاع التي يعيشها العالم الإسلامي آنذاك، فعاد إلى الجزائر في العام 1932م حاملًا فكره الإصلاحي ساعيًا لتطبيقه ميدانيًا معتمدًا على النهج التربوي المستمد من العلماء السلف كابن القيم الجوزية وشيخ الإسلام ابن تيمية، فساعده زملاءه وتلاميذه وشدوا عضده، إيمانًا منهم بواجبهم نحو دينهم وبلادهم.
واستفاد هو والزملاء من الأحداث التي رافقت الفترة بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، فركز على العمل التربوي، فكان له شخصيته الدعوية الإصلاحية التي تتميز بثلاث قضايا رئيسية، أولها إصلاح العقيدة الإسلامية لأهل الجزائر، وإظهارها بالتوحيد وما يخالفه من الشرك، فحذر من الشرك وبدعه وما نسبه البعض للدين، وثانيها إصلاح العقلية الجزائرية بالتربية والتعليم، وإخراجها من حالة الركود لتحيا الأمة ويعود لها نشاطها، فدعى لإصلاح الفرد قبل كل ذلك، وعدّه الأساس الذي تُبنى عليه النهضة للأمة، وأخيرًا كان العالم رحمه الله يدعو لإصلاح الأخلاق ومحاربة الفساد الناتج من تردي الإيمان لدى الكثير من الجزائريين تماشيًا مع قوله تعالى : ('إنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)' [الرعد :11]. [١]
مقولات ابن باديس ومواقفه
للعالم ابن باديس العديد من المواقف والمقولات الشهيرة، وذلك لفكره الإصلاحي في العديد من الأمور التي تخص الأمة الإسلامية عامةً، والأمة الجزائرية خاصة، لا سيما أن العالم عاش فترة طويلة من حياته في ظل الاستعمار الفرنسي للجزائر، وفيما يأتي أهم ما نُقل عن العالم من مقولات ومواقف، هي كالآتي : [٢]
- قال العالم ابن باديس في مقولة شهيرة له أن الأمة الجزائرية هي ليست فرنسية، ولا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال فرنسية، فهي أمة تختلف في لغتها وأخلاقياتها وفي دينها.
- وقف العالم ابن باديس ضد ما طلبته فرنسا من الجزائريين في تأييدها وتضامنها في حربها مع ألمانيا عام 1939م، فقال ابن باديس مقولته بإصرار وتحد لفرنسا : والله لوطلبت مني فرنسا أن أقول لا إله إلا الله ما فعلت، في إشارة منه أنه لا يمكن أن يحقق لفرنسا ذلك حتى في قول الحق.
- وقف العالم ابن باديس في وجه الاستعمار الفرنسي، والبعض يعده الزعيم الروحي للحرب التي حررت الجزائر من هذا الاستعمار، فقد تأثر العالم ابن باديس بخطى محمد عبده في الإصلاح، ولكن يرى البعض أن الفرق بينهما في القدرة على التأثير، فابن باديس بدأ بالإصلاح ونجح في التأثير؛ فالبعض يرجح أنه تأثر بمحمد عبده وتجاربه الإصلاحية، وانتهى متأثرًا بجمال الدين الأفغاني.
- ترك العالم ابن باديس آثارًا بين المؤلفات والمقالات، بالرغم من صعوبة تفرغه للتأليف بسبب انشغاله بالقضايا الجزائرية في ظل الاستعمار، وركز على وعظ وإرشاد الشباب وتوعيتهم، وفي تفسير القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فبعد الاستقلال جُمعت له بعض المؤلفات والآثار نذكر منها : مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، ومجالس التذكير من حديث البشير النذير، ورجال السلف ونساؤه، والفتاوى الفقهية، بالإضافة لمقالاته في التربية والتعليم والأخلاق التي ترجمت في خطبه وحلقات علمه.
- رفع العالم ابن باديس شعارًا من خلال جمعية العلماء الجزائريين، الذي مفاده أن الإسلام هو دين الأمة، واللغة العربية هي لغتهم، والجزائر هو وطنهم، إذ يعد البعض أن ابن باديس قد لخص في شعاره هذا تاريخ الأمة الجزائرية، وأعادها إلى حقها التاريخي والجغرافي الطبيعي، فهو ممن خرجوا عن التقليد في كسب لقمة العيش من علمه، لا سيما أنه كان من الأسر الميسورة والعريقة في شرق الجزائر، فكان يجذب حب تلاميذه في استمالتهم للتوبة والتمسك بالدين الحنيف. [٣]
العالم ابن باديس في مواجهة خصومه
اتهم عبد الحميد بن باديس من قبل البعض بأنه صاحب فكر دخيل على الأمة، وأنه لا يحترم المرجعيات المأخوذ منها في الديار الجزائرية آنذاك، فكتب مقالة للرد عليهم بعنوان " عبداويون ثم وهابيون ..ثم ماذا ,, والله لا ندري"، وقد تمسك ابن باديس بكتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس، وبالتالي نفى جميع التهم الموجهة إليه، وقال أن صحيح البخاري هو أصح الأسانيد في النقل والتحقق، فدرّس الموطأ بالطريقة السلفية لتلاميذه في الجامع الأخضر، وأنهى حفظه خلال 15 سنة، ليقيم بعد ذلك حفلًا سجله التاريخ. [٤]
المراجع
- ↑ "نبذة عن حيـاة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس - رحمه الله -(١ )"، ferkous، اطّلع عليه بتاريخ 17-7-2019. بتصرّف.
- ↑ "عبد الحميد بن باديس"، marefa، اطّلع عليه بتاريخ 17-7-2019. بتصرّف.
- ↑ يعرب جرادي (26-4-2017)، "لماذا يهاجمون ابن باديس؟"، aljazeera، اطّلع عليه بتاريخ 17-7-2019. بتصرّف.
- ↑ علي محمد الصلابي (14-5-2019)، "اهتمام ابن باديس بموطأ الإمام مالك"، echoroukonline، اطّلع عليه بتاريخ 17-7-2019. بتصرّف.