محتويات
لوحة نهر المسيسيبي
تُعدّ لوحة نهر المسيسيبي من أكبر اللوحات وأطولها في القرن التاسع عشر، أُطلق عليها اسم لوحة الثلاثة أميال Three mile painting؛إذ يبلغ ارتفاعها اثني عشر قدمًا، وهي ممتدة لحوالي 1300 قدمًا، تتألف من مئات المناظر الطبيعية الخلّابة لضفة نهر المسيسيبي بداية ًمن مدينة سانت لويس حتى مدينة نيو أورلينز، مرسومة على لُفافات كبيرة من القماش، يُمكن تحريكها ورؤيتها بأبعاد ثلاثية، ويُطلق على أسلوب الرسم هذا؛ البانوراما المتحركة Moving panorama، ممّا يجعلها عملًا ليس سهلًا؛ إذ يُشار إلى أنّ اللوحة استغرقت عامين تقريبًا لتكتمل.[١]
من هو الفنان صاحب لوحة المسيسيبي؟
جون بانفارد John Banvard ؛ فنّان اشتُهر عالميًا في منتصف القرن التاسع عشر، وذلك من خلال لوحته الذي رسم فيها نهر المسيسيبي، ومناظره الخلابة، التي عُرفت بلوحة نهر المسيسيبي، وعُدَّ بانفارد أغنى فنان مسرحي في عصره، كما كان محاضرًا ورجلًا استعراضيًّا موهوبًا، ولكن بالرغم من أنّ لوحة بانفارد نالت اهتمامَ الكثير في الولايات المتحدة وأوروبا في أربيعينيّات وخمسينيّات القرن التاسع عشر، وحققّت له ثروة كبيرة؛ إلّا أنّ في حلول عام 1883 فقد معظم ثروته، وانتقل إلى مدينة ووترتاون ليقضي سنواته الأخيرة مع عائلته.[٢]
حياة جون بانفارد
وفيما يأتي نبذة عن حياة الرسام صاحب لوحة المسيسيبي جون بانفارد:
طفولة جون بانفارد
وُلد جون بانفارد في اليوم الخامس عشر من شهر نوفمبر من عام 1815، في مدينة نيويورك، وكان الابن الأصغر في عائلته التي تتكون من إحدى عشر فردًا، كان والداه أحد أهم وأبرز الأعضاء في عائلة نيو انجلند، كان جون طفل يتميّز بالنضج والذكاء المبكّر نسبة إلى عمره الصغير، فذلك جعل والده المهندس المعماري، يُشجعه على رسم وتصميم المباني البسيطة، كما نال الشعر اهتمام جون؛ إذ نظّم قصيدة طويلة بمناسبة ذكرى إحياء زيارة لافاييت إلى مدينة نيويورك؛ إذ لم ينتهِ اهتمام وحب جون للشعر، فكتب ما يقارب 1700 قصدة خلال حياته.[٣]
وبعد مثابرته وعمله حققّ نجاحًا كبيرًا بسبب لوحته المشهورة المعروفة بلوحة المسيسيبي أو لوحة الثلاثة أميال، اعتُقد أنّه كان أول فنان مليونير في التاريخ، كما عُدَّ من أهم الرسّامين المشهورين في العالم، وقد أشاد به الملايين سابقًا، وبعض من المعاصرين مثل؛ ديكنز Dickens، ولونجفيلو Longfellow، والملكة فيكتوريا Queen Victoria، ولكنه رغم هذا النجاح الكبير الذي حققّه؛ فَقَدَ كل ما يملك من مال، وقضى حياته الأخيرة مع عائلته في مدينة ووترتاون، كما دُمّرت أعماله الأكثر شهرة، ولم يُذكر اسمه في الكتب؛ إذ يُعدّ جون بانفارد أعظم فنان في عصره ظلمه التاريخ وطمس اسمه.[٤]
الحياة الشخصية لجون بانفارد
قضى جون بانفارد معظم حياته مع زوجته عازفة البيانو إليزابيث جودنو، الذي تزوّج منها في اليوم السابع عشر من شهر مايو من عام 1848، وعُقد قرانهما في الكنيسة المعمدانية في ولاية بوسطن، وأنجب منها سبعة أطفال، واستقرّ برفقتهم في مدينة نيويورك؛ إذ بنى لهم منزلًا على شكل قلعة استوحاه من القصور الأوروبيّة، وبعد أن أفلس بانفارد، جراء فشل متحفه، وإنفاق أغلب ماله في بناء القلعة، تراكمت الديون عليه، ومرّ بأزمة ماليّة كبيرة، ممّا أجبره على بيع قلعته والانتقال مع زوجته وبناته الثلاثة إلى مدينة ووترتاون لبدء حياة جديدة، واستقروّا مع ابنه يوجيني وزوجته الذين انتقلوا إلى ووترتاون بعد فترة قصيرة من زواجهما، بعد ذلك استقر ابنه جون معهم في المدينة، فقضى بانفارد فترة حياته الأخيرة برفقة عائلته.[٢]
الحياة المهنية لجون بانفارد
بعد أن تُوّفي والد بانفارد؛ تأثرّت عائلته بأزمة مالية كبيرة، وفي عام 1831، انتقل إلى مدينة كنتاكي وعمل في البداية ككاتب في متجر، ولكنّه كان يقوم بطبع الرسوم الكاريتكورية للزبائن، ممّا أزعج ذلك رئيسه في العمل، ثمّ عمل كرسّام؛ يرسم اللافتات والأشخاص، بعد ذلك قابل ويليام تشابمان الذي امتلك أول صالة عرض في أمريكا، فعمل هناك كرسّام للمناظر الطبيعيّة لمدة عام تقريبًا، ثم حاول أن يبدأ مسرحه الخاص به في مدينة أوهايو، ولكنه فشل في ذلك، فرجع إلى مدينة كنتاكي، وعاد يرسم المناظر الطبيعيّة.
وفي ذلك الوقت بدأ بانفارد تجربة الصور البانورامية؛ وهي صور مرسومة على لفافات ضخمة من القماش، يُمكن تحريكها من جانب إلى آخر، واشتملت مبيعاته الأولى على صورة بانورامية لمدينة البندقيّة، و صورة أخرى لمدينة القدس، بعدها قررّ أن يقوم بمشروع أكبر من ذلك؛ إذ قام برسم لوحة ضخمة لنهر المسيسيبي، وقام برحلات كثيرة عبر النهر لرسمها.
وقد تلّقت اللوحة البانوراميّة المتحرّكة نجاحًا هائلًا؛ إذ قام جون غرينليف ويتير بتسمية عنوان أحد من قصائده باسم اللوحة، كما استخدمها هنري وادزورث لونجفيلو كمصدر إلهام لكتابة ملحمته الشعريّة إيفانجلين Evangeline، ثمّ رسم بانفارد لوحة أخرى بنفس حجم اللوحة الأولى تقريبًا، ولكنّه قررّ أن يرسم الجهة الغربية لنهر المسيسيبي بدلًا من الجهة الشرقية، وقام بجولة عبر النهر مرة أخرى، وقد سافر بانفارد بعدها إلى الشرق الأوسط ليجد الإلهام الذي يساعده على الرسم، فرسم لوحة بانوراميّة لفلسطين ونهر النيل، وفي عام 1852 أصبح غنيًا بما يكفي ليبني قلعة يعيش بها مع زوجته وأطفاله في جزيرة لونغ.
بعد ذلك افتَتَح بانفارد متحفه الخاص؛ ليعرض فيه التحف الأثرية التي جمعها خلال سفره ورحلاته، ولكنّه لم ينجح في ذلك، وأُغلق المتحف بعد عشر أسابيع فقط من افتتاحه، وذلك بسبب المنافسة الشديدة مع بارنوم الذي بالرغم من أنّ متحفه لم يكن بأصالة متحف بانفارد، إلّا أنّه تفوق عليه بمعرفته وخبرته الجيّدة في الإعلان عن المتحف.[٥]
السنوات الأخيرة من حياة جون بانفارد
تعرّض بانفارد في السنوات الأخيرة من حياته لسلسلة من خيبات الأمل؛ جرّاء فشل مسرحياته، وعدم تلّقي آخر أعماله الشعريّة نجاحًا مرضيًا، ممّا أدّى في النهاية إلى إفلاسه تدريجيًا، ولكن ذلك لم يمنع بانفارد من أن يقضي حياته الأخيرة فيما يحب؛ إذ ألّف كتابًا باستخدام نظام الاختزال ونشره، وقضى وقته في رسم لوحته الأخيرة بالرغم من أنّه عانى من حالة صحية سيئة؛ إذ كان يفقد بصره تدريجيًا.[٥]
وقد تُوّفي بانفارد في السادس عشر من شهر مايو من عام 1891، عن عمر يناهز الخامسة والسبعين، بعد أقل من سنة ونصف من وفاة زوجته إليزابيث التي تُوفيت بسبب احتقان في الرئة، ودفن وزوجته في مقبرة العائلة في مقبرة ماونت هوب Mount Hope في مدينة ووترتاون، وبالرغم من أنّ بانفارد لم يحظَ بتقدير جيد من قبل نُقّاد الفن في عصرنا هذا؛ إلّا أنّه لاقى استحسانًا ونجاحًا كبيرًا في عصره، وخاصّة إبداعه في البانوراما المتحرّكة.[٢]
المراجع
- ↑ Ken Zurski, "John Banvard and the ‘Three-Mile Painting’"، unrememberedhistory, Retrieved 2020-6-2. Edited.
- ^ أ ب ت Joanita Kant, "Watertown's John Banvard, Artist and Showman"، sdhspress, Retrieved 2020-6-2. Edited.
- ↑ John Hanners, "“The Great Three-Mile Painting”:John Banvard’s Mississippi Panorama"، academia, Retrieved 2020-6-2. Edited.
- ↑ Paul Collins, "The Atlas Excerpt: Banvard's Folly"، atlasobscura, Retrieved 2020-6-2. Edited.
- ^ أ ب "John Banvard", everything2, Retrieved 2020-6-2. Edited.