محتويات
العولمة
تعرف العولمة بأنّها تلك العمليّة التي تحول الظواهر المحليّة أو الإقليميّة إلى ظواهر عالميّة، كما يمكن وصفها بأنها العمليّة التي تعزز الترابط بين شعوب دول العالم تحت إطار مجتمع واحد لبذل المزيد من الجهود معًا للرقي نحول الأفضل، وتقود هذه العمليّة مجموعة من قوى العالم الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة، وتتضمن العولمة مجموعة من العمليّات الصغيرة الهادفة إلى نزع سيطرة الدول على أسسها القوميّة على مستوى رؤوس الأموال أو الأهداف السياسيّة أو الحدود الزمنيّة أو السياسات أو المناطق المدنيّة وغيرها، ويشار إلى أنّ العولمة بدأت من أواخر القرن التاسع عشر للميلاد لكن كان آنذاك انتشارًا بطيئًا وبقي كذلك حتى الربع الثالث من القرن العشرين، ومع حلول الربع الرابع من نفس القرن بدأت عمليّة العولمة تنتشر بسرعة كبيرة، وفي سطور المقال الآتي توضيح هذه العمليّة.[١]
تعريفات العولمة
العولمة في اللغة تعود إلى الفعل الرباعي (عولم)، وتعني العَالم، وهو جمع لا مفرد لديه، وتعود إلى الكلمة الفرنسية "Mondialisation" وتعني تحصيل الشيء وجعله ذا مستوى عالمي، وترجمتها في اللغة الإنجليزية "Globalisation" أي تعميم الشيء وتوسعته ليضمن العالم ككل، وأما اصطلاحًا فنتيجة أنها متمحورة حول أربع عمليات أساسية، وهي؛ المنافسة، والابتكار التكنولوجي، وانتشار الإنتاج، والتبادل والتحديث، فقد أدى ذلك إلى تعدد التعريفات المتعلقة بها والتي منها:[٢][٣][٤]
- منظور علماء الاقتصاد: هي عبارة عن ظاهرة ظهرت نتيجة النمو والتزايد الاقتصادي متضمنةً كل الأنشطة والعمليات التجارية من ناحية تسهيل آليات تبادل السلع، سواء في التصدير أو الاستيراد.
- منظور علماء الاجتماع: هي عبارة عن خضوع شعوب معظم بلدان العالم لسيطرة القوى العظمى وعلى رأسها الأمريكية، من خلال بث ثقافتها وانتشارها بين عاداتهم، وتقاليدهم وثقافاتهم، وأصبحت جزءًا لا يتجزّأ منهم.
- منظور علماء التقنية: هي عبارة عن الثورة المعلوماتية والتكنولوجية المتمثلة في ربط دول العالم ببعضها البعض، والتي يسّرت سبل التواصل المتبادل بينهم.
- منظور عام: يمكن تعريفها على أنها نظام عالمي حديث وشامل، لاعتماده على الأساسيات ومبادئ الإبداع والتميز العلمي، مؤديًا ذلك إلى التطور التقني المرتبط بالأجهزة والاتصالات والحصول على تصغير العالم عن طريق إلغاء المسافات وتمكين التبادل الثقافي، والفني، والاقتصادي، والاجتماعي، وغيرها، ليس على المستوى المحلي بل على المستوى العالمي.
نشأة العولمة
يعود تاريخ نشأة العولمة حسب ما ذكره علماء التاريخ إلى القرن السادس عشر للميلاد، إذ كانت بدايتها آنذاك والتي كانت مترافقة مع حركة الاستعمار الغربي لدول آسيا وأوروبا والأمريكيتين، وبعد ذلك اقترن مفهوم العولمة بالتطور الحاصل للنظام التجاري الحديث في القارة الأوروبيّة، ومن هنا برز نظام عالمي متشابك ومعقد عرف بالعالميّة ليتحوّل بعد ذلك إلى ما يعرف بالعولمة التي أدت إلى أن يصبح العالم بمثابة قرية صغيرة إلكترونيّة ترتبط بالأقمار الصناعيّة، وقنوات التلفزيون الدوليّة، والاتصالات الفضائيّة.[٥]
العوامل التي ساهمت في ظهور العولمة
من أهم العوامل التي ساهمت في تسهيل ظهور العولمة ما يأتي:[٦]
- توفر الأيدي العاملة المنخفضة التكلفة في بعض الدول مثل؛ عمال الهند الذين يمتلكون مهارة عالية في مجالات الصناعة كثيفة العمالة كصناعة الملابس، وهذا ما أدى إلى إمكانيّة الاستفادة من تكلفة العمالة الأرخص وقيود قانونيّة أقل في الدول النامية.
- التحسن في وسائل النقل والمواصلات، إذ أدى توفر سفن شحن كبيرة إلى انخفاض تكلفة نقل البضائع بين دول العالم ونقل كميّات كبيرة من البضائع أكثر من الزمن الماضي، مما أدى إلى انخفاض سعرها وسرعة نقل البضائع والأشخاص.
- حرية التجارة بين بلدان العالم والتي تشجع على إزالة الحواجز بين البلدان للتبادل التجاري غير المقيّد بحواجز أو قوانين، وهذا ما نصت عليه منظمة التجارة العالميّة.
- الحسين الحاصل على عمليّات الاتصالات كالإنترنت واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الاتصالات، مما رفع من عدد التواصل بين الناس في أنحاء متفرقة من العالم.
إيجابيات العولمة
أفادت العولمة في تحقيق مجموعة من النقاط الإيجابيّة لشعوب العالم، والتي تتمثل في كل مما يأتي:[٦]
- انتشار العلوم بكافة فروعها، إذ لم يبقَ العلم حكرًا على بلد واحد أو على أشخاص معينين، ومن هذه العلوم الطب، والصيدلة، وإنتاج الأدوية، وعلوم الهندسة والزراعة والإقتصاد، كما أمكن الاستفادة من المقالات العلميّة المنشورة في الكتب والمجلات العلميّة.
- تحديث وسائل الاتصالات في أنحاء مختلفة من العالم، خاصةً لدى الدول الناميّة، فأتاحت خدمات الهاتف المحمول والإنترنت.
- تحسين التجارة بين دول العالم من خلال فتح أسواق جديدة للمنتجات العربيّة والأجنبيّة لتتخطى جميع الحدود الموجودة بين دول العالم وتحقق المزيد من الأرباح لكلا الطرفين.
- التنافس على إنتاج بعض الأسلحة المتمثلة بالقنابل اليدويّة، والصواريخ بعيدة المدى، وبعض الأسلحة الفتاكة.
- البدء باستخدام الذرة، وتخصيب اليورانيوم والتنافس في ذلك.
- انتشار مجموعة من الإختراعات المفيدة المتمثلة بالأجهزة الحاسوبيّة، والريكوردر، وهواتف السيارة، والهواتف المحمولة، وآلات التصوير الحديثة، والفاكس وغيرها.
سلبيّات العولمة
أثرت العولمة سلبًا على شعوب العالم خاصةً النامية منها في العديد من المجالات التي تتمثل في النقاط الآتية:[٦]
- فرض سيطرة الدول الكبيرة والقويّة على الدول الضعيفة والنامية، وهذا بدوره يجعلها تستغل ثرواتها ومقدراتها المتمثلة بالمواد الخام والأيدي العاملة والكوادر الفنيّة والعلميّة، بالإضافة إلى حرمانها من حق التصرف في ممتلكاتها وبحكم دولتها وشعوبها.
- طمس هويّة شعوب دول العالم خاصةً شعوب الدول النامية نتيجة لعدم امتلاكها الحق في الاستقلال بخصوصيتها وعاداتها وتقاليدها وأفكار شعوبها.
- تفاوت في طبقات المجتمع ما بين الغني والفقير مع وجود غياب للطبقة الوسطى، وبالتالي تكون الفائدة الأكبر للطبقة الغنيّة وارتفاع عدد الفقراء على مستوى العالم وزيادة نسبة البطالة وانخفاض أجور الأيدي العاملة عن المستوى المطلوب، وهذا ما يؤدي إلى ازدياد الطلب على الهجرة للبحث عن العمل أو تحسين مستوى المعيشة.
- تشويه ثقافات الشعوب الضعيفة، وتدمير أساسياتها الدينيّة والأخلاقيّة بسبب انتشار النظام والثقافة الأمريكيّة في كافة دول العالم.
خصائص العولمة
من أبرز الخصائص التي تتصف بها عمليّة العولمة ما يأتي:[٥]
- انقسام العالم إلى وحدات حضاريّة مغلقة تأخذ الشكل الثقافي والحضاري.
- تراجع دور الدولة وإصابتها بالعجز في مواجهة الشركات متعددة الجنسيّات، والتي حلت مكان الدولة في بعض الدول المتقدمة.
- تحقيق الوحدة بين الشعوب دون اعتبار للعوامل العرقيّة، أو الثقافيّة أو الطبقات الاجتماعيّة.
- ظهور أحاديّة القطب التي تعد من أهم خصائص العولمة، والتي تتمثل في السيطرة الأمريكيّة على دول العالم بأسره من خلال فرض الهيمنة السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، بالإضافة إلى امتلاك وسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة.
- تكوين مجموعة من رجال الأعمال النخبة الذين لا ينتمون لبلد معين، ويكون الهدف منهم السعي الدائم لنقل نشاطهم إلى المكان المحدد تبعًا لمستوى المردودات الماديّة على نطاق علمي.
- هيمنة الشركات متعددة الجنسيّات على اقتصاد العالم، والتي تعود ملكيّة ما يقارب 424 شركة منها إلى الدول الصناعيّة السبعة الكبرى وهي؛ اليابان وفرنسا وكندا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا وأمريكا.
مصطلحات العولمة
تسبّبت التعريفات والترجمات المختلفة لمصطلح العولمة في ظهور العديد من المرادفات المتعلقة بها، ومنها ما يأتي:[٧]
- الكونية: نسبة إلى امتداد الكون وتوسعه بكل ما يحتوي.
- الكوكبية: نسبة إلى كوكب الحياة وهو كوكب الأرض.
- العالمية: أي العالم بما فيه.
- القرية الكونية: بسبب شمول الحركات التكنولوجية في نقل المعلومة وتجاوز المسافات والحدود على الأرض.
- النظام العالمي الجديد: وكان يستخدم أيام التسعينات.
- الأمركة: وذلك بسبب سيطرة قارة العالم الجديد (الأمريكتين الشمالية والجنوبية) على العالم أجمع.
أهداف العولمة
تتركز العولمة على تحقيق غايات مختلفة تتمثل في الآتي:[٨]
- خلق سوق عالمي لا يحيطه حواجز وفواصل وسياسات إدارية؛ مثل الضرائب والجمارك، أو قيود اجتماعية؛ كالجنس والعرق، أو قيود معنوية كالقيم والعادات، وإنما سوق عالمي يشمل كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة دون استثناء، فهو كتلة واحدة متكاملة ومتفاعلة في كل الأوقات دون أي احتكار.
- توحيد المصالح والمنافع المشتركة سواء أكانت مادية أو نفسية مع اتحادية الشعور والمسؤولية اتجاهها لتحقيق الاستقرار بشتى أنواعه، والحد من المشاكل، وظهور الأخطار المتوقعة وغير المتوقعة من خلال زيادة مساحة التفكير، وحصر الصراعات والنزاعات، والتركيز على النقاط المشتركة، والبعد عن نقاط الضعف والفوارق.
- التقليل من المسافات في مستويات المعيشة والطبقات المجتمعية من خلال تحقيق التوزيع التام والكامل لكل متطلبات الحياة الأساسية والضرورية من مأكل، وملبس، وتعليم، ومسكن، وأمن، وغيرها، وتطبيق حقوق الإنسان بالشكل الذي يسوده العدل والمساواة.
- الاتجاه نحو محاولة خلق لغة واحدة تجمع بين كل الأجناس سواء أكانت للاتصال والتواصل بين الناس أو تستخدم في الأنظمة والبرامج الإلكترونية.
أنواع العولمة
تتميز العولمة بالرؤية العميقة والشاملة لكل جوانب الحياة، مما أدى ذلك إلى ظهور عدة أنواع، ومنها:[٩]
- العولمة السياسية: بدأ ظهورها في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ بدأت الدول بتوحيد الجنسيات وإلغاء الأسس القومية مقابل بناء الاتفاقيات الدولية؛ مما أدى ذلك إلى تقليل سيطرة الدول العظمى إلى حد ما، وتشير الدراسات إلى أنه في عام 2025م ستصبح الصين من الدول المتربعة على عرش القوة الاقتصادية بدلًا من أمريكا، إضافة لظهور الحركات والمنظمات غير الربحية والتي لعبت دورًا كبيرًا في التأثير على قرارات الحكومات وتغيير اتجاه السياسات مثل بث المحاولات الحثيثة في الإصلاح وسد الفجوات والثغرات بين الدول المتقدمة والنامية مثل الصليب الأحمر ومحكمة العدل الدولية وغيرها وعلى خلاف ذلك، توجد العديد من الدول كانت ردة فعلها عكسية اتجاه العولمة وقررت الاعتزال والاكتفاء بذاتها في كل المجالات؛ مثل كوريا الشمالية والتي فرضت العديد من القيود والالتزامات نحوها، إذ لا تسمح للأجانب زيارتها إلا بعد إجراءات شديدة ومعقدة.
- العولمة الاقتصادية: ترتبط بالحركة التجارية، وتبادل رؤوس الأموال وتتركز في تحقيق الاندماج بين المؤسسات المختلفة لتحقيق تزايد النمو الاقتصادي العالمي، فقد بدأت في أوقات وأماكن مختلفة، فأول حركاتها تتمثل في مؤتمر (Bretton Woods)، وحضره 44 بلدًا للإقرار بتثبيت قيمة العملات نسبة للذهب.
- العولمة الثقافية: ظهرت كأثر جانبي للعولمة الاقتصادية، فالتوسع الاقتصادي للدول المهيمنة أدى إلى انتشار ثقافتها وتأثر الشعوب الأخرى بها مثل شركة هوليوود التي بدأت بنشر الثقافة الأمريكية من خلال الأفلام التي تنتجها، بالإضافة إلى الموسيقى التي بدأت من موسيقى الروك اند رون في الستينيات، ومن ثم الديسكو وصولًا إلى الموسيقى الشعبية والتي شهدت انتشارًا واسعًا وتأثرًا كبيرًا بين الناس، وعلى الرغم من ذلك فإنها تعد من أقل أنواع العولمة انتشارًا لوجود فئة من الناس تحافظ على أصولها وعاداتها وثقافتها، إذ ترى (من وجهة نظرهم) في التزامها تحقيق أعلى القيم والمستويات الأخلاقية دون سواهم من الناس، وأن العولمة قد تبث أفكارًا تتسبب في تدني مستواهم الأخلاقي.
المراجع
- ↑ "عولمة"، marefa، اطّلع عليه بتاريخ 1-8-2019. بتصرّف.
- ↑ ahmedkordy (2010-10-23)، "مفهوم العولمة"، kenanaonline، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-12.
- ↑ sahar (2016-10-25)، "ماهي العولمة ؟"، almrsal، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-12.
- ↑ دلال اعواج (2010-7-17)، "العولمة : مفهوم نشأة اهداف"، ahewar، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-12.
- ^ أ ب داليا جمال طاهر، "ظاهرة العولمة ( مفهومها – أهدافها – خصائصها )"، shomosnews، اطّلع عليه بتاريخ 1-8-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "تعريف العولمة و أسبابها و كل ما يخصها من إيجابيات و سلبيات"، akhbarak، 3-4-2018، اطّلع عليه بتاريخ 1-8-2019. بتصرّف.
- ↑ Sameh، "العولمة – بحث شامل عن العولمة"، mosoah، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-12.
- ↑ أمجد قاسم (2011-2--9)، "العولمة ( مفهومها – أهدافها – خصائصها )"، al3loom، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-12.
- ↑ علي حسن (2016-12-3)، "اتجاهات وأنواع العولمة"، ra2ej، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-12. بتصرّف.