الإبداع
يعدُّ مصطلح الإبداع من أهم الأهداف التربوية التي تسعى المجتمعات الإنسانية الطموحة إلى تحقيقها، بل يبقى لغة الإنسان العليا، التي تنضج وتسمو معها بالصَّقل، بالرغم من الرأي القائل بفطرة الإبداع؛ فإن الفرد بذاته لا يولَد مبدعًا من الوهلة الأولى، إلا أن بذور الإبداع تولَد معه، وقد تموت معه إذا لم تجِد من ينمِّيها، ويفرع أغصانها في المجتمع الذي هو بحاجة شديدة إلى مخرَجاته التنموية، وهي جزء من مشروع الاستدامة الحضارية والفكرية التي تتَشارك فيها البشرية جمعيها؛ كما قال جون هولت: ليس علينا أن نجعل البشرَ أذكياءً؛ فهم يُخلَقون كذلك، وما علينا أن فعلَه التوقُّف عن ممارسةِ ما يجعلُهم لا يفكرون.
لذا فإنَّ على التربية أن تكون متجددة إلى أقصى درجة في أهدافها، ومناهجها؛ حتى لا تبتعد عن مجريات الأحداث، وأن تحاول من خلال عناصرها المختلفة بناءَ الشخصية المبدعة التي لا تُتابع الجديد فقط، بل تؤثِّر فيه وتجد لنفسها مكانًا في عالم الإبداع.
الإبداع مصدر الفعل أبدع، وأبدع الشيءَ: أخرجه واستخدمه على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأحقاف: 9].
إن مقاربة الإشكالية الإبداعيَّة يدفعنا إلى تفكيك المفاهيم القريبة، ولعل من أهمها: الابتكارَ والموهبة والكشف، والاختراعَ كما أنَّ مفهوم الإبداع يختلف الحديث عنه من باحث إلى آخر؛ من خلال زاوية بحثه.
الإبداع هو القدرة على التصورالسريع والخيال لمختلف الحلول الأصلية، في مواجهة مشكة ما، كما يعرِّف تورانس الإبداع بأنه عملية تشبه البحث العلمي، فهو الإحساس بالمشكلات، والثغرات في المعلومات، وتشكيل أفكار وفرضيَّات، ثم اختبارها وتعديلها حتى الوصول إلى النتائج.[١]
التربية الإبداعية
إن النظام الثقافي المسيطر على الواقع العالمي حاليًا هو نظام السمعي البصري، والصورة اليوم هي المادة الثقافية التى يجري تسويقها على أوسع نطاق، وفي عصرنا هذا هي مصدر أساسي لإنتاج القيم وتشكيل الوجدان والوعي والذوق لدى الناس، وتوجد آلاف من الشركات التي تتنافس في مجال تقديم ثقافة شبيهة بالسلع الاستهلاكية، كما أنه توجد المئات من الأقمار الصناعية التي ترسل عبر شاشات التلفاز رسائل ثقافية تستهدف تغريب الشعوب في عالمنا العربي الإسلامي عن مجتمعاتهم، أما أحدث ثورة يعيشها الإنسان في الوقت الحاضر فهي الثورة الإبداعية، والتقدم الحقيقي اليوم هو سباق مع تربية الإبداع، ومحور حديثنا هنا يدور حول التربية الإبداعية وأثرها فى المجتمع، اذ يعد تطور الأمم وتقدمها مرتبطًا بالاهتمام بالمبدعين والموهوبين وهم حجر الأساس لهذا التقدم والتطور.[٢]
دور المدرسة في تربية الإبداع
كشفت الدراسات التربوية والنفسية الحديثة أن لدى الكائن البشري إمكانات عقلية هائلة، تمكنه من تحقيق المعجزات في حال استطاع أن يستثمرها استثمارًا علميًا منهجيًا، إذ إنّ القوى البشرية المدربة هي التي تصنع التقدم والتنمية، فإن اهتمامها بالرعاية والتربية يّعدَ من الأولويات المهمة في المجتمع، إذ إنه بأمس الحاجة للعناصر المبدعة فيه.
ويعد الإبداع من مظاهر التجديد في العمل التربوي الذي يهدف إلى إيجاد العناصر القادرة على قيادة المجتمع لتحقيق أعلى معدلات النمو الممكنة؛ فإن الأمم لا تتقدم بالعدد الكبير من المتعلمين فيها فقط، بل وبنوعية المتعلمين وبوجود الموهوبين والمتفوقين الذين تستغل الأمة كل طاقاتهم التي تتماز بالابتكار، وكل ما تستطيعه قدراتهم واستعداداتهم المتميزة، إذ إن تقدّم المجتمع ورقيه يتوقف على جهود هذه الفئة تتبنى المدرسة عملية رعاية المبدعين وتشجيعهم، وتبدأ هذه الرعاية في مرحلة رياض الأطفال، وتزداد في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ويكون التشجيع في المرحلة الثانوية مكثفـًا، ويمكن أن تهتم المدرسة برعاية المبدعين بالأنشطة الآتية لصقل ورعاية الإبداع لدى المنتسبين إليها:[٣]
- تنظيم برامج إبداعية يشترك فيها الطلاب المبدعون في أوقات الفراغ .
- استخدام أسلوب التفريد في التعليم والتعلم .
- تجهيز مكتبة المدرسة بالكتب الحديثة والمتميزة التي تربي التفكير الإبداعي للتلاميذ المبدعين، وتسمح لهم باستعارتها .
- تجهيز غرفة مصادرتحتوي على تقنيات حديثة ومتطورة يتردد عليها التلاميذ المبدعين تحت إشراف معلم الإبداع .
- تنظيم محاضرات حول مواضيع إبداعية ولقاءات مع شخصيات مبدعة .
- توفير الدعم المادي للتلاميذ لتطبيق أفكارهم وتمويل مشاريعهم .
- مكافأة المبدعين بتقديم جوائز وحوافز لهم .
المراجع
- ↑ "البيئة الاجتماعية المبدعة"، الألوكة الاجتماعية، 28/2/2015، اطّلع عليه بتاريخ 18/6/2019. بتصرّف.
- ↑ " التربية الإبداعية و أثرها في المجتمع"، مركز جيل البحث العلمي، 21/10/2017، اطّلع عليه بتاريخ 189/6/2019. بتصرّف.
- ↑ "دور المدرسة في تربية الابداع"، موسوعة التعليم والتدريب، 12 أكتـوبـــر 2010، اطّلع عليه بتاريخ 19/6/2019. بتصرّف.