محتويات
وجود الله
أن الإيمان بالله تعالى والاعتراف بوجوده أمرًا جبلت عليه القلوب، فوجوده سبحانه وتعالى واضح ولا يحتاج دليل لإثباته، إذ إن إثبات وجود الله تبارك وتعالى لم يكن من الأهداف القرآنية، وكذلك لم يكن ذلك هدفاً من أهداف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا قالت الرسل لأقوامهم: [أَفِي اللّهِ شَكٌّ]،[١] ومع ذلك فإن القرآن الكريم لم يتجاهل هذه القضية بل أشار إليها؛ لأن الفطر يمكن أن تتغير وتفسد، والإيمان واليقين قد يضعف، فوضع الله جلّ وعلا من الدلائل الباهرة والبراهين القاطعة ما يبهر العقول ويرشد القلوب إلى التسليم والانقياد، فكل شيء في هذا الكون يدل على وجود الله تعالى، وكل شيء هو دليل من دلائل قدرته سبحانه، فالمخلوق يدل على خالقه فطرة ومنطقًا، إذ لا يوجد فعل إلا وله فاعل، كما اشتهر في قول الأعرابي الذي سئل: كيف عرفت ربك؟ فأجاب بفطرته السليمة البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وجبال وبحار وأنهار أفلا تدل على السميع البصير؟[٢]
إثبات وجود الله بالعقل
إن الإيمان بوجود الله ليس مجرد قضية عاطفية وتسليمية، بل هو قضية تصديقية استدلالية قائمة على براهين حقيقية، ولذلك نجد أن من أقوى الأدلة العقلية الدالة على وجود الله سبحانه دليلين هما:[٣]
- دليل الخلق والإيجاد: المراد به الاستدلال على ضرورة وجود الله بحدوث الكون بجميع مكوناته وأحداثه؛ فالكون حدث من الأحداث لا بد له من مُحدث وفاعل يحدثه ويفعله ويجده من العدم، فكل شيء يحدث بعد أن لم يكن موجودًا، فإنه يجب أن يكون له سبب وفاعل، وهذا الاستدلال (أن كل فعل لا بدّ له من فاعل) يقوم على نقطتين هما:
- النقطة الأولى: الكون حادث غير قديم، والمقصود بذلك أن هذا الكون الذي نشهده ونعيش فيه له بداية، فقد كان معدومًا ثم انتقل من العدم إلى الوجود، وهذا الدليل ثابت من ناحيتين، من ناحية العقل ومن ناحية العلم، فمن العلماء المؤمنين الذين أكدوا على هذه الحقيقة هو العالم الفيزيائي بول ديفيز حيث قال: "أهم اكتشاف علمي في عصرنا هذا هو أن الكون المادي لم يكن موجودا أبدا"، وأما من العلماء الملحدين فهناك قول العالم الفيزيائي المعاصر ستيفن هوكنج: "ومع تراكم الدليل التجريبي والنظري أصبح من الواضح أكثر فأكثر أن الكون لا بد له من بداية في الزمان، حتى تمت البرهنة على ذلك نهائيا في 1970 ميلادي".
- النقطة الثانية: الحادث لا بد له من مُحدث؛ والمقصود بذلك أن أي فعل يحدث في الوجود لا بد له من فاعل يفعله؛ لأنه يستحيل في المعدوم أن يحدث نفسه أو أن يقع بغير فاعل، ومبدأ السببية هذا مبدأ عقلي ومنطقي من أوضح القوانين العقلية البديهية التي يسلّم بها البشر في تعاملاتهم الحياتية، كالعلم بأن الجزء أقل من الكل، فإذا كان لا بد أنه حدث بفعل فاعل، فمن هو هذا الفاعل؟
- دليل الإحكام والإتقان: يُثبت هذا الدليل ضرورة وجود الله سبحانه لما في الكون من الإتقان في الخلقة والإحكام في تفاصيله الدقيقة المذهلة، وليتحقق ذلك لا بد من فاعل يتصف بالحكمة والقدرة وسعة العلم، وهذا الدليل يعرف عند العلماء التجريبيين "بدليل التصميم". ويعتمد دليل الإحكام والإتقان على نقطتين هما:
- النقطة الأولى: الكون متقن ومحكم في خلقته؛ ومعنى ذلك أن الكون رُكّب بطريقة معقدة جدًا، ولا يمكن القول أن هذا الإبداع جاء من الكون نفسه أو من الصدفة، كما أن أحداثه وأجزاءه شُكّلت في مسارات دقيقة، بحيث أن كل جزء منه يؤدي وظيفة دقيقة خاصة به، وقُدرت مكوناته بمقادير دقيقة بحيث أن أي تغيير من زيادة أو نقصان يؤدي إلى اختلافات كبيرة تسبب فساد الكون بأكمله، فكل إنسان عاقل يرى أشكالًا متنوعة من الإتقان والإبداع في هذا الكون يعلم ويسلّم بالضرورة بوجود متقن لها.
- النقطة الثانية: الإتقان والإحكام لا بد له من فاعل؛ أي أن مشاهد الإتقان في الوجود لا يمكن أن تحدث دون فاعل قادر وقوي وحكيم صممها بطريقة تتضمن تفاصيل معقدة ومتداخلة ومدهشة، ويدل على صحة هذا ضرورتان: الضرورة الأولى وهي العقل فالعقل بفطرته السليمة يستدل على أن الفعل لا بد له من فاعل، بل الإتقان ليس مجرد فعل بل هو فعل مخصوص بحالة تركيبية مميزة تتطلب أن يكون فاعله متصف بصفات كمالية عالية تتناسب مع حالة ذلك الفعل، والضرورة الثانية وهي الضرورة الحسابية: فقد أثبت العالم السويسري تشارلز يوجين من خلال حسابه للعوامل التي يمكن من خلالها تكوّن بروتين واحد بالصدفة أنه يتطلب نسبة 1 إلى 10 أُس 160، وهذا رقم لا يمكن تخيله أو التعبير عنه، وهو عند علماء الرياضيات يساوي صفرًا؛ لأن أعلى نسبة للاحتمال عندهم هو 1 إلى 10 أُس 150، كما اكتشف أن كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالمصادفة هي أكثر مما يتسع له هذا الكون بملايين المرات، ويتطلب بلايين السنين لتكوينه.
إثبات وجود الله بالفطرة
إن كل مولود يولد على الفطرة التي فطر الله الناس عليها ألا وهي الإيمان بوجود الله، فمهما أحاطت بالنفس ظلمات الكفر أو الشك بوجود الله فإنها لا بد أن تحس وتشعر بقدرة الله تعالى في بعض حالاتها، إذ إن كل إنسان يحسّ من تلقاء نفسه أنّ له رباً وخالقاً ويشعر بالحاجة إليه، وإذا وقع في مشكلة عظيمة فإنه يتّجه قلبًا وقالبًا إلى السماء لطلب الغوث من ربه. قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا}،[٤] وَفي آية أخرى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.[٥][٦]
الدليل الحسّي على وجود الله
ويتمثل بما نراه من إجابة الدعاء، فعندما يدعو العبد الله تعالى ويقول: يا الله؛ فيجيب الله دعاءه ويكشف ضرّه ويحقق له المطلوب وهو عند قوله: "يا الله" إذن يوجد رب سمع دعاءه وأجابه، وتوجد الكثير من الأمثلة في كتاب الله لاستاجبته تعالى لدعاء الأنبياء مثل: [وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ].[٧] وأيضًا [وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ].[٨] والآيات في هذا كثيرة، ومن السنة أيضًا قصة الأعرابي الذي دخل والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة قال: [هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا قال أنس: والله، ما في السماء من سحاب ولا قزعة (أي: قطعة سحاب) وما بيننا وبين سلع (جبل في المدينة تأتي من جهته السحب) من بيت ولا دار، وبعد دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فوراً خرجت سحاباً مثل الترس، وارتفعت في السماء وانتشرت ورعدت، وبرقت، ونزل المطر، فما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلاة والسلام]،[٩] فهذا دليل واقع يثبت وجود الخالق.[١٠]
المراجع
- ↑ سورة إبراهيم، آية: 10.
- ↑ "بدعية طريقة المتكلمين في الاستدلال على وجود الخالق"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-27. بتصرّف.
- ↑ د. سلطان العميري، "الأدلة العقلية على وجود الله"، atheistsguide، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-27. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 67.
- ↑ سورة يونس، آية: 12.
- ↑ الشيخ محمد طه شعبان (2017-4-3)، "الأدلة على وجود الله تعالى"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-27. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 76.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 83/84.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1014، صحيح.
- ↑ "اثبات وجود الله"، al-eman، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-27. بتصرّف.