أثر الحضارة الفرعونية على الثقافة السودانية

أثر الحضارة الفرعونية على الثقافة السودانية
أثر الحضارة الفرعونية على الثقافة السودانية

الحضارة

إن الحضارة مجتمع بشري معقد، وتتكون الحضارات من مدن مختلفة، ومترابطة مع بعضها بخصائص التطور الثقافي والتكنولوجي، وتجدر الإشارة إلى أن الحضارات تكونت عندما بدأ الناس بالتجمع في مستوطنات، وترتبط كلمة الحضارة بالكلمة اللاتينية "civitas" التي تعني المدينة، ومع مرور الوقت استخدم علماء الأنثروبولوجيا مصطلحا "الحضارة"، و"المجتمع المتحضر" للدلالة على التفوق الثقافي في بعض المجتمعات، أمّا المجتمعات التي كانت أقل تحضرًا من غيرها أطلقوا عليها اسم "الثقافات البربرية"، وغالبًا ما كان مصطلح الحضارة مرتبطًا بالحضارات الجيدة أخلاقيًا وثقافيًا.[١]


أثر الحضارة الفرعونية على الثقافة السودانية

إن تأثر الثقافة السودانية الآن بسابقتها الفرعونية لا يعني بأي شكل أن الثقافة المصرية سادت على مثيلتها السودانية بل هو توضيح لما كانت عليه الثقافتان قبل انفصالهما، فالحضارة النوبية هي الحضارة التي نشأت في جنوب مصر وشمال السودان، ومن الحقائق التاريخية الصادمة للبعض هي أسبقية الحضارة النوبية للفرعونية في الشمال وتأثرها بها، وتمكن المؤرخون من الاستدلال على الحضارة النوبية من الآثار التي خلفتها ممالكها الكوشية الثلاثة في ثلاث مواقع رئيسية: كرمة، وناباتا، ومروي القديمة، أكبر الممالك الإفريقية، وسُميت الممالك الكوشية باسمها بعد أن حُكمت من قبل الملك "كاشتا" الذي أمر بغزو مصر وضمها لمملكته النوبية لتصبح بالإضافة للسودان "جنوبه" لتصبح مملكة واحدة "كوش" نسبة إالى كوش بن حام بن نوح عليه السلام، وملوك ناباتا "الكوش" "الفراعنة السود" فرضوا سيطرتهم على مصر وحكموها بعد استمرار التنازع والتنافس مع الممالك الكوشية في السودان لفتراتٍ طويلة.[٢]

وسبق هذا التنافس المنتهي بالنصر الفرعوني تعاونات وتحالفات بينهما كممالك متجاورة، مما أدى بالضرورة لتأثر هذه الممالك ببعضها البعض سياسيًا، وعسكريًا، وثقافيًا، فيُلاحظ أن تأثير المملكة الشمالية" الفرعونية" كان طاغيًا، ومن أبرز دلالات تأثر الحضارة السودانية بجارتها الفرعونية هو التشابه الشكلي الملحوظ في الأهرامات كشكلٍ وغاية؛ إذ عمد السودانيون القدماء إلى بناء أضرحة كبيرة لملوكهم تُحاكي الأهرامات من حيث قواعد البناء، وانحدار الزوايا والرؤوس الهرمية المدببة، وأدت حملات التنقيب في القرون الماضية إلى فُقدان أغلب الصروح النوبية في السودان، إلا أن الرسومات المنقوشة على أسقف المعابد وجدرانها تدل على وجود تشابه بين الحضارتين وتأثرهما ببعضهما، كالتشابه في طرق الدفن، وتحنيط المومياءات وإلباسها المجوهرات ثم حفظها بتوابيت من خشب، ومن المظاهر الأُخرى التي تؤكد التعاون الماضي بين الممالك الثلاثة هو تشابه الأدوات بينها؛ إذ وُجدت في بقايا الأضرحة في مروي صناديق خشبية، وألجمة أحصنة، وعدة رماية من قوسٍ وسهام، وأوانٍ معدنية وزجاجية مُلونة ومصنوعاتٍ يدوية مُختلفة تُحاكي تلك المُكتشفة في الأضرحة الفرعونية المصرية، الأمر الذي يُستدلُ به على النشاط التجاري بين سكان مروي السابقين والفراعنة، كما يظهر تأثير الحضارة الفرعونية على الثقافة السودانية في التشابه الجلي في الموسيقى والرقصات الشعبية التي تُؤدّى في مناسبات اجتماعية متعددة كالزواج أو الاحتفال بالمواليد الجدد، وتتضح آثار الفراعنة في السودان أيضًا في الملابس الشعبية، وألوانها دلالاتها ومناسبات اختيارها.[٣][٤]


الحضارة الفرعونية المصرية

بدأت الحضارة الفرعونية حوالي عام 2630 قبل الميلاد، إذ طلب الملك زوسر من الأسرة الثالثة من إمحوتب الذي كان كاهنًا وطبيبًا تصميم نصب تذكاري جنائزي له، وكانت النتيجة أول مبنى حجري رئيسي في العالم، وهو هرم ستيب في سقارة بالقرب من ممفيس، واستمر من بعدها بناء الأهرامات الفرعونية إلى أن بلغت ذروتها في الجيزة عند بناء هرم خوفو وهو الملك الفرعوني الذي حكم من عام 2589 إلى عام 2566 قبل الميلاد، ويقدر المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت أن بناء الهرم احتاج إلى 1000 رجل، وخلال السلالة الثالثة والرابعة تمتعت مصر بعصر مزدهر، إذ كان للفراعنة سلطتهم على المنطقة وحكموا مراكز مهمة، وتجدر الإشارة إلى أن في هذه الفترة لم تواجه الحضارة الفرعونية أي تهديدات خطيرة من الخارج، ولكن بعد وفاة ملك الأسرة السادسة الملك بيبي الثاني الذي حكم لمدة 94 سنة، انتهت فترة المملكة الفرعونية وعمت حالة من الفوضى أرجاء المنطقة.[٥]


التقاء الحضارة الفرعونية بالسودانية

سنتعرَّف في هذه المقال على مظاهرالحضارة الفرعونية في السودان وأثرها على ثقافتها، ويضمّ السودان حوالي 595 مجموعة قبلية تنقسم إلى 56 مجموعة عرقية، ولكل مجموعةٍ منها عاداتها وتقاليدها وإرثها الثقافي المستقل جزئيًا، وساهمت عدّة عوامل في تشكيل هوية هذه القبائل مثل موقعها الجغرافي، والتاريخ والحضارات المتعاقبة عليها ومن أهمها الحضارة الفرعونية، ووجود الأهرامات السودانية، كان العامل الأساسي الذي استدعى الخوض في تأثير الحضارة الفرعونية في مصر على السودان وتقاليدها وثقافتها.

والأهرامات عمومًا هي مبانٍ استخدمت كمقابر ومعابد للملوك النوبيين إبان حكمهم لمملكة كوشن؛ إذ كُشف عن قرابة 220 هيكلًا في مدينة مروي السودانية في القرن التاسع عشر أثناء تنقيب الإيطالي فرليني " Giuseppe Ferlini " عن الذهب في تلك المنطقة. إن دراسة أثر حضارة واحدة على منطقة ما أمرًا ليس كافيًا لفهم ثقافتها، فالسودان دون غيره من البلدان يتمتع بثقافاتٍ متعددة؛ إذ تُشير الدراسات إلى أنَّ القبائل فيه تتحدّث أكثر من 100 لغة وقرابة 500 لهجة ولكل قبيلة منها عادات وتقاليد مختلفة، كما أن موقع السودان في الجزء الأوسط من حوض النيل جعل السكان من أماكن مختلفة تأتي إليها من دول الجوار وحملت إليه ثقافة دولها الأصلية.[٦]


اختلاف الحضارة المصرية والسودانية

مع مرور الوقت وانحلال الممالك القديمة وانفصال الحضارات عن بعضها وصولًا إلى شكلها الحالي، تباينت الثقافات والحضارات السودانية المصرية عن بعضها، فبالرغم من اشتراكهما بالمنشأ ونموهما من جذرٍ واحد إلا أن كل واحدةٍ منهما تطورت تطورات مُختلفة أدت إلى جعلها أكثر تمايُزًا وتفردًا، وتختلف الآن اللهجات وبعض التقاليد والعادات بين الحضارتين، إلا أن الجينات بين الشعبين تتشابه، وعُرف النوبيون القدماء بأجسامهم القوية وسُمرتهم الشديدة كما امتازوا بوسامة ملامحهم،[٧] وتعد الحرارة الشديدة صيفًا وقسوة الطبيعة المتمثلة في الهواء الصحراوي الجاف والجبال القريبة من ضفاف النيل من أبرز العوامل التي شكلت ملامح الرجل النوبي قديمًا.[٨], [٩]

وبالرُغم من تباعد الحضارتين واستقلالهما عن بعضهما إلا أن السودان وأغلب مصر تتشاركان نفس المناخ، ومن المؤكد أن تتالي الأجيال وازدياد معدلات الاختلاط والتزاوج بين الشعوب أثر على ملامح البشر ونفت إلى حدٍ ما مفهوم "الشكل" الواحد، إلا أن المناخ وعوامله المختلفة كدرجات الحرارة ومعدلات الرطوبة في منطقة ما تُساهم إلى جوانب العوامل الوراثية في رسم الوجوه وتحديد الملامح، خاصة حجم الأنوف وشكلها، وهيكل الجمجمة، ولون البشرة، وغيرها.[١٠], [١١] ,[١٢]


المراجع

  1. "Civilizations", nationalgeographic, Retrieved 28-11-2019. Edited.
  2. "WORLD CIVILIZATION / Nubia", OER SERVICES , Retrieved 2019-10-30. Edited.
  3. NÚRIA CASTELLANO, "Rival to Egypt, the Nubian kingdom of Kush exuded power and gold"، NATIONAL GEOGRAPHIC, Retrieved 2019-10-30. Edited.
  4. "Kush ", ancientsudan, Retrieved 28-11-2019. Edited.
  5. "Ancient Egypt", history, Retrieved 28-11-2019. Edited.
  6. Joyce Chepkemoi (2017-08-01), "What Languages Are Spoken In Sudan"، WorldAtlas, Retrieved 2019-10-30. Edited.
  7. ""Studies and Comments on Ancient Egyptian Biological Relationships", JSTOR / Cambridge University Press, Retrieved 2019-10-30. Edited.
  8. Begoña Dobon, Hisham Y. Hassan, Hafid Laayouni, وآخرون (2015-05-28), "The genetics of East African populations: a Nilo-Saharan component in the African genetic landscape"، Scientific Report, Retrieved 2019-10-30. Edited.
  9. Nina Hollfelder,Carina M. Schlebusch, Torsten Günther, (2017-08-24), "Northeast African genomic variation shaped by the continuity of indigenous groups and Eurasian migrations"، Plos Genetic , Retrieved 2019-10-30. Edited.
  10. "Egypt vs. Sudan", indexMundi, Retrieved 2019-10-30. Edited.
  11. Esteban Moro,Manuel Cebrian,James H. Fowler (2018-04-25), "Weather impacts expressed sentiment"، PlosOne, Retrieved 2019-10-30. Edited.
  12. ↑ Arslan A. Zaidi ,Brooke C. Mattern,Peter Claes, وآخرون (2017-05-16), "Investigating the case of human nose shape and climate adaptation"، Plos Genetics , Retrieved 2019-10-3-. Edited.

فيديو ذو صلة :

598 مشاهدة