محتويات
الفلسفة
مصطلح الفلسفة يونانيّ الأصل وتعني الكلمة في أبسط معانيها "حب الحكمة"، وهي تُمثّل دراسة المعرفة أو "التفكير في التفكير" وهي علمٌ قديم وواسع يضم عدّة مناهج، كل منهج منها يهتم بدراسة جزئية معيّنة في حياتنا، وعليه فإن للفلسفة عدّة تعريفات تختلف حسب مجالها وأماكن تبنيها والفترة التاريخية لدراستها، ومن هذه التعريفات:[١]
- تعرّف الفلسفة بأنها الانضباط المعني بمسائل كيفية العيش (الأخلاق)، والنظر في الأشياء والحكم على طبيعتها الأساسية.
- الفلسفة هي التحقيق في طبيعة أو أسباب أو مبادئ الواقع أو المعرفة أو القيم، بناءً على التفكير المنطقي بدلاً من التجريب.
- الفلسفة هي دراسة الطبيعة النهائية للوجود والواقع والمعرفة والخير، وهي كل ما يمكن اكتشافه من خلال التفكير.
- الفلسفة هي التحقيق العقلاني للأسئلة حول الوجود والمعرفة والأخلاق.
- الفلسفة هي البحث عن المعرفة والحقيقة، في كل ما يخص طبيعة الإنسان وسلوكه ومعتقداته.
- الفلسفة هي البحث العقلاني والنقدي في المبادئ الأساسية.
- الفلسفة هي دراسة أكثر الملامح العامة والتجريدية للعالم كالعقل والمادة والإثبات والحقيقة، إلخ.
- الفلسفة هي التفكير بعناية في الطبيعة الأساسية للعالم، وأسباب المعرفة البشرية، ومراقبة السلوك البشري وتقييمه.
- بالنسبة لليونانيين القدماء، فإن لفظ فلسفة يعني السعي وراء المعرفة من أجل المعرفة، وشمل جميع مجالات الفكر مهما اختلفت أو تعارضت، بما في ذلك الفنون والعلوم والدين.
مفهوم الوعي واللاوعي في الفلسفة
وفيما يأتي تفصيل لكل من الوعي واللاوعي من الناحية الفلسفية:
مفهوم الوعي في الفلسفة
يشير الوعي إلى الإدراك الفردي للأفكار والذكريات والمشاعر والأحاسيس الذاتية أو الشخصية تجاه ما يحيط بنا من أشياء وما نعاصره من أحداث، ويشمل كيفية النظر إليها أو التعامل معها، ويُعَد الوعي من السمات الفردية والفريدة، أي أنها سمة خاصة وشخصية تختلف من شخص إلى آخر، وغالبًا ما يُنظر إلى الوعي على أنه استيعاب الأفراد لحالاتهم الداخلية الخاصة بالإضافة للأمور الجارية حولهم، فمثلًا إحساسنا بشيء ما أمامنا ثم الحكم عليه أو النظر إليه بما يتسق مع شعورنا ثم ترجمته وشرحه بالكلمات هو مثال على الوعي، وهو يمثّل إدراكنا لأمر ما واستيعابه من خلال أفكارنا وأحاسيسنا وذكرياتنا بشكل شخصي فردي ثم وصفه.
والتجارب الواعية للإنسان متنوعة ومتعددة وليس من الضروري أن ترتبط ارتباطًا فعليًّا بصورة متتالية أو متسلسلة، وهذا لأن الوعي الإنسانيّ مرن، وهذا يُفسر التنوع والتغيير في أفكارنا بين لحظة وأخرى، فالعقل في حالة القراءة مثلًا يركز على الكلمات المكتوبة ويحاول قراءتها أو فهمها ثم ينتقل وعينا إلى الذاكرة لنبدأ باستذكار حدثٍ ما، ثم يتحوّل إلى وعيّ حسّي كملاحظة أن الضوء زائد عن اللازم أو أن المقعد غير مريح فيما نستمر بفعل القراءة، ولكن انتقالاتنا هذه تبدو سلسة وسهلة بفضل مرونة العقل الواعي، وقد درس الوعي البشري لآلاف السنين من قبل الفلاسفة، فقد قدم الفيلسوف رينيه ديكارت مفهوم ازدواجية العقل والجسد، والتي تتمثل بأنه بالرغم من انفصال العقل والجسد إلا أنهما يتفاعلان معًا.[٢]
والوعي كمصطلح هو غطاء شامل قد يضم مجموعة واسعة من الظواهر أو النشاطات العقلية، وبناءً عليه يمكن اعتبار الحيوان أو الإنسان أو حتى أي نظام معرفي واعيًا في حال توافرت فيه مجموعة معيّنة من الخصائص، منها:[٣]
- الإحساس: قد تُعد الكائنات واعية بالمعنى العام لمجرد اتصافها بالإحساس، أي فقط لكونها تشعر بالمؤثرات الخارجية كالألم والحرارة والبرودة، والإحساس هُنا يُقصد به القدرة على استشعار المحيط والاستجابة له، هذه القدرة تُمثل الإدراك، والإدراك درجة من درجات الوعي، وقد لا يتم تحديد نوع القدرات الحسيّة المُتوَقعة أو المطلوبها لتعريفها بالإدراك أو لربطها بالوعي، إذ إن الموضوع جدلي، فلو توّقف وصف الوعي على الإحساس والإدراك ستعد الأسماك المُدركة لمحيطها واعية.
- اليقظة: بالإضافة للإحساس بالحدث يتطلب الأمر إدراكه، بمعنى استيعاب الحدث نفسه وامتلاك القدرة للإتيان بفعلٍ ما أو إمكانيّة التصرف بناء على هذا الاستيعاب، لذا يُمكن اعتبار الكائنات الحية واعية فقط إذا كانت مستيقظة ومتنبهة بشكل طبيعي، وبالتالي لا يمكن اعتبار الكائنات الحية واعية في حالات النوم أو في أي مرحلة أخرى تتضمن الدخول بمستوى من مستويات الغيبوبة الأعمق مثل الحلم أو الشرود.
- الوعي الذاتي: العنصر الثالث والأكثر أهمية لتحديد ما إذا كان كائنٌ ما واعيًا أم لا، هي وعيه بأنه واعٍ؛ أي أن الكائنات التي لا تُدرك أنها مُدركة لا يمكن اعتبارها واعية، وإذا تم التفكير في إشراك الوعي الذاتي كعنصر أساسي للوعي، فإن العديد من الحيوانات وحتى الأطفال الصغار ينظر إليها ككائنات غير واعية.
مفهوم اللاوعي في الفلسفة
اللاوعي، أو كما يُطلق عليه العقل الباطن، هو أساس جميع الفعاليات والأنشطة العقلية داخل رؤوسنا والتي تحدث وتستمر تلقائيًا ودون وعيّ منا، ويرى الفيلسوف مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد، أن مثل هذه العمليات العقلية اللاواعية قد تؤثر على سلوك الشخص على الرغم من عدم قدرته على تذكّرها أو الإبلاغ عنها، ويعد الأحلام وزلات اللسان أمثلة خفيّة لمحتوى الأنشطة غير الواعية الحاصلة في عقولنا، فى المقابل يعتقد بعض المُنَظّرين مثل عالم النفس التجريبي فيلهلم فونت أنه لا توجد عمليات لا واعية ضمن نطاق أنشطتنا العقلية، ومع ذلك، فإن وجود الأنشطة العقلية اللاواعية يبدو راسخًا ولا يزال مفهومًا مهمًا في الطب النفسي الحديث.[٤]
وترتكز كل الجهود المبذولة لتفسير أصل وأهمية الأنشطة اللاواعية على نظرية التحليل النفسي، التي وضعها سيغموند فرويد ثمّ تبناها وطوّرها أتباعه من بعده من روّاد مدرسة التحليل النفسي، فعلى سبيل المثال، يُعتقد أن أصل غالبية الأعراض العصبية يعتمد على الصراعات التي أزيلت من الوعي خلال عمليات القمع، وعمليّات القمع هي التجارب التي نمر بها فتعمل بشكل تلقائي على فلترة ذكرياتنا ومشاعرنا واستجاباتنا الجسدية والعصبية للأحداث السابقة وتخزينها على شكل أعراض عصبية، ومع توّسع معرفتنا بالوظيفة النفسية الفسيولوجية، بدأنا ننظر إلى العديد من أفكار التحليل النفسي على أنها مرتبطة بأنشطة الجهاز العصبي المركزي، إذ أكّدت العديد من الملاحظات السريرية أن الاستدلال الفسيولوجي للذاكرة قد يتوقف -يستريح- عند حدوث أي تغيُّر كيميائي داخل خلايا الدماغ، منها:[٤]
- ملاحظة أن تحفيز الدماغ بشكل مباشر (حكّ القشرة) بينما يكون المريض واعيًا ومُمددًا على طاولة العمليات مثلًا يُنشّط الذاكرة ويُساعد في إعادة التجارب اللاواعية المنسية لفترة طويلة إلى حيّز الوعي أو الإدراك.
- حقيقة أن استئصال أو إزالة أجزاء معينة من الدماغ يُلغي الاحتفاظ بتجارب معينة في الذاكرة من التأكيدات على أن الوعي واللاوعي مفاهيم تتأثر بحالة الفرد الفسيولوجيَة وليست النفسية فقط.
- نظام التنشيط الشبكي؛ وهو عملية استخدام التحفيز الكهربائي المباشر لجزء من الدماغ يُسمى تكوين شبكي بهدف نقل البيانات أو الذكريات من العقل اللاواعي إلى الوعي.
- وفقًا لنظرية تحول الدم في الدماغ، فإن التغييرفي إمدادات الدم إلى أجزاء مختلفة من الدماغ يساهم في انتقال الأنشطة من مواضع اللاوعي إلى مواضع الوعي والإدراك في الدماغ، تُمثل هذه الاستكشافات النفسية الحيوية برهانًا على صحة أفكار التحليل النفسي التي تربط اللاوعي بالحالة الفسيولوجية للفرد.
الانتقال بين حالتيّ الوعي واللاوعي
ميز فرويد بين مستويات الإدراك المختلفة وقسّمها إلى فئات مختلفة، فالفعاليات الحاصلة في مجال إدراكنا المباشر وصفها بالأنشطة الواعية؛ على سبيل المثال نجد أن قراءة هذا المقال يمثّل نشاطًا واعيًا، أمّا فعل الاحتفاظ بالبيانات التي تصل للعقل بعد قراءة المقال فهو نشاط سابق للوعي، فمثلًّا قد يكون من الصعب حفظ عدّة أسطر حرفيًا، ولكن يمكن الإجابة والتذكر بسهولة ودون تفكير "بصورة غير واعية"، عند التعرّض لسؤال عن فحوى المقال وأفكاره، هذا لأن أغلب المعلومات يُحتفظ بها في مستوى اللاوعي.
ونجد كذلك أن النشاطات الحاصلة باللاوعي يُمكن استحضارها وتذكّرها بشكل واضح وفقًّا لفرويد، فهو يرى أنّه في ظل الظروف العاديّة لا يمكن للمرء أنّ يعيش فاقدًا لوعيه إلّا أنه وبوجود التحفيز المناسب قد يكون الشخص قادرًا على تذكّر نشاطاته اللاواعية والإبلاع عنها في وعيه، ومثال ذلك حالات فقدان الوعي الحاصلة نتيجة الصدمات، فلو افترضنا أن شخصًا ما فقد وعيّه أثناء حبسه في خزانة عندما كان طفلاً؛ فإنه لن يعي تفاصيل التجربة ولن يتذكر أحداثها، ولكن في ظل تحفيز لا وعيه بأساليب معينة كالتنويم المغناطيسي مثلًا، قد يتذكر التجربة بشكل واضح، ومن البديهي أنه لا يمكن لأي شخص ملاحظة تجارب الآخرين أو الإحساس بما يدور في أذهانهم، (من غير الممكن مثلًا أن يشعر المرء بصداع الآخر)، لذا فإن هذه الجهود المبذولة لدراسة مستويات الوعي واللاوعي موضوعيًا تعتمد على الاستدلال فقط؛ أي أنّه لا يمكن البت بأي قول أو شعور نيابة عن أي شخص آخر، ويمكن للدارس القول فقط أن شخصًا آخر يتصرف كما لو كان واعيًا أو كما لو كان فاقدًا للوعي على أقصى تقدير.[٤]
هل اللاوعي موجود حقًّا؟
اللاوعي من المصطلحات الحاضرة بكثافة في علم النفس الحديث، فأغلب القراءات والدراسات الفلسفية تُشير إلى أن لدينا عقلًا غير واعٍ، وتنسب إليه ميولنا إلى تخريب أنفسنا أو اتخاذ قرارات سيئة تخص حياتنا، أو حتى رغبتنا في جذب الأشخاص غير المتوافقين معنا، ويتمادى آخرون بالاعتقاد بتأثير وعينا علينا، فيرى البعض أن العقل اللاوعي يُحاول أن ينبهنا عن طريق إرسال إشارات مفيدة في صورة أحلام، وهذا دون إدراكنا أو علمنا كجزء غريزي يعزز رغبتنا في البقاء والاستمرار، ولكن هل يمكن أن يوجد مثل هذا العقل اللاواعي حقًّا؟، للإجابة على هذا السؤال، سنعيد النظر بمفهوم اللاوعي، ونجد أن فرويد طور المنظور الكلاسيكي للعقل اللاواعي قبل أكثر من قرن، ووفقًا لنظريته فنحن تحت سيطرة ثلاث قوى قوية:[٥]
- الجزء الذي يعرف باسم "الهوية"، وهو المسؤول عن تلبية حاجاتنا الأساسية، عادة ما تكون جنسية أو عدوانية.
- الجزء الأخلاقي فينا المعروف باسم "الأنا العليا"، ويعارض هذه الجزء رغباتنا الحيوانية، مما يؤدي إلى حدوث صراع يدفعنا عادة إلى إيجاد حل وسط، وهو التوازن الذي دائمًا ما تبحث عنه ذاتنا المنطقية، التي أطلق عليها فرويد "الأنا"، ووفقًا لفرويد، فإن هذه الصراعات تحدث مئات أو حتى آلاف المرات يوميًا في أذهاننا دون أن نعلم عن معظمها أو حتى نشعر بها لأنها تحدث في الجزء الخفي من العقل وهو ما أسماه فرويد "اللاوعي".
وقد طوّر المنظّرون من بعد فرويد مفهوم اللاوعي، إلّا أنهم احتفظوا بالفكرة الأساسية التي وضعها فرويد وهي أن جزءًا من عقولنا يفكّر ويشعر ويخطط ويعمل متخفيًّا؛ أيّ أن لنا عقلًا آخر في أذهاننا يؤثرعلى أفعالنا على الرغم من عدم قدرتنا على الوصول إليه بشكل مباشر، ولكن حتى لو كان للعلم القليل ليقوله عن العقل اللاواعي، فإنه لا يزال بإمكاننا التساؤل عما إذا كان اللاوعي هو نسخة واحدة فقط، أم أن هناك عقلًا خفيًا لكل جزء غير واعٍ فينا، ويشير الفلاسفة اللاتينيون لللاوعي باسم "الرجل الصغير"، وذلك على اعتبار أنّ في ذهن كل منا عقلًا خفيًا يفكر نيابة عنّا أو يدفعنا لاتخاذ قرارات معينة نتيجة معلومات وأنشطة أو ذكريات وتجارب احتفظ بها دون وعيٍّ منّا، إذا كان عقلنا يعمل من خلال وجود عقل صغير آخر داخله، فكيف يعمل هذا العقل الصغير؟ وإذا كان هذا العقل الصغير يعمل من خلال وجود لوزة أخرى داخلها، فكيف يعمل هذا العقل الخفيّ لعقلنا الخفي؟؟
هذه التساؤلات وغيرها من الحجج تُضعف احتمالية وجود اللاوعي، أو على الأقل بشكله الكلاسيكي، لكن بإلقاء نظرة أخرى أكثر حداثة على قضية اللاوعي سنجد أن إمكانية وجوده أكبر، فمن المتفق عليه على نطاق واسع أننا نقوم بكل أنواع النشاطات دون وعي، مثل قيادة السيارة للعمل كل صباح، فربما نتذكر تفاصيل معينة مثل مغادرة المنزل أو الوصول إلى العمل، ولكن لا نتذكر الكثير من تفاصيل القيادة نفسها بين الوجهتين، من المحتمل أن ننعطف أو نغير اتجاهنا ونتوقف عند الأضواء أو حتى إيقاف السيارة دون التفكير في الأمر حقًا، ويميل الباحثون إلى الإشارة إلى هذا السلوك على أنه سلوك "تلقائي" بدلاً من وصفه كسلوك غير واعٍ، ويفسرون هذه السلوكيات التلقائية بأن معظمها ناتج عن شيء يُسمى الإفراط في التعلم -القيام بنشاطات معينة مرات عديدة بحيث تصبح عادة- فمثلًا في أول عشر مرات يعزف الموسيقي فيها على البيانو يجب عليه أن يفكر بعناية ووعي في ما يفعله كل إصبع ولكن في النهاية يصبح العزف نشاطًا تلقائيًا، وهي نفس الطريقة التي يتعلم من خلالها الناس ركوب الدراجة مثلًا، أو حتى المشي، فإجابة سؤالنا ما إذا كان العقل اللاواعي موجودًا أم لا، تعتمد على تعريفنا للاوعي، فبالرغم من أنه من الواضح أن معظم نشاطاتنا مُكررة وتلقائية، فإن هذا لا يعني أننا تحت رحمة عقلنا الباطن أو اللاوعي، إذ أن السعي لتغيير سلوك ما أو حتى فكرة يؤدي للتحكم في تصرفاتنا أو أفكارنا نفسها، لذا ومن نواح كثيرة قد يكون عقلنا اللاواعي تحت رحمة اختياراتنا الواعية وليس العكس.[٥]
المراجع
- ↑ "What is Philosophy", philosophybasics, Retrieved 29-5-2020. Edited.
- ↑ Kendra Cherry (13-5-2020), "What Is Consciousness?"، verywellmind, Retrieved 29-5-2020. Edited.
- ↑ "Consciousness", stanford,14-1-2014، Retrieved 29-5-2020. Edited.
- ^ أ ب ت "Unconscious", britannica, Retrieved 29-5-2020. Edited.
- ^ أ ب David B. Feldman (17-7-2017), "Does the Unconscious Really Exist?"، psychologytoday, Retrieved 29-5-2020. Edited.