الشفع والوتر
ترمز كلمة الشفع إلى الرقم الزوجي والشافع، وهو الذي يُعزز المشفوع له، ويُقوي ضعفه، ويُزيل تفرده، أمّا الوتر؛ فيرمز للغة الفرد، وقد أقسم الله سبحانه وتعالى بالشفع والوتر في سورة الفجر؛ إذ قال: {والشفع والوتر}[١]، واختلف العلماء في معناهما؛ إذ قال البعض إنّ الوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر، وهو أثبت ما قد قيل.
أمّا مصطلح الوتر الفقهي؛ فيدل على الصلاة التي يختم بها المسلم صلاة الليل، وسُميَت بذلك (الوتر)، لأنّها فردية؛ إذ تُصلى ركعة واحدة أو ثلاث ركعات، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها: [ كانَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ - يصلِّي من اللَّيلِ ثلاثَ عشرةَ ركعةً يوتِرُ من ذلكَ بخمسٍ لا يجلسُ إلَّا في آخرِهنَّ] [٢]، هذا إذا لم يفصل بين الركعة الأخيرة وما قبلها بسلام، أمّا إذا فُصل بينهما، فكان الوتر اسمٌ للركعة الأخيرة فقط، وسُميّ ما قبلها شفعًا، سواء كانت ركعتين أو أربع او ست، وذلك تبعًا لقول النبي صل الله عليه وسلم عن صلاة الليل: [مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى][٣]، وقد يُراد بالشفع الركعتان اللتان تسبقان ركعة الوتر، واللتان يُقرأ فيهما سورتيّ الأعلى والكافرون.[٤]
كيف تصلي الشفع والوتر
يُصلي المسلم ركعتيّ الشفع، ثم يُلحقهما بركعة وتر بعد صلاة العشاء؛ إذ تعدّ صلاة الشفع والوتر من السنن الثابتة التي أكد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقرأ المسلم الفاتحة وسورة الأعلى في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية، يقرأ سورة الفاتحة وسورة الكافرون، وبعدها يصلي المسلم ركعة الوتر، ويقرأ فيها الفاتحة وسورة الإخلاص، كما ذكر النبي صل الله عليه وسلم طريقة صلاة الشفع والوتر في حديثه [أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يوتِرُ بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، وقُلْ يَا أيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، وَكانَ يقولُ : سبحانَ الملِكِ القدُّوسِ ثلاثًا ، ويرفعُ صوتَه بالثَّالثةِ][٥]، ويُمكن للمسلم أن يُصلي الثلاث ركعات متواصلة، ولا يقعد للتشهد بين الركعتين والركعة الثالثة، حتى لا تتشابه مع صلاة المغرب، بل يقعد مرة واحدة في الركعة الثالثة للتشهد الأخير.
يُمكن للمسلم أيضًا أن يوتر بخمس ركعات أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة ركعةً، وذلك حسب قول النبي صل الله عليه وسلم [الوِترُ حَقٌّ على كلِّ مُسلِمٍ، فمَن أحَبَّ أنْ يُوتِرَ بخَمسٍ فليَفعَلْ، ومَن أحَبَّ أنْ يُوتِرَ بثلاثٍ فليَفعَلْ، ومَن أحَبَّ أنْ يُوتِرَ بواحِدةٍ فليَفعَلْ][٦].
يجب التنويه أيضًا الى أن صلاة الوتر تُصلى كل ليلة مرة واحدة فقط، كما ورد في حديث النبي [زارَنا طلقُ بنُ عليٍّ في يومٍ من رمَضانَ وأمسَى عندَنا وأفطرَ ثُمَّ قامَ بنا اللَّيلةَ وأوترَ بنا ثمَّ انحدرَ إلى مسجدِهِ فصلَّى بأصحابِهِ حتَّى إذا بقِيَ الوترُ قدَّمَ رجلًا فقالَ أوتر بأصحابِكَ فإنِّي سمعتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ لا وِترانِ في ليلةٍ][٧][٨].
فضل صلاة الشفع والوتر
تُعدّ صلاة الشفع والوتر من الصلاة التي يتقرب بها العبد الى الله تعالى، كما أنّ لها الثواب العظيم؛ إذ يَطلب بها العبد راجيًا رضى الله سبحانه وتعالى، فهي من السنن التي أمرنا بها الرسول الكريم، التي تُؤدى ثلاث ركعات، إضافةً إلى أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملتزمًا بها؛ إذ لم يتركها عليه السّلام لا في سفر ولا في حضر.
وقد أجمع العلماء على أنّ الوقت الذي تُصلى به يمتد من بعد العشاء وحتى طلوع الفجر؛ إذ قال النبي صل الله عليه وسلم [إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ زادَكُم صلاةً فصَلُّوها فيما بينَ صلاةِ العِشاءِ إلى صلاةِ الصُّبْحِ، الوِتْرَ الوِتْرَ. ألَا وإنَّه أبو بَصْرةَ الغِفاريُّ. قالَ أبو تَميمٍ: فكنتُ أنا وأبو ذَرٍّ قاعدَيْنِ. قالَ: فأخَذَ بيَدي أبو ذَرٍّ، فانطلَقْنا إلى أبي بَصْرةَ، فوجَدْناه عندَ البابِ الذي يَلي دارَ عمرِو بنِ العاصِ، فقالَ أبو ذَرٍّ: يا أبا بَصْرةَ، آنْتَ سمِعْتَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ زادَكُم صلاةً، فصلُّوها فيما بينَ صلاةِ العِشاءِ إلى صلاةِ الصُّبحِ، الوِتْرَ الوِتْرَ؟ قالَ: نعَمْ. قالَ: أنتَ سمِعْتَه؟ قالَ: نعَمْ، قالَ: أنتَ سمِعْتَه؟ قالَ: نعَمْ.][٩].
فتكون صلاة الشفع والوتر في آخر الليل، إذا كان المسلم متأكدًا أنّه سيُؤديها في هذا الوقت، حسب قول النبي صل الله عليه وسلم، فعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: [مَن خافَ أنْ لا يقومَ مِن آخِرِ اللَّيلِ فلْيُوترْ أوَّلَه، ومَن طَمِعَ أن يقومَ آخِرَه فلْيُوترْ آخرَ اللَّيلِ؛ فإنَّ صلاةَ آخِرِ الليلِ مشهودةٌ، وذلك أفضلُ][١٠].
أمّا بالنسبة لدعاء القنوت الذي يذكر في الركعة الأخيرة من الوتر بعد الانتهاء من القراءة وقبل الركوع، أو بعد الرفع من الركوع وقبل السجود، فهو مستحب وليس واجب، فعن الحسنِ بن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال: [عَلَّمني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلماتٍ أقولهنَّ في قُنوتِ الوِترِ: اللهمَّ اهْدِني فيمَن هدَيْت، وعافِني فيمَن عافَيْت، وتولَّني فيمَن تولَّيْت، وباركْ لي فيما أَعطَيْت، وقِني شَرَّ ما قَضَيْت؛ فإنَّك تَقْضِي ولا يُقْضَى عليك، وإنَّه لا يَذلُّ مَن والَيْت، تباركتَ ربَّنا وتَعالَيْت][١١][١٢].
مَعْلُومَة
بالنسبة للفرق بين صلاة الشفع والوتر وصلاة قيام الليل فهما مختلفتان؛ إذ تُعدّ صلاة الشفع والوتر جزء من قيام الليل، فالوتر مثلًا؛ هي الركعات التي يختم بها المسلم قيامه، وتكون إمّا ثلاث ركعات، وإمّا خمس أو سبع، وفي سنن النسائي أَيُّوبَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ، وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ، وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ][١٣].
كما يُطلق الوتر على صلاة الليل المختومة بركعة متصلة من غير سلام بين الركعات، أمّا الشفع فيختلف؛ إذ إنّ كل ركعتين تعدّ شفعًا، وبعض الشافعية يُطلقون على الركعتين اللتان تسبقان ركعة الوتر، التي تقرأ فيهما سورة الأعلى والكافرون.[١٤]
المراجع
- ↑ سورة الفجر، آية: 3.
- ↑ رواه ابن القيم، في أعلام الموقعين، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2/313، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 749، [صحيح].
- ↑ "معنى الشفع والوتر"، islamweb، 30-5-2020، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن القطان، في الوهم والإيهام، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم: 5/614. صحيح أو حسن.
- ↑ رواه ابو داوود، في سنن أبي داود، عن أبو أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 1422. إسناده صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن قيس بن طلق بن علي، الصفحة أو الرقم: 1439. صحيح .
- ↑ "كيفية صلة الشفع والوتر "، edarabia، 30-5-2020، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبو بصرة الغفاري، الصفحة أو الرقم: 27229 . صحيح.
- ↑ ، رواه جابر بن عبدالله، في صحيح مسلم، عن مسلم، الصفحة أو الرقم: 755. صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن خزيمة، عن الحسن بن علي بن أبي طالب ، الصفحة أو الرقم: 1095 ، إسناده صحيح.
- ↑ دعاء رضا (30-5-2020)، "فضل صلاة الشفع والوتر"، ghadidihnak، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبو أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 1709، صحيح .
- ↑ "المراد بالشفع والوتر والفرق وقيام الليل والفرق بينهم"، islamweb، 30-5-2020، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2020. بتصرّف.