القسطنطينية
تقع مدينة القسطنطينية في الناحية الشمالية الغربية من إقليم مرمرة في تركيا، وتحديدًا على مضيق البسفور، والجزء الغربي منها يندرج تحت جناح القارة الأوروبية، بينما الجزء الشرقي يندرج تحت جناح قارة آسيا، وهي بذلك تقع في قارتين، وتتكون مما يزيد عن 39 مقاطعة وهي بذلك أكبر مدينة في تركيا، وثاني أكبر مدينة في العالم، نالت شهرة تاريخية كونها عاصمة الإمبراطورية الرومانية والدولة البيزنطية التي افتتحها السلطان العثماني محمد الفاتح سنة 1453م، وأطلق عليها وقتذاك الأستانة واتخذها عاصمة لدولته، ثم سميت في الوقت الحاضر باسم اسطنبول منذ زمن الزعيم الراحل مصطفى كمال أتاتورك.[١]
فتح القسطنطينية
أعد السلطان العثماني محمد الفاتح عدة وعتادًا لفتح مدينة القسطنطينية، فبنى قلعة على البر الأوروبي وهي مقابلة للقلعة التي بناها السلطان بايزيد الأول على البر الآسيوي، فبسط سيطرته التامة على مضيق البسفور مانعًا وصول أي إمدادات إلى المدينة، ولما أحس إمبراطور القسطنطينية عزمَ السلطان على غزوها وعرض عليه دفع الجزية، لكن الأخير رفض، فاستنجد امبراطور بيزنطة بالنصارى في أوروبا، فأغاثته إمارة جنوة بثلاثين سفينة حربية جاءت في خضم محاصرة العثمانيين للمدينة، فاصطدمت السفن بالأسطول العثماني، وكانت الغلبة للجنويين إذ استطاعوا التسلل إلى القرن الذهبي، ولما حاول العثمانيون اللحاق بهم أُغلِقت السلسلة في وجوههم، وبحسب المصادر فإن عدد جنود الدولة العثمانية التي تحاصر القسطنطينية من البر حوالي 250 ألف جندي، بينما بلغ عدد السفن التي تحاصر المدينة من الناحية البحرية 180 سفينة، وعليه جمع محمد الفاتح قواده قائلًا لهم أن فتح المدينة إنما هو بشارة نبوية حكى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو قبيل المعافري قال: (بينما نحنُ حولَ رسولِ اللهِ نكتبُ إذ سُئِلَ رسولُ اللهِ: أىُّ المدينتيْنِ تُفتحُ أولًا القسطنطينيةُ أو روميَّةُ ؟ فقال رسولُ اللهِ: مدينةُ هرقلَ تُفتحُ أولًا: يعني قسطنطينيةَ) [عبد الله بن عمر| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وقد بشرهم الفاتح أن الظفر بالمدينة سيزيد الإسلام قدرًا على قدره، وشرفًا على شرفه، وأوصاهم بالتزام تعاليمَ الدين بتجنب دور العبادة، والقساوسة والضعفاء والعجزة وكل مَن لا يستطيع القتال.
بعد أن حشد السلطان محمد الفاتح جيوشه اتبعوا طريقة لدخول القرن الذهبي، فأعدوا ألواحًا خشبية واصلة ما بين البحر في القرن الذهبي والبحر عند مدخل مضيق البسفور، ثم ألقوا عليها الدهون والشحوم، ثم وضعوا السفن على الألواح، فأخذت مدافع العثمانيين تدك الأسوار التي تحصن القسطنطينية، فدخلوها فجر الخامس عشر من جمادى الأولى عام 857 هجري، وحولوا كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد وأذنوا فيه الأذان للمرة الأولى، علمًا أن أيا صوفيا كانت مقر الأرثودكس العالمي التي تضاهي الفاتيكان أي مقر الكاثوليك، وغيروا اسم المدينة إلى إسلام بول أي مدينة الإسلام، وجعلوها عاصمًة لهم؛ وبذلك سقطت الدول البيزنطية التي ظلت على عداء مرير مع المسلمين طوال 8 قرون، وأمّن المسيحيين على دينهم.[٢][٣]
محمد الفاتح
هو السلطان السابع من سلاطين الدولة العثمانية، ولد في العشرين من أبريل نيسان عام 1429م في مدينة أدرنة، نشأ وترعرع في بيئة إسلامية كان لها الأثر الكبير على شخصيته، وعلى التزامه دينيًا فمعلمه الشيخ آق شمس الدين غرس في نفسه حب الجهاد، وقد تربع على عرش الدولة العثمانية سلطانًا بعد وفاه أبيه السلطان مراد الثاني سنة 1451م، فقطع عهدًا على نفسه فتح ما تبقى من بلاد البلقان ومدينة القسطنطينية لتكون جميع أملاك الدول العثمانية متصلة وقد فعل، وفي هذا المقام نذكر العوامل التي دفعت محمد الفاتح إلى فتح المدينة وهو ابن 21 ربيعًا[٤]:
- دافع شخصي ورغبة داخلية ملحة لتنفيذ محاولات أجداده الذين عزموا على إبادة الدولة البيزنطية مرات عديدة، لكنهم لم يوفقوا، فكأن محاولاتهم الفاشلة هي مَن غرست في نفسه سهمًا لا يخطئ.
- دافع ديني، فالجهاد فرض كفاية على المسلمين، وكلما كان الوازع الديني متمكنًا في المرء فإنه يحرّكه باستمرار لتنفيذ كل تعاليم العقيدة ما هو فرض منها، وما هو فرض كفاية، وما هو سنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا ومعلمنا الأول ولم يكن رسول هداية فحسب، بل كان قائدًا عسكريًا وسياسيًا محنكًا، فسطر الغزوات المشرفة في التاريخ الإسلامي.
- تخطيط سياسي ممهنج لتوسيع دولته العثمانية ذات الطابع الإسلامي، لا سيما وأن القسطنطينية كانت عائقًا أمام هذا الحلم، وهي مقر الأعداء والخطر الذي يهدد الدول الإسلامية كلها، فكان لا بد من إبادتها لقلب موازين الأمور لصالح العثمانيين المسلمين، وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن السلطان ورث دولة مقسمًة إلى قسمين، فهناك القسم الإسلامي ، والقسم الروملي، ما يعني ضرورة توحيد القسم تحت إمرة واحدة.
أثر فتح القسطنطينية
- دخول الدين الإسلامي إلى أوروبا بقوة، وعليه بات المسلمون قوة عظمى مقابل تسلل الفزع والخوف في نفوس الأعداء الصليبيين، وهو ما أجبر الغرب على قبول السيادة الإسلامية، ليصير الإسلام أحد محركات السياسية من جديد، ويصير المسلمون محور الأحداث في جميع أنحاء العالم.
- بدء الدولة العثمانية إرساء نظامٍ عالميٍ جديد، فأصبحت ذات نفوذ واسعة، ومركزًا من أعظم مراكز التجارة في العالم.
- أصبحت القسطنطينية منارًة لانتشار الإسلام، ووجهة يقصدها العلماء والمفكرون.
- عدّ المؤرخون هذا الحدث بمثابة نقطة فاصلة قضت على العصور الوسطى، ليبدأ العصر الحديث أو ما يعرف بعصر النهضة العلمية الحديثة.
- توحيد الدولة العثمانية في قارتي آسيا وأوروبا.
- أصبحت فنون القتال العثمانية كنظام الانكشارية وقواة المشاركة الخفية مادة دراسية لبعض الحكومات الأوروبية
- لازال أثر الفتح واضحًا حتى يومنا الحاضر، فاسطنبول قوة إقليمية كبرى لا تقل أهمية عن غيرها من المدن الأوروبية، فهي أكبر مدينة تركية، وهي قلب الدولة النابض بالحياة، وتنتج 55% من صادراتها، وتوفر فرصة عمل لخمس الشعب التركي، من هنا يمكن اعتبارها الأكثر مساهمة في إغناء خزينة تركيا اليوم.[٥]
المراجع
- ↑ "أين توجد وتقع القسطنطينية"، موسوعة كله لك، اطّلع عليه بتاريخ 3-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "محمد الفاتح وفتح القسطنطينية"، قصة الإسلام، 16-5-2012، اطّلع عليه بتاريخ 3-5-2019.
- ↑ "الموسوعة الحديثية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 3-5-2019. بتصرّف.
- ↑ آيات طاهر (30-5-2015)، "ذكرى فتح القسطنطينية بقيادة محمد الفاتح عام 1453م"، المرسال، اطّلع عليه بتاريخ 3-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "أثر فتح القسطنطينية على العالم الإسلامي وأوروبا عبر التاريخ"، ترك برس، 6-6-2015، اطّلع عليه بتاريخ 3-5-2019. بتصرّف.