بحث عن طلب العلم وأهميته

العلم والعلماء

تقسم العلوم عند المسلمين عمومًا إلى علوم الشريعة الإسلامية المهتمة بجانب العبادات وما يدور في فلكها، والعلوم غير الشرعية التي يطلبها المجتمع أو الفرد حسب الحاجة إليها، وهي العلوم المختلفة التي تستخدم في تقدم الجوانب التي تسهل حياة البشر عامة، ففي ديننا الحنيف العلماء هم ورثة الأنبياء، فالمقصد الشرعي من تلقي العلوم هو تلقي أي علم مهما كان مجاله وخصائصه، فأمر الشرع أتى بالمطلق والعام؛ إذ كانت أول كلمة نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي "إقرأ"، والقراءة هنا بمعنى الفهم والاستيعاب، وهي فعل أمر يعني في علم الأصول المعنى المطلق الذي لا يُقيد إلا بدليل، بالإضافة للكثير من الآيات القرآنية العظيمة التي حثت على العلم وفضلة ومكانة من ينتهجه، يقول الله سبحانه وتعالى : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ[الزمر:9]، ويقول أيضًا: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة :11]، فالأمر ليس مقتصرًا على علماء الشرع والفقه في وصفهم ورثة الأنبياء، بل كل من يطلب العلم ويقدم للبشرية ما هو مفيد ويسهل على الأمة مجريات حياتها، وأخيرًا أشار الرسول صلى عليه وسلم في حديث رواه مسلم يقول فيه: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له [أبو هريرة: خلاصة حكم المحدث : صحيح]، مما يدل دلاله قاطعة على أهمية أن ينتهج الإنسان المسلم طلب العلم ويساهم في رفع البشرية عامة، والأمة الإسلامية على وجه الخصوص [١].


أهمية طلب العلم وفضله

إن للعلم أهمية كبرى في تأثيره على متلقيه أو مُلقيه، فتجد الإنسان الذي يتلقى العلم قد لزمته الكثير من الصفات التي تميزه عن غيره، وإذا لم تتحول المناهج العلمية التي يُدرسها أو يدرسها إلى مفاهيم تؤثر على سلوكه ستكون النتيجة سلبية عليه، ويُوصف في هذه الحالة بالذي يلهث وراء الكسب المادي فقط دون أي اعتبارات أخرى، ومما يدل على أهمية العلم وفضله ما انتهجه علماء المسلمين في الفترات الذهبية للخلافات المتعاقبة على المسلمين، إذ كانوا يدرسون العلوم الشرعية بالتزامن مع البحث والاستقصاء في العلوم الأخرى، وفيما يأتي توضيح لفضل العلم على العلماء [٢]:

  • العلم يهذب النفوس: فالعلم مقدم على العمل، وقد أشار الكثير من العلماء لهذه الأولوية في كتاباتهم وأبحاثهم، إذ يقول الإمام البخاري في أحد أبواب كتاباته " باب العلم قبل القول والعمل"، واستشهد بقول الله عز من قائل : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ [محمد:19]، وبالتالي سينعكس العلم على العمل، وأول علم يتلقاه الإنسان هو علم التوحيد وعلم التربية السلوكية، إذ يعرف ربه وعقيدته، وبالتالي سيعرف نفسه ويضبطها ويهذبها.
  • العلم ينير البصر: والمقصود بالبصر هنا ليس الرؤية بالعين، وإنما بصر القلب، فقد شبه الله سبحان الله وتعالى الجاهل الذي لا يتلقى العلم بالأعمى، يقول الله سبحانه وتعالى : أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ[الرعد:19].
  • العلم يلازم العالم الخشية من الله: أي أن أكثر الناس خشية من الله هم العلماء، يقول الله سبحانه وتعالى : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [ فاطر: 28]، والشواهد على ذلك كثيرة، فقد أسلم الكثير من علماء الغرب عندما وجدوا قدرة الله سبحانه وتعالى في أبحاثهم وتجاربهم، وما كان منهم إلا التسليم بوجود خالق عظيم وراء ما يرونه في أبحاثهم ودراساتهم.
  • العلم يفرض على الإنسان الاستزادة منه: فقد أمر الله سبحانه وتعالى بذلك في قوله تعالى : وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا [ طه: 114]، ففي ذلك حكمة بالغة بأهمية الاستمرار في البحث والاستقصاء سواء في العلوم الشرعية أم في العلوم الحياتية، إذ نجد اليوم أن الكثير من الأحكام الشرعية ناقشت قضايا معاصرة لم تكن مجالًا للبحث في العهود الإسلامية السابقة، كمواضيع البنوك الإسلامية وأحكام تبادل السلع.


أهمية العلم والعلماء في حياة المسلمين

فرض الله سبحانه وتعالى طلب العلم على الإنسان المسلم، وبأولوية لعلم التوحيد ومعرفة الله سبحانه وتعالى ومعرفة الأحكام الشرعية التي تجعل من المسلم إنسانًا واعيًا يمتلك الشخصية التي تؤهله لتلقي المزيد من العلوم الحياتية، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : طلب العلم فريضة على كل مسلم [ أنس بن مالك: خلاصة حكم المحدث : صحيح]، ففهم المسلمون هذا الحديث وتطبيقة في حياتهم العملية، فبنوا المدارس في المساجد، وكانت أماكن للعبادة وتلقي العلوم الشرعية في آن واحد، ثم امتدت الدراسات العلمية لتصبح بما يُسمى "حوانيت الوراقين" وهو المكان الذي يجتمع فيه العلماء ويتناقشون في القضايا العلمية، ولاحقًا أنشئت المجالس في قصور الخلفاء كمكان يلتقي فيه العلماء من جميع التخصصات والتي ساهمت فيما بعد ببناء المدارس النظامية في مناطق بغداد ونيسابور وأصفهان.

ففي بغداد كانت أشهر المدارس النظامية المسماة بالمدرسة المستنصرية، وفي دمشق كانت المدرسة النورية، وبقي التطور في العلوم ملازمًا للخلافات المتعاقبة ففُتحت الجامعات في العديد من المناطق التابعة لها، كجامعة القيرويين بفاس، وجامعة الأزهر في القاهرة، وجامعة قرطبة في الأندلس، بالإضافة لانتشار المكتبات في بغداد (مكتبة بيت الحكمة)، ومكتبة في النجف (المكتبة الحيدرية)، ومكتبة بخاري التي ذكرها ياقوت الحموي وقال بأنه لم يرَ مثلها في حياته على الإطلاق، وبناءً على ما تقدم حدث ازدهار قياسي في المدن والعواصم الإسلامية الناتج عن تطور ونمو العلم والعلماء، إذ أبدع العلماء في بناء وتأسيس العديد من المعالم التي تشهد على هذا الابداع حتى يومنا هذا [٣].


المراجع

  1. بشير بن حسن، "ورثة الأنبياء بين المفهوم الضيق والمفهوم الشمولي"، resalapost، اطّلع عليه بتاريخ 14-8-2019. بتصرّف.
  2. حسام الدين سليم الكيلاني، "فضل طلب العلم "، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 14-8-2019. بتصرّف.
  3. "الحث على طلب العلم الحث على طلب العلم"، albayan، 16-1-2006، اطّلع عليه بتاريخ 18-8-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :