محتويات
الثقافة في العالم العربيّ
تتسارع الأحداث في العالم بشكل منقطع النظر عن ما مضى، فمع العولمة وعصر السرعة بات من المستحيل اللحاق بجميع الأخبار المستجدة على الساحة العالمية، والعالم العربي جزءٌ رئيسي من هذه الأحداث فمنذ السنوات العشر الأخيرة وهو يتصدر العناوين وافتتاحيّة الجرائد بأخبار الصراعات والحروب الدائرة فيها، ولا بد أنّ للثقافة انعكاسًا رئيسيًا على هذا العصر وهو ما سنتطرق له هنا، إذ تعني الثقافة محصّلة المعرفة الفكريّة والحضاريّة المرتبطة بشكل مباشر بتاريخ الإنسان والعديد من العوامل الأخرى؛ كمكان عيشه وبيئته المحيطة ومجتمعه وحالته الصحيّة والاجتماعيّة، وقد يستعملها البعض للدلالة على التربية والتعليم كما فعل طه حسين في كتاباته، أو أنّها تعني تقويم الاعوجاج الفكريّ والعقليّ لدى الإنسان كما ورد في كتاب (لسان العرب) الشهير، كما ربطها العديد من الكُتاب والمؤرخين وعلماء اللغة بالتشويق وكشف الستار عن الحقائق الغامضة في الحياة، وفي العُرف الاجتماعيّ العربيّ فإنّ الثقافة تعني المعرفة الحقّة التي يكون مصدرها قراءة الكتب بصورة رئيسيّة وخوض التجارب والمغامرات الحياتيّة التي تُكسب الفرد زخمًا معرفيًا يجعله قادرًا على تحسين ظروف حياتية المعيشية والشخصية بشكل أكبر.
الثقافة العربيّة وعصر المعلومات
إنّ الربط بين الثقافة العربيّة وعصر المعلومات أمر مهمّ ومحوريّ؛ وذلك لأنّ عصر المعلومات عبارة عن الزمن أو العهد الذي تصبح فيه المعلومة هي القوة المتحكّمة في الاقتصاد والسياسة والسياحة والمراكز المفصليّة في الدولة كافة، وقد جاء عصر المعلومات ما بعد العصر الصناعي وذلك عندما انصرف الإنسان عن التفكير في أن القوة والسلطة فقط في رأس المال وجعلها تتركز في السيطرة على مرافق الاتصالات والمعلومات في الدول وخاصة العظمى، ولا شكّ أنّ هذا الحديث قد خرج من نطاق الكلام الورقيّ المكتوب إلى الواقع والحقيقة ففي الولايات المتّحدة الأمريكيّة وروسيا وفرنسا واليابان تعتبر المعلومة هي السلاح الأبرز، وتعتبر شركة مايكروسوفت أبرز مثال على ذلك فقد أصبحت ثقلًا اقتصاديًا مهمًا في أمريكا وهي بالأصل مبنية على منح المعلومات للمستخدين.
ثقافة التعامل مع المعلومات
إن المقدرة على ربط المعلومات ببعضها البعض بخطوط اتصال وثيقة يحتاج لثقافة خاصة، وسندرج فيما يلي عددًا من الأمثلة التي جمعت بين الثقافة والمعلومات واستغلّتها بالشكل الناجح والإيجابيّ، وهي:
- الإذاعة: منذ تطور الإرسال اللاسلكي وأصبح بالإمكان وصول الصوت من منطقة إلى أخرى في العالم؛ حتّى أصبحت المعلومة حقًا للجميع في مراكز البث الإذاعي في جميع دول العالم، فعلى الرغم من أن التلفاز كان أكثر أهمية عند بدء اختراعه إلّا أنّ تحوله لمجرد أداة ترفيهيّة أفقده خاصّته التثقيفيّة، والتي حافظ المذياع عليها في طرح برامج منوّعة مهمّة.
- الحواسيب الشخصيّة: كان من الصعوبة على الإنسان في الماضي الحصول على المعلومات الثقافيّة كما اليوم، فقد بدأ اختراع الحاسوب الشخصيّ بحجم ضخم للغاية وتطوّر لاحقًا ليتّخذ الشكل الخفيف الوزن المتعارف عليه في يومنا هذا، مما فتح نافذةً خاصّة لكلّ مستخدم بالحصول على ما يريد من تطبيقات وبحوث وعلوم ودراسات في الوقت الذي يشاء وعما يشاء.
- الإنترنت: شكلت تطبيقات ومواقع الإنترنت ثورة حقيقية في تغيير نظرة الإنسان إلى العالم وحاضره، فتمكّن من الوصول إلى بقاع بعيدة وعقول مستترة وحقائق غامضة ومعلومات كانت طي الكتمان، وكل هذا أصبح متاحًا اليوم بنقرة زر واحدة.
- الثورة الرقميّة: إذ رصدت الثورة الرقميّة التطوّرات الهائلة في الأجهزة الذكيّة واللوحيّة والحواسيب الشخصيّة ومكّنت المستخدمين من استخدام التقنيات العالية بأسعار منافسة وفي متناول الجميع.
تأخّر الثقافة العربيّة باللحاق بعصر المعلومات
على الرغم من التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ في عصر المعلومات في الكثير من دول العالم، إلّا أنّ الدول العربيّة لا زالت تعاني من محدوديّة الوصول إلى تلك التقنية وتشربها فكريًّا وإسقاطها على الثقافة، ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب التي سنناقشها فيما يلي:
- التبعية والتقليد إذ لا تزال الدول العربية قابعة تحت وطأة الاستعمار الفكري لها من إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وأمريكا وهذا يمنعها من التحرر والتفكير بشكل حضاري مستقر.
- الحروب الكثيرة في مختلف الدول العربية في آسيا وإفريقيا، فقد أجهضت تلك الصراعات المشاريع الفتية وفتكت بالاقتصاد الحر لتلك الدول بما أفلس الكثير منها وجعلها تخضع لرحمة صندوق النقد الدولي، بما في ذلك من انعكاسات على رفع أسعار المواد والضرائب على المواطنين.
- التعصبات الفكرية المختلفة سواءً على أساس عقائدي أو عرقي أو جنسي أو طائفي، وذلك ما يزيد من أسباب الفرقة ويقّلل من أسباب الترابط والانسجام الذي يفتح للعقول المبدعة المجال لتقدم أفضل ما لديها.
- قلة اهتمام الأفراد وخاصة فئة الشباب العربي بالمشاريع الثقافية والقراءة، وانصرافهم إلى إضاعة الوقت إلى غير ذلك، إذ يعتبر معدل قراءة الفرد العربي نصف صفحة خلال العام الكامل.