تعريف الزنا
قد يُشكل مفهوم الزنا لديك بعض التخبط حول عقوبته وتعريفه وحُكمه في الإسلام، وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم في حديثه: [كُتِبَ علَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذلكَ لا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُما النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُما الاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا البَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذلكَ الفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ]،[١]، ويعني الحديث أن المُسلم يرتكب جريمة الزنا في حال أدخل فرجه بالفرج الحرام، ويقول بعض الآخرين يكون زناهم من خلال النظر إلى الحرام والاستماع له وكلّّ أمر يتعلّق به، وفي كل الأحوال إذا أذنب المسلم ثم تاب توبة نصوحة، غفر الله له ذنوبه مهما كانت كبيرة، وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}،[٢] إذًا هنالك فرصة لكل زانٍ للعودة إلى الله تعالى لطلب الرحمة والغُفران، قال عزّ وجل: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.[٣][٤]
حكم الزنا في الإسلام
دلّت كل الآيات والأحاديث وإجماع العلماء أن كلّ من السارق والزاني والقاذف لا يُقتل بل يقام عليهم الحدّ الشرعيّ، كما ثبت أنه لا يُسمّى بالمُرتد،[٥] لكن الله تعالى حرّم الزنا وحرّم كلّ ما يؤدي إليه، إذ قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}،[٦]{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}،[٧] وقال تعالى أيضًا في أحكام مرتكبي الزنا: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة}،[٨] فعن عبادة بن الصامت قال: قال النبي صل الله عليه وسلّم : [خُذُوا عنِّي خُذُوا عنِّي ، قدْ جعل اللهُ لهنَّ سَبِيلًا، البِكرُ بالبِكرِ ؛ جَلدُ مِائةٍ ، و نَفْيُ سَنةٍ ، و الثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ ، جَلدُ مائةٍ و الرَّجْمُ][٩] وفي هذا الحديث دلالة على وجوب تغريب الزاني لمُدة سنة عن مكانه عدا عن إقامة الحدّ.[١٠]
عقوبة الزنا
قال تعالى: {سورة أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ . الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ،[١١] وضع الإسلام عقوبات وحدود لمرتكب الزنا في الدنيا، فما هي؟ إذا ثبتت فعلة الزاني عند الحاكم يُقام عليه الحد، فإذا كان بِكر يُجلد مائة جلدة ويُغرّب عن بلده سنة كاملة، أما الزاني المُحصن (المُتزوج من قبل) فعقوبته الرّجم حتى الموت، وهذا الحد يُطبّق على المرأة والرجل، وقيل أن النبي صل الله عليه وسلّم قصّ على الصحابة، قائلًا: [فانطلقنا فأتينا على مثل التنور قال وأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا]،[١٢] وفي آخر الحديث سأل عنهم صلى الله عليه وسلم فقيل: "وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني"، [١٣] وفي النهاية يجب الانتباه إلى مجموعة من النقاط الضرورية قبل تطبيق الحكم والعقوبة على المُذنب، إليك هي:[١٤]
- إذا أخطأ المسلم ولم يُقرّ بارتكابه للزنا وستره الله تعالى فلا حدّ عليه؛ لأن الإسلام يستنكر التجسس على الناس وتتبع عوراتهم.
- من الضروري التأني والتفكير في الشُبهات والمعاذير التي قد تُشعر القاضي بعدم الارتياح.
- إذا اعترف أحد الطرفين ممن ارتكب الزنا دون شهادة أربعة شهود ولم يعترف الطرف الآخر فلا حدّ على الطرف الذي لم يعترف ولم يشهد عليه أحد، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: [أنَّ رجُلًا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأقَرَّ عندَه أنَّه زَنى بامرأةٍ سَمَّاها، فبعَثَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَرأةِ فسأَلَها عن ذلك، فأنْكَرَتْ أنْ تكونَ زَنَتْ، فجَلَدَه الحَدَّ وتَرَكَها].[١٥] وقال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[١٦] وقال عزّ وجل أيضًا: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}.[١٧]
مَعْلومَة
اتفقت كلٌّ من الديانة الإسلامية واليهودية والمسيحية في تشديد الحكم على الزاني والزانية، وقد يتساءل البعض عن أحكام الزنا في الأديان الأخرى كالمسيحية واليهودية، فما حكم الزنا في كل منهما، إليك بعض المعلومات التي تُلخّص لك هذه الأحكام:[١٤]
- في اليهودية: "إذا زنى رجل مع امرأة فإنه يُقتل الزاني والزانية، وإذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعلا كلاهما رجسًا فإنهما يقتلان، وإذا اتخذ رجل امرأة وأمها فذلك رذيلة، بالنار يحرقونه وإياهما لكيلا يكون رذيلة بينكم".
- في المسيحية: حرّم الدين المسيحي الزنا وبينه في مواضع كثيرة في الإنجيل، وهذا دليل على تحريم المسيحية للزنا وأن عقابه الخلود في جهنّم.
- في الإسلام: " يعد الزنا من الكبائر، وهي الذنوب التي تؤدي بمرتكبها إلى الهلاك إلا إذا تاب، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}.[١٨]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2657 ، صحيح.
- ↑ سورة الزمر، آية: 53.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 67-70.
- ↑ "حقيقة الزنا "، islamway، 2013-06-23 ، اطّلع عليه بتاريخ 16-6-2020. بتصرّف.
- ↑ أ. د. عبدالله بن مبارك آل سيف (21-1-2015)، "alukah"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 16-6-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الاسراء، آية: 32.
- ↑ سورة النور، آية: 30.
- ↑ سورة النور، آية: 2.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبادة بن الصامت ، الصفحة أو الرقم: 3215 ، صحيح.
- ↑ "الزنا...حكمه...وما يترتب عليه من آثار"، islamweb، 10-12-2002، اطّلع عليه بتاريخ 16-6-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية: 1-3.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم: 7047 ، صحيح.
- ↑ "عقوبة الزاني في الدنيا والآخرة"، islamweb، 16-3-2008، اطّلع عليه بتاريخ 16-6-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب اللواء المهندس أحمد عبدالوهاب علي (21-2-2015)، "تشديد العقوبة على جريمة الزنا في اليهودية والمسيحية والإسلام (نقاط الاتفاق) "، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 16-6-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط ، في تخريج زاد المعاد، عن سهل بن سعد ، الصفحة أو الرقم: 5/38، إسناده صحيح.
- ↑ سورة النساء، آية: 17.
- ↑ سورة النساء، آية: 110.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 63.