سوء الظن
تعتمد أبسط خيارات وقرارات الإنسان اليومية على حجم ثقته أو على حسن أو سوء ظنه بالأفراد من حوله؛ فمثلًا من الطبيعي أن تكون هنالك ثقة في البائع عند إعطائه رقم البطاقة الائتمانية عند شراء الأغراض الشخصية من المتجر، وفي حال كان الشخص يُعاني من سوء الظن المبالغ فيه، فإنه بالطبع لن يبادر بإعطاء البطاقة للبائع خشية سرقته، لكن في حالات أخرى، يجب عدم تجاهل أهمية سوء الظن؛ ففي حال أظهر الشخص حسن الظن في عدم محله فإن ذلك قد يقوده إلى عواقب كثيرة؛ فمثلًا قد يكون من الأنسب توخي الحذر وعدم الثقة عند توقف أحد سائقي السيارات وعرضه لتوصيلة إلى المنزل أو إلى أيّ مكان آخر، فحسن الظن في هذا الموقف لن يكون لصالح الشخص بالطبع، وهذا يعني ضرورة الوصول إلى نقطة من الاتزان عند الانفتاح على الآخرين وعدم المبالغة في سوء الظن بهم أو الثقة بهم أكثر من اللازم.[١]
لكن وفي نفس الوقت يجب التنبيه هنا إلى وجود أحد اضطرابات الشخصية التي تتميز بشكوكية وسوء ظن مبالغ فيه، وقد أطلق الخبراء على هذا الاضطراب اسم الشخصية الزورانية أو البارانوية، وهو يظهر عند الرجال بنسب أكثر من النساء، وتصل نسبة وجوده بين السكان عمومًا إلى حوالي 2.3-4.4% تقريبًا.[٢]
علاج سوء الظن
بات خبراء علم النفس والاستشارات الأسرية يتحدثون عن زيادة ملحوظة في مشاكل الأزواج وشركاء الحياة خلال السنوات الأخيرة نتيجة لسوء الظن وفقدان الثقة المتبادلة بينهم بسبب حوادث الخداع والخيانة المؤسفة التي يمر بها بعضهم، لكن يبقى بوسع الأزواج والناس عمومًا إعادة بناء الثقة فيما بينهم وكبح سوء الظن لديهم عبر اتباع بعض الخطوات الإيجابية، ومنها ما يأتي:[٣]
- الالتزام بالصدق والنزاهة: يجب على الراغبين باستعادة ثقة الناس فيهم وتجنب سوء الظن أن يلتزموا بالصدق والشفافية في جميع مناحي حياتهم، وهذا قد يعني ضرورة إحداث تغيرات جوهرية في شخصية الإنسان أحيانًا من أجل التخلي عن العادات السيئة والمؤذية التي أدت إلى شعور الآخرين أصلًا بسوء الظن نحوه.
- التخلي عن المواقف الدفاعية: يشعر الآخرون بسوء الظن تجاه الشخص الذي يتخذ مواقف أو وضعيات دفاعية بكثرة أثناء تعامله أو تواصله مع الآخرين، كما أن اتخاذ المواقف الدفاعية تمنع الشخص من النظر بواقعية نحو نفسه ونحو الآخرين وتجعله غير قادرٍ على التعامل بحكمة عند انتقاد الآخرين له، ومن المعروف أن اتخاذ المواقف الدفاعية نحو موضوع معين يجعل من هذا الموضوع محرّمًا أو غير قابل للنقاش، وهذا يولّد الشكوك بنظر الآخرين ويفقدهم الثقة بالشخص.
- الفهم الكافي: لا بد من فهم الاختلافات بين وجهات النظر عند الآخرين وعدم السماح لهذه الاختلافات بأن تؤدي إلى فقدان الثقة أو سوء الظن وعدم الاتفاق على أرضية مشتركة، وهذا يتطلب الاعتراف بوجهات النظر الخاصة بالآخرين وإظهار الاحترام لهم وتقدير تميزهم وطريقة تفكيرهم.
- التواصل المباشر: يؤدي إهمال التواصل المباشر إلى فتح الباب لسوء الظن وفقدان الثقة بين الناس أو شركاء الحياة، لذا فإن من الأفضل الحرص دائمًا على التواصل مباشرة مع الناس والحديث بصراحة عن الرغبات والأماني.
علاج سوء الظن المرضي
قد تكون الخطوات السابقة مفيدة لعلاج سوء الظن عند الناس العاديين، لكن سوء الظن الناجم عن الإصابة باضطراب الشخصية البارانوية قد يحتاج إلى علاجات نفسية خاصة، وللأسف فإن معظم المصابين بسوء الظن النفسي أو المرضي يرفضون أو يمانعون الخضوع للعلاج؛ لأنهم ينظرون إلى سوء الظن على أنه شيء جيد ولا يمكنهم العيش بدونه، وعلى العموم يبقى بوسع أخصائي النفس علاج سوء الظن لدى المصابين بالبارانويا عبر الاستعانة بأساليب العلاج بالكلام أو عبر وصف بعض أنواع الأدوية؛ كمضادات الاكتئاب مثلًا،[٤]وبالإمكان شرح طرق علاج المصابين بالبارانويا بمزيدٍ من التفصيل على النحو الآتي:[٥]
- الأدوية: لم توافق إدارة الغذاء والدواء إلى هذه اللحظة على وصف أي دواء لعلاج المصابين بالشخصية البارانوية، لكن بعض الخبراء يقترحون إعطاء هؤلاء المرضى نفس الأدوية التي توصف لعلاج نوع آخر من اضطرابات الشخصية يُعرف باضطراب الشخصية الحدي؛ وذلك بسبب تشابه هذا الاضطراب مع اضطراب الشخصية البارانوية، وعلى العموم فإن خبراء النفس عادةً ما يلجؤون إلى إعطاء المصابين بالبارانويا أدوية لتخفيف التهيج والعدوانية؛ كالأدوية المحسنة للمزاج، ومضادات الاكتئاب، ومضادات الذهان، لكن للأسف فإن إحدى الدراسات عام 2017 قد وجدت بأن مفعول هذه الأدوية ليس كبيرًا عند المصابين بالبارانويا.
- العلاج النفسي: لا توجد الكثير من المعلومات أو الأدلة العلمية التي تؤكد فاعلية العلاج النفسي عند المصابين بالبارانويا، لكن الكثير من أخصائيي النفس يرون إمكانية في علاج هؤلاء المرضى عبر الاستعانة بما يُعرف بالعلاج المعرفي السلوكي، وفي الحقيقة فإن بعض الدراسات قد أكدت على إمكانية أن يكون هذا صحيحًا أيضًا، فالعلاج غالبًا ما سيهدف إلى:
- تشجيع الشخص على إظهار المزيد من الثقة نحو الآخرين.
- إرشاد الشخص نحو التوقف عن التفكير في مقدار وفاء العائلة والأصدقاء المقربين.
- منع الشخص من النظر نحو التعليقات الإيجابية على أنها رسائل تهديد مبطنة.
- تشجيع الشخص على إظهار المزيد من التسامح نحو الآخرين وعدم إظهار الكثير من العدوانية والغضب عند التعرض للمشاكل.
مضاعفات سوء الظن
ينعكس سوء الظن سلبًا على حياة الإنسان الاجتماعية، وهذا الأمر يظهر بوضوح عند المصابين بالشخصية البارانوية التي وردت مسبقًا؛ إذ يفقد هؤلاء الأفراد قدرتهم على إنشاء علاقات اجتماعية قوية بسبب حجم سوء الظن الذي يشعرون به نحو الآخرين، بل وقد يفقدون أعمالهم ومكانتهم الاجتماعية بسبب ذلك أيضًا، ومن الجدير بالذكر أن بعض المصابين بالبارانويا يصل بهم الأمر إلى رفع القضايا القانونية في المحاكم لمقاضاة الناس الآخرين لمجرد سوء الظن بهم، بل ويُمكن لبعضهم أن يسعوا إلى رفع قضايا على شركات كبيرة بسبب اعتقادهم بأن هذه الشركات تسعى لإيذائهم بطريقة أو بأخرى، وللأسف فإن مشكلة سوء الظن لدى المصابين بالبارانويا تجنح إلى المكوث معهم طيلة فترة حياتهم حتى ولو نجح هؤلاء الأفراد في الزواج أو إيجاد عمل لهم.[٦]،
وعلى أية حال، لا تُعد مشكلة سوء الظن مشكلة فردية أو مجتمعية فحسب، وإنما لسوء الظن تواجد كبير على الساحة الاقتصادية الدولية أيضًا؛ فمن المعروف أن الدول والاقتصادات الكبيرة باتت تُعاني من تذبذب واضح في الثقة فيما بينها خلال العقود الماضية نتيجة لصعود أفكار العولمة وضرورة التعامل مع الدول الأخرى لإنجاح الأهداف الاقتصادية، وفي حال كان سوء الظن هو السائد بين هذه الدول، فإن من المتوقع أن تحدث مشاكل اقتصادية في دول أو قطاعات بأكملها وفقًا لباحثين تابعيين لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.[٧]
المراجع
- ↑ Kirsten Weir (12-2013), "Something's fishy", Monitor on Psychology, Issue 11, Folder 44, Page 32. Edited.
- ↑ "Paranoid Personality Disorder", Cleveland Clinic,12-1-2017، Retrieved 9-2-2020. Edited.
- ↑ Joyce Catlett, M.A, "Trust Issues: Why Is It So Hard for Some People to Trust?"، Psychalive Organization, Retrieved 9-2-2020. Edited.
- ↑ Timothy J. Legg, PhD, CRNP (17-5-2017), "Paranoid Personality Disorder"، Healthline, Retrieved 9-2-2020. Edited.
- ↑ Timothy J. Legg, Ph.D., CRNP (13-11-2019), "What to know about paranoid personality disorder"، Medical News Today, Retrieved 9-2-2020. Edited.
- ↑ Smitha Bhandari, MD (20-5-2018), "Paranoid Personality Disorder"، Webmd, Retrieved 9-2-2020. Edited.
- ↑ Diane Coyle, "The cost of mistrust"، Organisation for Economic Co-operation and Development (OECD), Retrieved 9-2-2020. Edited.