الوقت وأهميته
ترتبط أهمية الوقت بإنجاز الإنسان وما قدمه للبشرية خلال حياته التي عاشها من جهة، وما قدمه لحياته الآخرة ونيل مرضاة رب العالمين من جهة أخرى، أما على مستوى المجتمعات أو الشعوب فالإنجاز الحضاري للإنسانية يكون بالنظر إلى التاريخ وما قدمته من ثروة في المعارف والعلوم والفكر، فمن هنا تأتي أهمية التاريخ والوقت في الإنتاج المعرفي، إذ إنّ تشكُّل المعارف والمهارات يستلزم الوقت والتدريب والإصرار، فمن أحسن استغلال وقته وأدركه قبل قضائه يعلم تمامًا أن لا قدرة للإنسان ولا لأي مخلوقٍ كان على إعادته، ويصبح المخزون المتبقي للإنسان من الوقت أقل كون الحياة منتهية بالضرورة، فأهدار الوقت في هذه الفترة الزمنية التي لها بداية ونهاية هو عبث بقوانين مسلم بها، فالإنسان لا يمتلك الوقت ليهدره في الرفاهيته فحسب، وإنما الوقت هو من يمتلكه، وبالتالي يجب على الإنسان أن يحترمه ويعطيه حقه في جميع جوانب الحياة، أما فيما يتعلق بصفات الوقت، فهو من الأمور المعنوية غير الملموسة التي يمكن تحديد صفاتها بدقة، ومن أهم صفاته سرعته، وهذا ما يلمسه الناس ويتحدثون عنه باستمرار، وهو شعورهم بمرور الوقت بسرعة تفوق تصورهم أحيانًا، فإن كان يبدو للبعض أنه يمر ببطئ إلا أنه أسرع مما يتصورون، فيسرق منهم حياتهم دون أن يشعروا، ومن صفات الوقت أنه لا يعود على الإطلاق، فجميع الأحداث التي تمر بها البشرية لا تعود بحلوها ومرها، وأخيرًا للوقت قيمة ثمينة تفوق في قيمتها المال والذهب، وهي لا تقدر بثمن، والدليل أن الإنسان لو خُيّر بدفعه جميع ما يملك ليعود شابًا بعد أن هرم على فرض أن ذلك ممكن، فالبتأكيد سيوافق على ذلك دون أي تردد.[١]
أحاديث عن أهمية الوقت
وردت عدة أحاديث نبوية صحيحة جميعها تتحدث عن الوقت وأهميته في العديد من جوانب حياة الإنسان، وفيها العبر والحكم التي يجب على الإنسان أن يتوقف عندها من باب أنها أوامر ربانية جاءت على لسان سيد الخلق والمرسلين صلى الله عليه وسلم ما هو إلا وحي يوحى، وفيما يأتي سنورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر، هي كالآتي:[٢]
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث حث فيه على عدم إهدار وقت الفراغ واغتنام هذه النعمة التي منحها الله لعباده، إذ قال: [نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ]،[٣] فالكثير من الناس في غفلة من أمرهم ولا يقدرون أهمية الوقت وما فيه من فراغ يمكن أن يحوله لإنجاز العديد من القضايا الحياتية في دنياه وآخرته، وللأسف نجد ثمة ظواهر لا سيما عند فئة الشباب ما هي إلا ترجمةً لوقت الفراغ الذي يواجهونه؛ ومنها النوم لساعات طويلة، وضياع الوقت في تصفح الإنترنت لمواضيع لا قيمة لها، إذ تُعد هذه الفئة أن وقت الفراغ عدو يجب القضاء عليه، ولكنه في الحقيقة نعمة من نعم الله علينا، فالرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه ربط الخسران والغبن بمن يهبه الله الصحة والفراغ ولم يحسن استغلالهما.
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث شريف عن سؤال الله سبحانه وتعالى للإنسان عن عمره فيما أفناه، ففي الحديث إشارة واضحة عن أهمية العمر الذي يقضيه الإنسان، والعمر ينقضي بانقضاء الوقت، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ما تُزالُ قَدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عن عُمرِه فيمَ أفناه وعن شبابِه فيما أبلَاه وعن مالِه من أين اكتسبَه وفيمَ أنفَقه وعن علمِه ماذا عَمِلَ فيه].[٤]
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث شريف عن الوقت وأهميته في مواصلة العمل بغض النظر عن النتائج المرجوة، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [إن قامتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكم فسيلةٌ فليغرِسْها]،[٥] ولهذا الحديث العظيم في معانيه ما يدعو الإنسان للعمل المتواصل دون المماطلة والتسويف، وبالتالي يتخلص الإنسان من الكسل والعجز والخمول، ويستغل الوقت بما ينفع الناس.
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث شريف عن أهمية إدارة الوقت الذي يُدرس اليوم في الجامعات، فرسولنا الحبيب قد تحدث عن ذلك قبل قرون من الزمن، إذ قال: [اغتَنِم خمسًا قبلَ خمسٍ شبابَك قبلَ هَرمِك وصحَّتَك قبلَ سَقمِك وغناكَ قبلَ فقرِك وفراغَك قبلَ شُغلِك وحياتِك قبلَ موتِكَ].[٦]
آلية اغتنام الوقت
يغتنم المسلم وقته بالعديد من الطرق والأساليب التي من شأنها مده وإشعاره بالطمأنينة وأن وقته لم يذهب سدى، وهذه الطرق هي كالآتي:[٧]
- الإكثار من ذكر الله تعالى: وهو أمر يسير في عدم إضاعة الوقت واستثماره خير الاستثمار، قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}.[٨]
- زيادة رصيد الحسنات الجارية: يمكن للمسلم أن يستثمر وقته في البحث عن مجالات كسب الحسنات، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث نبوي بين فيه سبل الحسنات: [سبعٌ يَجري للعبد أجرُهنَّ وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته][٩].
- مداومة عمل الصالحات: ثبت في السنة النبوية الشريفة أن مداومة العمل الصالح هي أحد أسباب نيل محبة الله تعالى، فقد ورد عن بعض السلف أنهم لم تفتهم التكبيرة الأولى في الصلاة منذ خمسين سنة، مما يدل على الاهتمام منقطع النظير من عدم إضاعة وقتهم.
- تجنب التسويف: وهو تأجيل الأعمال، وقد تحدث العديد من العلماء عن خطورته في حياة المسلم، فقال الإمام ابن الجوزي: "التسويف هو آفة تدمر الوقت وتقتل العمر".
إدارة الوقت
كثيرًا ما نسمع مفهوم إدارة الوقت والنظريات التي تضمن استغلاله بطريقة صحيحة، وعلى الرغم من كون البعض لا يلتفت كثيرًا إلى التخطيط والتنظيم إلا أن ذلك لا ينتقص من أهمية مثل هذه الخطوات، إذ لا يمكن العيش تبعًا لنظام حياة عبثي، لذلك سنتناول فيما يلي بعض الأمور ذات الأهمية في إدراك الوقت وضبطه لتصبح حياتنا وذواتنا أغنى وأكثر قيمة:[١٠]
- تحديد الأهداف، فليس بالضرورة كتابة الأهداف على ورقة أو تعقيد المهمة، والخطوة الأهم هي معرفة الغايات المراد تحقيقها سواء تلك التي يمكن بلوغها قريبًا أو ما يستلزم تحقيقها وقتًا أطول، وفي كلتا الحالتين يجب تحديد موعد متوقع لتحقيق الهدف.
- تحديد الأولويات، ويعتمد ذلك على تصنيف الغايات حسب أهميتها، فيُنجز الأهم أولًا ويليه الأقل أهمية.
- الابتعاد عن مصادر الإلهاء وتشتيت الانتباه.
- تحديد وقت للترفيه عن النفس وتجديد النشاط والتركيز.
المراجع
- ↑ "5 نقاط أساسية عن أهمية الوقت "، edarabia، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "وقت الفراغ واستثماره ,فنحن مسؤولون عنه أمام الله."، alifmeem، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6412.[صحيح] .
- ↑ رواه المنذري ، في الترغيب والترهيب، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 1/101 .[صحيح].
- ↑ رواه البزار ، في البحر الزخار المعروف بمسند البزار، عن أنس، الصفحة أو الرقم: 14/17. [صحيح].
- ↑ رواه البيهقي ، في شعب الإيمان، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 7/3319.[صحيح] .
- ↑ "فضائل اغتنام الوقت في القرآن الكريم والسنة النبوية "، islamway، 26-12-2016، اطّلع عليه بتاريخ 13-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 152.
- ↑ رواه ابن حبان، في المجروحين ، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2/256. [صحيح].
- ↑ "ادارة الوقت"، esofttag، اطّلع عليه بتاريخ 13-11-2019.