الغضب
ينبغي على الإنسان أن يحافظ على المشاعر الإيجابّية التي تتمتّع بها البشرية كالحب والرضا والغبطة والفرح، وأن يحاول التخلّص من المشاعر السلبيّة ما أمكن؛ لأنّها تغمر الجسد وتسيطر على الروح وتمنعها من الإنجاز والإنتاج، ويعتبر الغضب واحدًا من تلك المشاعر التي حذّر الرسول عليه السلام منها، وهو انفعال وإحساس أوليّ طبيعيّ يحدث بشكل مصاحب لعدد من التغيرات الفسيولوجية في الجسم مثل زيادة ضغط الدم وارتفاع مستوى إفراز هرمون الأدرينالين وزيادة في ضربات القلب، وغالبًا ما يكون المسبب له حدثًا خارجيًا في محيط وبيئة الإنسان، وللغضب نوعان الأول إيجابيّ وسليم يؤدّي إلى تصحيح الأفعال الخاطئة وتعديلها إلى الأفضل، والثاني والأكثر شيوعًا هو الغضب السلبيّ اللاإصلاحي الذي يضرّ بالبدن والصحّة والنفسيّة ويعود بآثار ضارة على الإنسان، وقد أبدى الفلاسفة منذ العصور الأولى اهتمامًا بهذا الشعور وكتبوا فيه تعريفات وتحذيرات، وتابع مسيرتهم الأطباء وعلماء النفس في العصر الحديث ليكشفوا المزيد من المعلومات الطبية والعلمية عنه.
حديث الرسول عن الغضب
من عظمة وكمال الدين الإسلاميّ إحاطته للنفس البشرية بكل تفاصيلها وانفعالاتها وتغيراتها المتسلسلة مع اختلاف الفترات العمرية في حياة الإنسان، من الأمور الماديّة والعقليّة إلى الأمور النفسيّة والروحيّة والمشاعر والأحاسيس، ومن ذلك تطرُّق الرسول الكريم إلى الغضب في السنّة النبوية الشريفة، إذ جاء فيما رواه ابن داوود وابن حيان عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: (إذا غضبَ أحدُكم وهو قائمٌ فلْيجلسْ، فإن ذهبَ عنه الغضبُ وإلاَّ فلْيَضْطَجِعْ) [صحيح أبي داود | خلاصة حكم المحدث: صحيح] .
شرح حديث الرسول عن الغضب
يستدعي الحديث الشريف المسلم إلى التوقّف عند العديد من الإشارات والدلائل المهمة فيه، والتي سنبينها فيما يلي على شكل نقاط:
- ينطوي الحديث الشريف على قصة مفادها أنه كان لأبي ذر الغفاري حوض، فأصبح يسقيه في يوم، فمر عليه جمع من الناس فقالوا لبعضهم: من يورد على أبي ذر ويحسب شعرات رأسه؟، فقال أحدهم: أنا، فجاء على أبي ذر ودقه (أي خربه)، وقد كان أبي ذر يتوقع ان الرجل قد حضر لمساعدته في سقي الإبل من الحوض، وكان حينها أبي ذر قائمًا فجلس ثم اضطجع، وحين سُئل عن الأمر ذكر حديث الرسول.
- في الحديث دلالة وتوجيه نبويّ على التروّي عن الغضب والكف عن التصرفات الطائشة الهوجاء التي يُقد عليها الكثير من الأشخاص من تكسير ما حولهم من أغراض أو إيذاء الآحرين.
- يعتبر الغضب آفة من آفات اللسان التي تجلب السوء للإنسان، وهذا تأكيد على القاعدة الإسلامية الكبيرة في وجوب حفظ اللسان عن كل ما يغضب الله، فقد تكون الكلمة التي ينطق بها بابًا للجنة أو بابًا إلى النار.
آثار الغضب
- يسبب تراجعًا في الصحة ويهدد الجهاز العصبي، كما أن الكثير من السكتات القلبيّة والدماغيّة والجلطات يكون سببها الغضب الشديد الذي يضغط على الأوعية الدموية.
- ينفر الآخرين من الشخص الكثير الغضب فيبتعدون عنه ولا يفضلون مصادقته لخوفهم من الاصطدام معه والتعرض لنوبة من الغضب الشديد واللوم منه.
- يعتبر الغضب سببًا في خسران الكثير من الموظفين لعملهم أو فرص جديد أو مشروعات، فالغضب يجرد الإنسان من المرونة في التعامل ويشتت التركيز.
- يضعف الغضب من المقدرة على التفكير بشكل سليم، مما يسبب الوقوع في القرارت الخاطئة أو قول الكلمات الجارحة للآخرين التي تسبّب الندم اللاحق ولكن بعد فوات الأوان.
علاج الغضب
- التغذية الصحية تساعد على منح الدماغ حاجته من الفيتامينات والمعادن والمواد التي تصفّي التركيز وتسيطر على انفعالات الجسم في الوقت الصحيح.
- ممارسة الرياضة وخاصة الرياضات الذهنيّة كاليوغا والتأمل التي تفرّغ الشحنات السلبية وتساعد على صفاء الذهن.
- التفكير قبل التحدث ولو لبضعة ثواني دون الخوف من رأي الآخرين في ذلك التأخير، لأن الثواني البسيطة تلك ستمنح الشخص فرصة أكبر للاتزان وتجنب الانفعال.
- الحرص على أخذ وقت خاص للاستجمام والاسترخاء من فترة إلى أخرى بهدف إراحة الأعصاب والتخلّص عن الضغط اليوميّ للعمل والأعباء المنزلية.
- الحرص على الحصول على وقت كافي ووافر من النوم المريح، فالنوم يحسن من كفاءة الدماغ والقلب والأعصاب وكافة أعضاء الجسم، وذلك ينعكس على مزاج الشخص العام.
- ممارسة تمارين التنفس العميق بشكل يومي، وذلك بأخذ نفس شهيق بأريحية ثم الزفير، ويفضل فعل ذلك في ساعات الصباح الباكر في الهواء العليل والجو اللطيف.
- تعويد النفس على التفكير بإيجابية والنظر للحياة بنظرة معتدلة، وألا يُحمل الإنسان الإخفاقات والفشل أكثر من طاقته وإنما أن يحاول تصحيح الأمور دون انفعال وغضب.