ليلة القدر
القدر لغةً تعني القيمة والشّرف والمكانة العظيمة، وقد سُمّيت ليلة القدر الواقعة في العشر الأواخر من رمضان بهذا الاسم لما لها من قيمةٍ كبيرةٍ تختص بها وتميّزها عن بقية ليالي رمضان، ففيها أخذ الأمين جبريل عليه السّلام بأمرٍ من الله القرآن الكريم دفعةً واحدةً من اللّوح المحفوظ إلى مكان يُدعى بيت العزّة في السّماء الدّنيا وحُفِظ فيه، وبعدها كان يأخذه متفرّقًا وينزل به على النّبي صلّى الله عليه وسلّم بأمر ربّ العزّة حسب الأحداث والأسباب. وكانت أولى الآيات التي نزلت على سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم في غار حراء في تلك اللّيلة ما زاد من قدرها وتشريفها، وسمّيت بليلة القدر لهذا السّبب، وأيضًا لأنّ فيها تُقدّر آجال وأرزاق العباد وكل ما هو كائن في السّنة القّادمة، فيُحدّد فيها الشّقي من السّعيد، والهالك من النّاجي، والعزيز من الذّليل، والقحط والرّخاء، وقيل أيضًا في سبب تسميتها بليلة القدر لما للعبادة فيها من عظيم الشّأن، فهي تعدل عبادة ألف شهر، ودليل ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: [من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه][١].[٢]
علامات ليلة القدر
يتحرّى المسلم ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في اللّيالي المفردة منها، وهو القول الأرجح، وقد أخبر الشّرع ببعض العلامات المميّزة لهذه اللّيلة العظيمة كي يستغلّها الرّاغب بنيل فضائلها وأجر العبادة فيها أفضل استغلال، وبعض هذه العلامات تحدث في نفس ليلة القدر ليستطيع المسلم التعرّف عليها، والبعض الآخر يكون بعد انقضائها، والتي تكون بمثابة المبشر لمن عمل الصالحات والمحسَر لمن أفرط في هذه الليلة وضيعها،[٣] ومن العلامات التي تحدث في ليلة القدر كما صنفها ابن عثيمين ما يأتي:
- قوة النور في تلك الليلة، وهذه العلامة لا يمكن لأحد الإحساس بها إلا من كان في ظلمة البرّ بعيدًا عن الأنوار.
- طمأنينة القلب وانشراح الصدر لدى المؤمن، إذ إنه يجد راحة في تلك الليلة أكثر مما يجده في ليالٍ أخرى.
- سكون الرياح، فلا تأتي فيها عواصف أو قواصف، بل يكون الجو لطيفًا.
- قد يُري الله تعالى للإنسان الصالح تلك الليلة في منامه، كما حدث مع بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
- شعور الإنسان بلذة في قيامها أكثر من غيرها من الليالي.
أما من العلامات اللاحقة لليلة القدر فهي طلوع الشمس صافية بلا شعاع ليست كعادتها من الأيام، كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب الذي رواه عنه يقول: [مَن قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ القَدْرِ، فَقالَ أُبَيٌّ: وَاللَّهِ الذي لا إلَهَ إلَّا هُوَ، إنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ ما يَسْتَثْنِي، وَوَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هي، هي اللَّيْلَةُ الَّتي أَمَرَنَا بهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بقِيَامِهَا، هي لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ في صَبِيحَةِ يَومِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا][٤]، أمّا ما يتداوله بعض العامّة من النّاس من أنّ ليلة القدر لا يُسمع فيها نباح الكلاب وأنّ سطح المجاري المائيّة يكون ساكن فهي غير صحيحة، إذ لا دليل شرعي عليهما، أمّا سكون سطح الماء لصفاء ليلة القدر وانعدام الرّياح فيها فمن الممكن.[٥]
فضائل ليلة القدر
إن لليلة القدر الكثير من الفضائل التي تميّزها عن غيرها من بقية الأيّام سواء في رمضان أو غيره، ومن هذه الفضائل نذكر ما يلي:[٦]
- فيها أُنزل القرآن الكريم جملةً ومفرّقًا، لقوله تعالى في سورة القدر: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[٧].
- فيها تُقدّر مقادير الخلائق، وكل ما سيكون في المستقبل الذي يقع في علم الغيب الذي لا يعلمه إلاّ الله، فالاجتهاد في العبادة في هذه اللّيلة العظيمة يغيّر المصائر، وقد يتحوّل فيها المسلم من شقيّ إلى سعيد، ومن ذليل إلى عزيز أو العكس، فكل شي يتوقّف على استغلال هذه اللّيلة بالتهجّد، والعبادة، وإخلاص النيّة لله سبحانه وتعالى، وطلب رضاه ومغفرته بقلب خاشع، تُصدّقه الجوارح، بعيدًا عن الرّياء والنّفاق، ودليل ذلك قوله تعالى في سورة الدّخان: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}[٨].
- فيها تتنزّل الرّحمات والبركات على جميع الخلائق، فهي ليلة باركها الله سبحانه وتعالى، لقوله جلّ وعلا في سورة الدّخان: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}[٩].
- فيها تتضاعف الحسنات، إذ أخبر ربّ العزّة أنّ العبادة فيها تعادل أجر عبادة ألف شهر، بل هي خيرٌ منها، والألف شهر تعادل 83 سنة و4 أشهر؛ فشقيّ من يضيع مثل هذا الأجر، ومحروم من الخير الكثير، فعلى المسلم أن يستغل هذه اللّيلة أيّما استغلال، ودليل ذلك من القرآن الكريم في سورة القدر: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[١٠].
- فيها تتزّل الملائكة بمعيّة الأمين على جبريل عليه السّلام، فيكون المسلم في معيّة الملائكة وحفظهم، وما لهذه المعيّة من بركة وخير ورحمات كثيرة، ودليل ذلك من القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى في سورة القدر: {تنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}[١١]، والمقصود بالرّوح هنا هو جبريل عليه السّلام حامل رسالات ربّ العزّة لأنبيائه والأمين عليها، فهنيئًا لمن كان في معيّته وحفظة.
- فيها يعم السّلام على الأرض ومن فيها من خلائق، ويستشعرها المسلم بالسّكينة والطّمأنينة التي تتزّل عليه، وفيها يُفتح باب العتق من النّار، والسّلامة من العذاب، لما قاله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[١٢].
دعاء ليلة القدر
إن إحياء ليلة القدر يكون بالتهجّد فيها بالصّلاة والذّكر وتلاوة القرآن والدّعاء، وأفضلها جميعًا الدّعاء، فكثرة الدّعاء في هذه اللّيلة أفضل من كثرة الصّلاة، ففي الدّعاء مناجاة لله سبحانه وتعالى وطلب مسألة وتذلّل لنيل الرّحمة والمغفرة وتجنّب العذاب، وأفضل الدّعاء ما جاء في الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها بأنها: [سألَتْهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عائشةُ رضي الله عنها إنْ وافقتُها فبِمَ أدعو؟ قال قولي اللهمَّ إنك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني][١٣]، وأكمل العبادات في الجمع بين أنواع التهجّد المختلفة، فقد كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يجتهد في الصّلاة في العشر الأواخر من رمضان لتحرّي ليلة القدر، ويقرأ فيها القرآن قراءة مرتّلة حسنة، فإذا مرّ على آية فيها رحمة سأل الله منها، وإن مرّ على آية فيها عذاب استعاذ بالله منه، فكان يجمع عليه الصّلاة والسّلام ما بين الدّعاء، والصّلاة، وتلاوة القرآن، والتدبّر والتفكّر بآياته.[١٤]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1901 ، صحيح.
- ↑ "ليلة القدر"، marefa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-3. بتصرّف.
- ↑ "العلامات المميزة لليلة القدر"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 2020-3-5. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم: 762، صحيح.
- ↑ "شرح كتاب الصيام من زاد المستقنع"، islamport، اطّلع عليه بتاريخ 2020-3-5. بتصرّف.
- ↑ "ليلةُ القَدرِ"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 2020-3-5. بتصرّف.
- ↑ سورة القدر، آية: 1.
- ↑ سورة الدخان، آية: 5-4.
- ↑ سورة الدخان ، آية: 3.
- ↑ سورة القدر ، آية: 3.
- ↑ سورة القدر، آية: 4.
- ↑ سورة القدر، آية: 5.
- ↑ رواه ابن القيم، في أعلام الموقعين، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4/249، صحيح.
- ↑ "العمل الأفضل في ليلة القدر، ومنزلة الدعاء فيها"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 2020-3-5. بتصرّف.