محتويات
لقمان الحكيم
لقمان الرجل العابد الزاهد الذي عرف بحكمته البالغة التي وهبها الله تعالى له، وأقواله ووصاياه المأثورة؛ فرفعته حكمته هذه حتى وضعته في مجالس الحكماء والملوك بعد أن كان مملوكًا، فغدا يسمى بلقمان الحكيم، وحملت سورة من سور القرآن الكريم اسمه وهي سورة لقمان التي سردت مقطتفات من وصايا ومواعظ لقمان الحكيم في فن الحوار والتربية والحياة، إذ تُعد هذه الوصايا والحكم التي جاءت في القرآن الكريم على لسان لقمان الحكيم من أروع المواعظ والعبر للمسلمين والناس كافة؛ كونها تأتي في مكانها المناسب لها[١].
نسب لقمان الحكيم وحكمته
نسبه وحياته
هو لقمان بن ياعور من أسوان بمصر، ولد في قرية نوبة الحبشي، التي يتمتع أهلها بالبشرة السوداء، والشعر المجعد، والأقدام الخشنة، ورد في الروايات أن لقمان الحكيم هو ابن أخت نبي الله أيوب عليه السلام، أو ابن خالته، قيل أن لقمان الحكيم كان خياطًا، وقال آخرون أنه كان يمتهن مهنة النجارة، وقيل أنه كان راعيًا بسيطًا، عاصر لقمان النبي داوود عليه السلام قبل نبوّته، وأخذ منه العلم، ووهبه الله الحكمة، فعرف بحكمته وزهده وعبادته لله وحده، ثم خيره الله تعالى في أن يجعله خليفة في الأرض قبل أن يأخذها داوود عليه السلام، فاختار لقمان الحكمة على الخلافة، فصار لقمان حكيمًا وليًا ولم يكن نبيًا، ذكره الله تعالى في محكم كتابه وأثنى عليه، وروى عنه كلامه ومواعظه لابنه؛ وكان أول ما وعظ به لقمان الحكيم ولده هو ما جاء في قوله تعالى: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، أما عن مكان قبره فقد تعددت الروايات في مكان وجوده؛ إذ يقال أنه يقع في مدينة بيت لحم في المغارة التي ولد فيها عيسى عليه السلام، ويوجد شرق بحيرة طبريا في فلسطين قبر للقمان الحكيم وابنه، وفي بلاد اليمن يوجد قبر للقمان الحكيم، وقيل أيضًا أن له قبرًا في منطقة غامد من قبيلة بلجرشي الموجودة في قرية غيلان[١].
حكمته
قيل في حكمته أن أول ما ظهر منها حين كان برفقة مولاه، فدخل مولاه الخلاء وأطال المكوث فيه، فنادى لقمان الحكيم مولاه قائلًا: إن طول الجلوس على الحاجة تنجع منه الكبد، ويورث الباسور، ويصعد الحرارة إلى الرأس، فاقعد هوينًا وقم، فخرج مولاه وكتب هذه الكلمات على باب الخلاء لتكون حكمة نافعة، وقيل أن مولاه كان يقامر، وفي أحد الأيام قامر على أن من قامر صاحبه أن يشرب من ماء النهر الذي أمام منزل سيد لقمان، فخسر سيد لقمان القمار وكان عليه أن يشرب ماء النهر وإلا فإن عليه الفداء، فأضحى سيد لقمان مغتمًا مهمومًا لا يرى له مخرجًا مما هو فيه، إذ أقبل عليه لقمان وسأله ما به، فأعرض عنه مولاه ولم يكترث له كالسابق، فكرر لقمان الحكيم السؤال على مولاه ثلاثًا؛ حتى أخبره مولاه بما حصل معه في لعبة النرد وما قامر عليه، فقال لقمان الحكيم لمولاه: لا تغتم فلك عندي فرجًا، إن أتاك الرجل وقال لك اشرب ماء النهر؛ فرد عليه: أشرب ما بين ضفتي النهر أم المد، فإن قال لك ما بين الضفتين، فقل له: أمسك عني المد كي أشرب ما بين الضفتين، وهو لن يتمكن أبدًا من أن يحبس ماء المد؛ لذا تكون قد خرجت من الضمان، فعرف سيد لقمان حكمة لقمان وصدق حديثه وأعتقه ورضي عنه[١].
وصايا لقمان الحكيم لابنه
ذكر القرآن الكريم وصايا لقمان الحكيم لابنه لما تحويه من عظة بالغة وقيمة عالية؛ لتكون نهجًا ودستورًا للآباء في التربية والتعليم للأجيال الناشئة، ومن أهم وصاياه ما يأتي[٢]:
- أوصى لقمان الحكيم ابنه بكثرة الاستغفار ولزوم قول "رب اغفر لي"؛ علّه يصادف ساعة استجابة، فإن لله ساعة لا يرد فيها داعيًا.
- أوصاه أن يحرص على حضور مجالس العلماء؛ ففيها حياة للقلوب الغافلة؛ كما يحيي الله الأرض الميتة بماء السماء.
- حدث لقمان الحكيم ابنه عن الآخرة، وحذره من الركون للدنيا فهي دار فانية، بينما الآخرة هي الدار الباقية التي هي أقرب للإنسان من دنياه؛ فكل يوم يمر يدني المرء من آخرته، ويبعده عن دنياه.
- حذر لقمان الحكيم ابنه من تأخير التوبة؛ فالموت يأتي بلا موعد، وأوصاه أن يتقي الله تعالى ويخشاه في السر والعلن.
- أوصى لقمان ابنه بعدم اللجوء للكذب أبدًا، وأن يتحرى الصدق في أقواله وأفعاله، وأن لا يأكل حتى يشبع.
- حثه على الجهاد؛ فهو قمة الإسلام والانصياع لله تعالى، وأن تكون تجارته مع الله هي التقوى؛ فإنها نعم التجارة الرابحة.
- أمره أن يغالب الشيطان من أي باب أتاه، فيغلبه باليقين إن جاءه من باب الشك والريبة، ويغلبه بالقبر واليوم الحساب إن جاءه من باب السآمة، وفي حال جاءه الشيطان من باب الرغبة والرهبة؛ يخبره أن الدنيا متاع متروك زائل.
دروس وحكم من سورة لقمان
سورة لقمان تزخر بالحكم والمواعظ والدروس في التربية والصلاح والحكمة والهداية التي قيلت على لسان لقمان الحكيم، ففيها يجد القارئ حوارًا راقيًا بين الأب والابن يحمل درسًا في فن الحوار والتربية في آن واحد، إذ قدمت السورة درسًا عظيمًا في التربية وضرورة أن يعظ الوالد أولاده ويعلمهم وينصحهم ويرشدهم طريق الحق، بأسلوب تربوي فعال؛ مثل استخدام تعابير محببة للأبناء؛ فكان لقمان يخاطب ابنه قائلًا له "يا بني" قبل كل نصح أو توجيه؛ ليجذب سمعه وقلبه لما بعد هذا النداء اللطيف، إضافة إلى توضيح الدوافع والأسباب من وراء هذا النصح والإرشاد وأن لا تُفرض النصائح والنواهي فرضًا على الأبناء، وإنما يرافقها توضيح للسبب والغاية منها احترامًا لعقول الأبناء، فالتربية ليست مجرد أوامر مفروضة، بل هي أسلوب يحمل الكثير من المحبة والتعاون والتفاهم بين الأبناء والآباء[٣].
المراجع
- ^ أ ب ت "لقمان الحكيم"، معرفة، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2019. بتصرّف.
- ↑ "قصة لقمان الحكيم مع ابنه"، قصص، 22-10-2017، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2019. بتصرّف.
- ↑ "الدروس المستفادة من سورة لقمان في تربية النشئ"، محتوى، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2019. بتصرّف.