محتويات
الإدراك
يعرف الإدراك بأنه عملية نفسية معقدة تتضمن العديد من العوامل والخطوات التي تقود صاحبها إلى استقبال المعلومات وتحليلها وفهمها بطرق مختلفة ومتفاوتة في الكفاءة، وبالتالي يمكن تفسير ردود الفعل المتنوعة من خلال هذه العملية الإدراكية لدى كل فرد على حدة، وقد اهتم علماء النفس في موضوع الإدراك وكانت لهم حياله اتجاهات مختلفة، فبعضهم ذهب إلى أنها عوامل ذاتية واكتفى بذلك، ومنهم من ذهب إلى أنها عوامل موضوعية واكتفى بذلك، ومنهم من ارتأى الجمع بين العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية بحكم الأثر المتبادل بين الذات المدركة والموضوع المدرك، إذ إن كلًا منها يكمل بعضها بعضًا، إلا أن الغالبية أجمعت على أن الإدراك هو مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي تتكاتف في هذه العملية من خلال الاختيار ثم الترتيب والتحليل أخيرًا.
والصواب الجمع بين الرؤيتين، فلا يكفي في الإدراك الاقتصار على العوامل الذاتية، وكذلك لا تكفي العوامل الموضوعية، وهذا ما ذهبت إليه المدرسة الظواهرية، إذ إن التأثر المتبادل متحقق في العلاقة بين الذات المدركة والموضوع المدرك.[١]
العوامل المؤثرة في الإدراك
عوامل الإدراك الداخلية
تقسم العوامل المتعلقة بالإدراك كما ذكرنا إلى عوامل ذاتية شخصية وعوامل موضوعية خارجية، وفيما يأتي العوامل الذاتية التي تُعنى بالذات المدركة وتتأثر بشدة بطبيعة شخصيته ونظرته العامة إلى الحياة، وهي:[٢][١]
- التجارب والخبرات السابقة والذاكرة: فالتجارب التي تمر بالإنسان تكسبه خبرات عديدة، يسهل عليه تذكرها وإدراكها، فليس من مر بتلك التجارب وعرف طبيعتها وسبيل التعامل معها من حيث إدراكها، كمن يتعرض للحدث أو القضية للمرة الأولى، فمن رأى معلومات مرتبطة بالعلوم الحياتية على سبورة الصف، أدرك لأي مساق تعود، بينما من قرأها للوهلة الأولى لن يدرك في أي مساق يصنفها.
- الرغبة والميول: فما كان أقرب إلى ميل الشخص وتخصصه ورغبته كان أقرب لإدراكه وفق ما يتناسب مع ما سبق ذكره، فإذا رأى أحدهم سلسلة من الخيوط فإذا كان فنانًا يلفته منها ألوانها وتناسقها، وإذا كانت امرأة تحيك الصوف يلفتها نوعها ولونها وطرق استغلالها، وهكذا، كما يمكن إعادة توجيه الإدراك من خلال تغير الميول والرغبة وفق الخبرات السابقة، فعلى سبيل المثال نرى موظفًا تلقى إنذارًا حول تأخره المستمر فسيميل تفكيره إلى وقت حضور زملائه والمقارنة بين نفسه وبينهم دون وعي منه.
- الشعور والحالة النفسية: فشعور الإنسان وحالته النفسية يؤثران على إدراكه للشيء، فإذا كان المرء حزينًا ظهرت الأمور له بألوان باهتة، بخلاف لو كان سعيدًا، فقد يرى الكل مبتهجًا، وذلك حسب حالته النفسية وشعوره الداخلي، فعلى سبيل المثال، نرى حكم شخص ما مائلًا إلى السلبية والرفض في حال كدره ومائلًا إلى الإيجابية والتفاؤل في حال سعادته وهكذا عند التفكير في مسألة معينة فإننا لا نرى منها إلا السوء في حال الحزن ولا نرى منها إلا الجميل في حال الرضا.
- العاطفة: فعاطفة الإنسان قد تجره إلى إدراك أمور بشكل خاطئ أحيانًا، فينظر للأمور بعين الرضا وعين السخط، وقد قال الشافعي: وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ*** وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا، فمحبة الإنسان الزائدة ستدفعه للعمى عن أمور ربما تكون ظاهرة لغيره، وكذلك العكس، وقد قيل: حبّك الشيء يعمي ويصم، فقد يرى الحبيب من محبوبته ملاكًا؛ ثم بعد أن يظفر بها يظهر له خلاف ذلك، وكذلك الأم قد ترى بعاطفة الأمومة الفياضة لديها بأبنائها ما هو متحقق بهم وما هو ليس فيهم.
- تأثير الهالة: إن طريقة عمل العقل البشري معقدة وتميل إلى التعميم في الكثير من الأحيان، لذا فإننا نتبع الهالة الفرضية التي يرسمها الدماغ حول الموضوع المطروح في أغلب الأحيان، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون شخص ما محترفًا في مهنته كطبيب ليقوم آخر بترقيته إلى منصب إداري ويدهش بعد ذلك بعدم إتقانه للإدارة، ويعزى ذلك إلى تعميم مهارته في الطب إلى كافة مهاراته الأخرى، أي في الإدارة مثلًا.
- العادة والوراثة: فما يعتاد عليه الإنسان قد يساهم في إدراكه للأمور، كتعويد الاطفال على الأكل باليمين، والكتابة باليمين، والتركيز على التيامن في الأمور، يجعلهم يدركون أن عليهم أن يستخدموا اليد اليمنى في تحقيق رغباتهم؛ وذلك للتقريب على سبيل المثال، وتدخل العوامل الوراثية في تحديد الإدراك، فقد يتمتع شخص قوي البنية بنظرة مختلفة اتجاه خطر يمثل أمامه على عكس شخص ضئيل الجسم.
عوامل الإدراك الخارجية
توجد بعض العوامل الخارجية المتعلقة بالموضوع المطروح أو الهيئة المادية لموضوع الاختيار، وتعني العوامل المختصة بصفات الموضوع المدرك، ومن هذه العوامل ما يأتي:[١]
- قانون التقارب: فإذا تقارب الزمان وتقارب المكان، كان ذلك أقرب للذاكرة وأيسر للترتيب والتنظيم، وبالتالي بات إدراك الأمور أسهل مما لو تباعدت.
- قانون التشابه: فما تشابه من العناصر في حجمه ولونه وشكله ورائحته كان أدعى إلى إدراكه والإحاطة به.
- قانون الاتصال: العناصر المتصلة التي تربط بينها علاقة تعين في إدراكها أكثر من تلك الأمور التي لا علاقة تربط بينها لتشكل في النهاية نمطًا متسقًا.
- قانون الشمول: وذلك في حال وجود روابط مشتركة جامعة بين الجزئيات تعين على إجمالها لتصبح وحدة واحدة شاملة متكاملة، إلا أن هذه الآلية تعرض المرء للخطأ في الإدراك نتيجة لتعبئة الفراغات بمعلومات خاطئة أو غير مدركة من الأساس.
- قانون الغلق: يتمثل بالبحث عما يسد الثغرات في القضايا المراد إدراكها.
- قانون البروز: فالتعابير البارزة والصور البارزة أقرب إلى الإدراك من سواها مما هو غير بارز.
- قانون الانتظام: وذلك بأن تنتظم الجزئيات حتى تشكل بمجموعها كلًا واحدًا؛ فتُدرك من خلال ذلك الأمور ويدخل في ذلك التكرار الذي يصقل الإدراك.
- قانون الاستمرار الجيد: كلحظات السعادة والمرح، فإنها تبقى مستمرة في حمل صفتها الحسنة الجيدة كلما تذكرها الشخص.
المدرسة الظواهرية والإدراك
توجد العديد من المدارس النفسية التي تفسر الإدراك بطرق مختلفة، ومنها مدرسة غيشتالت والمدرسة التجريبية والظواهرية على وجه التحديد، إذ تحلل وتفسر الظواهر النفسية، أما النظرية الظواهرية، فهي تصف الشعور كما نعيشه؛ إذ يرى الظواهريون أن الإدراك هو ما يعطي المعنى الحقيقي للعالم، إلا أنه لا يمكن خلق المعنى نتيجة للإدراك، والحقيقة عند الظواهريين أن الإدراك شعور ذاتي أما الشيء المدرك فهو خارجي عنا، فلا يمكن تفسير الأول بالثاني أو فصله عنه في الوقت ذاته ويرى الظواهريون أن الإدراك مكون من نظام فردي من الأحاسيس النزوعية والقصدية، ووعي واتصال بالعالم الخارجي؛ فلا وجود لإحساس خالٍ من المعنى، أي لا وجود لإحساس خالص وأن الإحساس رد فعل تعبيري ناتج عن الوعي.
لقد دلت تجارب نظرية التحليل النفسي أن كثيرًا من الإدراكات تابعة لتأثير عوامل لا نعيها، أي عوامل لا شعورية، غير أن ما يؤاخذ على الفلسفة الظواهرية؛ هو كونها لا تعترف بوجود الحالات اللاشعورية ما دامت تعدّ الشعور هو دائمًا وعي، وعليه تتداخل في الإدراك عوامل ذاتية سواء كانت شعورية أو لا شعورية وعوامل موضوعية تخص الموضوعات المدركة، ويمكن تلخيص النظرية الظواهرية في فكرتين أساسيتين؛ هما أنه لا يوجد فرق بين الإحساس والإدراك ما دام الإحساس وعيًا بالأشياء؛ والإدراك حالة شعورية بالعالم الخارجي، وبالتالي فهو يتأثر بعوامل ذاتية وموضوعية في الوقت ذاته.[٣]
اعتلال الإدراك
قد تطرأ على الإدراك بعض العوامل التي قد تؤدي إلى الإخلال به والتقليل من مصداقيته، وتظهر هذه الأنماط الخاطئة في الإدراك لدى الأشخاص ذوي المناصب العليا والمسؤولية العالية أكثر من غيرهم، إذ إنهم ميالون إلى استباق الأحداث ومحاولة تفادي المشكلات من خلال التصرف العشوائي المستند على الخبرة السابقة لا على الواقع الحالي، ومن هذه العوامل ما يأتي:[١]
- الانحياز التأكيدي: أي تحوير المعطيات الجديدة والأفكار غير المسبوقة حتى تتناسب مع المعتقدات الذاتية والتفضيلات الشخصية وبالتالي إفقاد الموضوع مصداقيته وواقعيته والتسبب بأخطاء في اتخاذ القرارات.
- الانحياز نحو الذات: يميل المرء إلى أخذ الفضل من النجاحات وتجنب اللوم من الفشل، مما يؤدي إلى انتقال اللوم من شخص إلى آخر في حلقة مفرغة.
- الانحياز إلى المعتقدات: وينطوي على اتخاذ قرارات مبنية على المعتقدات الشخصية والآراء الخاصة دون التمعن في المعطيات الجديدة.
- التأطير: ويكون ذلك من خلال حصر المعلومات ضمن النطاق الذي يجعلها صحيحة ومقبولة وفق التفضيلات الشخصية دون النظر إلى الصورة الكاملة بموضوعية.
- العلاقة السببية: يلجأ العديدون إلى إنشاء علاقة سببية ونمطية بين الخبرات السابقة والمستقبل والتصرف وفقًا لتلك التوقعات، بينما قد تكون هذه العلاقات بعيدة عن الواقع في الكثير من الأحيان.
إستراتيجيات تحسين الإدراك
توجد بعض الخطوات التي يمكن اتباعها لتحسين مستوى الإدراك لدى الفرد، منها:[٤]
- المعرفة الذاتية العميقة بالأهداف والمبادئ والأنماط الشخصية.
- التعاطف مع الآخرين ومحاولة فهم المعطيات المحيطة بهم للحكم عليها بشكل أفضل.
- السلوك الإيجابي الذي يلغي التحيز والسلبية من الصورة.
- تجنب الحكم المسبق وانتظار الاطلاع على كافة المعطيات قبل تكوين الرأي الأولي.
- التواصل بفعالية ومحاولة فهم كافة المعلومات المحيطة بالموضوع دون تشويش أو غموض.
- مقارنة الإدراك الذاتي مع إدراك الآخرين للاطلاع على نقاط الضعف أو اكتشاف نقاط التحيز المحتملة.
المراجع
- ^ أ ب ت ث "Individual Perceptions and Behavior", lumenlearning, Retrieved 2-11-2019. Edited.
- ↑ "FACTORS INFLUENCING PERCEPTION (PERCEPTION PROCESS)", wisdomjobs, Retrieved 2-11-2019. Edited.
- ↑ "Merleau-Ponty’s Phenomenology of Perception", angelfire, Retrieved 2-11-2019. Edited.
- ↑ "Strategies for Improving Perceptual Skills: 7 Strategies", yourarticlelibrary, Retrieved 2-11-2019. Edited.