الصحابي ابو الدرداء

قراءة سير الصالحين

يحتاج المسلم للقدوة الحسنة التي يراها من خلال تاريخه الإسلامي العظيم، وخير قدوة للمسلم هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين، فإن قراءة السيرة النبوية وسير الصحابة والاطلاع عليها تبعث في النفس الأمل والقوة وتدعوها للثبات على نهجهم وأخلاقهم، والاستفادة من علومهم وتجاربهم، وتنمي العقل وتهذب النفس، فالقارئ للتاريخ يجد فيه ضالته، فأحداثه متشابه، وصوره متكررة، فيمكنه أخذ العبرة والحكمة من مواقف السابقين وتجاربهم، كي يكون للحق أقرب وعن الخطأ أبعد وأسلم، لا سيما قراءة سير من ساروا على النهج القويم، رجال الصف الأول خلف رسول الله عليه السلام، هم صحابته رضوان الله عليهم، الذين عرفوا بالإيمان والصدق والزهد، وحب الله ورسوله حبًا جما؛ ومنهم الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه، الذي سيتطرق هذا المقال لأهم جوانب سيرته العطرة.[١]


نشأة أبو الدرداء رضي الله عنه

هو أبو الدرداء عُويمر بن عامرٍ الأنصاريُّ من بني كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، ولد في مدينة يثرب، وكان أبو الدرداء من كبار تجار المدينة، وكان له صنم واحد يعبده، ويوم بدر كان هو اليوم الذي أسلم فيه أبو الدرداء، وهو آخر من دخل للإسلام من الأنصار، وبعد إسلامه أصبح من أهم رواة الحديث النبوي، وفقيه وقاضٍ وحافظ وقارئ للقرآن الكريم، لُقّب أبو الدرداء بحكيم هذه الأمَّة، وقد قال عن نفسه أنه ترك التجارة بعد إسلامه لأنه رأى أنهما لا تجتمعان معًا، فترك التجارة وأقبل على العبادة.[٢]


قصة إسلام ابو الدرداء الأنصاري

كان أبو الدرداء آخر من أسلم من أهله، وآخر من أسلم من الأنصار، أسلم يوم بدر، إذ دخل عليه أخيه من أمه وهو عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة، وكسروا الصنم الذي كان أبو الدرداء يعبده، فأخذ أبو الدرداء يجمع حطام الصنم وهو يقول: (ويحك هل امتنعت، هل دافعت عن نفسك)، فردت عليه زوجه وقالت: لو كان يدفع أو ينفع لنفع نفسه ودافع عنها، فكأن كلامها وقع على قلب أبو الدرداء قبل أن يقع على مسامعه، فقام على الفور واغتسل وارتدى حلته، ومن ثم ذهب إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فلما رآه ابن رواحة مقبلًا من بعيد قال لرسول الله أن أبى الدرداء قد أقبل في طلبنا، ولكن الرسول عليه السلام كان قد وعده الله تعالى بإسلام أبي الدرداء، فأسلم أبو الدرداء وآخى الرسول عليه السلام بينه وبين سلمان الفارسي.[٢]


حياة أبي الدرداء الأنصاري بعد إسلامه

أسلم أبو الدرداء رضي الله عنه وحسن إسلامه، فلازم الرسول عليه السلام وكان من كتاب الوحي، وروى الأحاديث النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عائشة بنت أبي بكر، وعن زيد بن ثابت، وحفظ القرآن الكريم في حياة النبي عليه السلام، وعرضه عليه، وكان أبو الدرداء من الصحابة الأربعة الذين جمعوا القرآن الكريم في الصدور في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت؛ وأبو زيد، شارك أبو الدرداء في غزوة أحد وما تلاها من غزوات النبي عليه السلام، وحظي أبو الدرداء بلقب حكيم الأمة الذي أطلقه عليه النبي عليه السلام، وفي زمن الفتوحات الإسلامية أرسله عمر بن الخطاب إلى الشام؛ ليعلم الناس هناك القرآن والفقه، فكان أول من سن حلقات تحفيظ القرآن، وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان تولى القضاء في دمشق، وكان أول قاضٍ فيها.[٣]


أبو الدرداء حكيم الأمة

فيما يأتي بعض المعلومات عن أبي الدرداء حكيم الأمة:[١]

  • عبادته: كان أبو الدرداء عابدًا زاهدًا راغبًا في الآخرة، ومن ما روي عنه أنه وبعد أن آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي، وقد زاره سلمان الفارسي رضي الله عنه في بيته، فرأى أم الدرداء متبدلة؛ فسألها عن حالها، فقالت له أن أخاه أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فقد زهد فيها وتركها، وعند عودة أبي الدرداء للبيت وجد أخيه سلمان فصنع له طعامًا ليأكل، ولكن سلمان رفض أن يأكل من الطعام حتى يشاركه فيه أبو الدرداء الذي كان صائمًا، وفي الليل قام أبو الدرداء ليصلي قيام الليل كعادته، فقال له سلمان نم، وكان كلما أراد أبو الدرداء أن يقوم ليصلي يقول له سلمان رضي الله عنه نم، ولما كان آخر الليل قال له سلمان قم الآن، وجاء في الصحيح :(فقالَ له سَلْمانُ: إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرَ ذلكَ له، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: صَدَقَ سَلْمانُ) [رواه عون بن أبي جُحَيفة عن أبيه| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وعرف عنه أيضًا أنه كان لا يفتر عن الذكر والتسبيح والاستغفار.
  • علمه وحكمته: كان الناس يتزاحمون عليه للنهل من علمه الواسع كما يتزاحمون على أبواب السلاطين، فكان عالمًا بالفقه والأحكام الشرعية، حافظًا للقرآن والحديث، قال عنه القاسمُ بن عبدالرَّحمن: كان أبو الدَّرْداء منَ الذين أوتوا العلم، وقال أبو ذرٍّ لأبي الدَّرْداء: "ما حَمَلَتْ وَرْقاء، ولا أظلَّتْ خضراء أعلم منكَ يا أبا الدَّرْداء"، فكان رضي الله عنه يعلم الناس ويقرئهم، وكان يعمل بعلمه، فما علم أمرًا إلا عمل به، وكان رضي الله عنه معروفًا بالحكمة ورجاحة العقل، فقال عنه ابن عمر رضيَ الله عنهما: "حدِّثونا عن العاقلَيْن؛ معاذٍ وأبي الدَّرْداء"، فكان دائم التفكر والاعتبار، وهو القائل:" تفكر ساعة خير من قيام ليلة"، ومن أبرز القصص الدالة على حكمته رضي الله عنه، أنه مر يومًا برجل قد أذنب ذنبًا والناس يسبوه ويقذفوه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قَلِيبٍ؛ ألم تكونوا مُسْتَخْرِجِيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبُّوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، قالوا: أفلا نُبْغِضُه؟ قال: إنما أبْغَضُ عمله، فإذا تركه فهو أخي".
  • وفاته: أحب أبو الدرداء البقاء في الدنيا لا رغبة فيها وإنما رغبة في الاستزادة من الأعمال الصالحة، وبقي عابدًا ذاكرًا حكيمًا حتى في أوقات مرضه، فكان يشتكي في مرضه ويتألم، وعندما سأله أصحابه عن سبب شكواه ومما يشتكي، فقال لهم إنما أشتكي ذنوبي، بقي رضي الله عنه يعظ ويوصي الناس حتى في ساعات احتضاره، فكان يردد من يعمل ليومي هذا من يعمل لمضجعي هذا ويبكي، توفي أبو الدرداء قبل مقتل عثمان بن عفان.
  • أقواله ووصاياه: الحث على العلم، وطلب العلم، فخطب يومًا في الناس فقال:"ما لي أرى علماءَكم يذهبون، وجهَّالكم لا يتعلَّمون؟! تعلَّموا؛ فإن العالم والمتعلِّم شريكان في الأجر"، كما أوصى رجلًا بمداومة الذكر في كل الأحوال، وبالتفكر في عواقب الأمور، وذكر الموت والتفكر في أحوال الموتى.


المراجع

  1. ^ أ ب الشيخ د. ابراهيم الحقيل (8-9-2007)، "سيرة حكيم الأمة أبي الدرداء رضي الله عنه "، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب reem (11-2-2018)، "نبذة عن الصحابي الجليل ابو الدرداء الأنصاري"، المرسال، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  3. Maha Abdelwadood (17-3-2018)، "نبذة عن الصحابي الجليل أبو الدرداء الأنصاري"، موثوق، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :