غض البصر
يُعدّ البصر من نعم الله تعالى على عباده، وإنّ شكر الله على هذه النعمة من أوجب الواجبات علينا، قال تعالى : {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}،[١] ويتحتم عليك أن تخجل من صاحب هذه النعمة وألا تنظر إلى ما حرّم الله، وأن تُسخرها بما يرضي الله، واعلم أن الله سوف يسألك عن هذه النعمة وعما رأيته ببصرك، ولكي تتجنب معصية الله بهذه النعمة العظيمة، فعليك العمل بأمر الله لك بغض بصرك، وغض البصر يعني كفه ومنعه من الاسترسال في التأمل والنظر، والمراد بغض البصر عن العورة وعن محل الشهوة، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}،[٢] هنا أمرنا الله عز وجل بغض أبصارنا لما فيه من حفظ للمسلم مما يتلف الفروج بالوقوع في المحظور من الزنا واللواط شاء الإنسان أم أبى، وقد عقب الله تعالى بذكر حفظ الفروج بعد الأمر بغض البص؛، وذلك لأن "مبدأ طريق الزنى بنظرة" كما قال أهل اعلم، كما وجاء وصف النظرة بشهوة أنها سهم من سهام إبليس يصاب به المرء فيقع في مصيدته، فجاهد عزيزي الرجل نفسك الأمارة بالسوء بغض بصرك وحفظه حتى لا تقع في المحظور، وحتى تتجنب محاذير كثيرة منها مخالفة أوامر الله، والوقوع في الزنا ومشين الأخلاق والطباع، وفساد القلب وغيرها من الأمور التي تعود بالضرر عليك.[٣][٤]
فوائد غض البصر علميًا
اعلم أن الله عز وجل لم يأمرك بفعل أمر ما أو ينهاك عنه إلا لحكمة تعود عليك بالنفع وتمنع عنك الضرر في الدنيا والأخرة، ولأن الله أمرنا بغض أبصارنا فاعلم بأن هنالك فوائد كثير فيه، ومن هذه الفوائد:[٥]
- غض البصر يحول بينك وبين العديد من الأمراض البدنية والتي منها (زيادة ضربات القلب، والإجهاد القلبي لزيادة إفلراز الكاتيكول امين)؛ وذلك لأن تزايد إفراز الهرمونات الجنسية والرغبة باكتمال الفعل الجنسي يؤدي إلى استثارة الجهاز العصبي بشدة والذي ينتج عنه الأضرار البدنية التي ذكرناها إذا لم تُفرّغ هذه الطاقة.
- غض البصر يساعدك في السيطرة على نفسك، فالإنسان يفقد السيطرة على نفسه نتيجة الانفعالات الشديدة والنشاط الزائد لمراكز المخ التي تتحكم في الاستشارة الجنسية.
- يساعدك غض البصر على تجنب الوقوع في الزنا وحوادث الاغتصاب، والتي تتسبب في لكثير من الأمراض الجنسية والمشاكل على صعيد المجتمع من خلط الأنساب والأطفال غير الشرعيين، عدا عن تأثيرها النفسي على الذكر والأنثى وخصوصًا في حالات الاغتصاب.
- يحول غض البصر بينك وبين الانخراط في العادة السرية التي تعد إهدارًا للطاقة الحيوية لجسمك، والتي يحتاجها جسمك بشدة في عمليات النمو البدني والمهاري خصوصًا أثناء فترة البلوغ، كما وثبت علميًا أن الانخراط الزائد في العادة السرية يمكن أن يؤدي إلى أمراض عقلية.
- من فوائد غض البصر أيضا أنها تقيك من الآثار الضارة على خلايا المخ الخاصة بالذاكرة وتجميع واسترجاع المعلومات.
كيفية غض البصر
قد تكون شابًا وترغب في امتثال أوامر الله ونواهيه، وتريد أن تغض بصرك عن المحرمات، وأن تلتزم بما أمرك الله به، لكنك لا تعلم كيف تغض بصرك وعن ماذا تغضه، ولذلك فإننا سنساعدك في معرفة كل هذا، إذ إن غض البصر يشمل أمورًا عدة وهي:[٤]
- أولا، غض البصر عن عورات الناس ومنها زينة المرأة الأجنبية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (والله سبحانه قد أمر فى كتابه بغض البصر وهو نوعان: غض البصر عن العورة، وغضه عن محل الشهوة)، والنوع الأول هو غض الرجل بصره عن عورة غيره، وأما النوع الثاني فهو غض بصرك عن الزينة الباطنية للمرأة الأجنبية، والمرأة الأجنبية هي كل أمراة أنت لست من محارمها.
- ثانيًا، غض البصر عن بيوت الناس وما أغلقت عليه أبوابهم، قال ابن تيمية: (بيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه)، وقال ابن القيم :(ومن النظر الحرام النظر إلى العورات، وهي قسمان: عورة وراء الثياب، وعورة وراء الأبواب)، فتجنب النظر إلى بيوت الناس من أبوابها ونوافذها؛ لأنها ستر لأهل البيت.
- ثالثا، غض البصر عما في أيدي الناس من الأموال والنساء والأولاد والمتاع ونحوها، قال تعالى : {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}،[٦] قال ابن سعدي في تفسيره للآية: (أي: لا تعجب إعجابا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون، واغترَّ بها الجاهلون، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم)، فاحرص على ألا تمد عينك معجبًا مستحسنًا أحوال الدنيا والممتعين بها من المأكل والمشارب اللذيذة والملابس الفاخرة والبيوت المزخرفة والنساء المجملة، فكلّ ذلك من زهرة الحياة الدنيا التي تبتهج بها نفوس المغترين.
مَعْلومَة
لأن الله تعالى بعلمه وحكمته يعلم كل خير للمسلم، فقد حرم النظر إلى عورات النساء الأجنبيات حتى لو كان دون شهوة، وقد استثنى أهل العلم من ذلك حالات الضرورات أو الحاجات المعتبرة؛ مثل كشف الطبيب على المرأة التي لا تجد طبيبة تكشف عليها، قال النووي: (ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي وهو حالة الشهادة والمداواة وإرادة خطبتها، أو المعاملة بالبيع والشراء وغيرهما ونحو ذلك، وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد، والله أعلم)، كما ويحرم نظر الوجه بشهوة وعند خوف الفتنة عند من يقول إن الوجه ليس بعورة، وكذلك يحرم النظر إلى المستور من جسم المرأة بشهوة، قال ابن عبد البر: (وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة، فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة)، وقد ذهب بعض العلماء إلى منع النظر مطلقًا لوجه الأجنبية إن كانت ممن يشتهى عادة، وذهب بعضهم للكراهة فقط من غير تحريم.[٧]
المراجع
- ↑ سورة الملك، آية: 23.
- ↑ سورة النور، آية: 30-31.
- ↑ "نصيحة تعين المسلم والمسلمة على غض البصر"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-1. بتصرّف.
- ^ أ ب "غض البصر"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-1. بتصرّف.
- ↑ "دلائل إعجازية فى غض البصر"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-1. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجر، آية: 88.
- ↑ "غض البصر وأحوال جواز النظر"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-1. بتصرّف.