خلق الانسان جزوعا

خلق الانسان جزوعا
خلق الانسان جزوعا

تفسير قوله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعًا}

خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان وهو أدرى بطبيعته البشريّة، إذ جبله سبحانه على الجزع، وقلّة الصّبر، وكثرة التذمّر، وأنزل سبحانه المنهاج الإسلامي القويم من أجل تهذيبه، وصقل صفاته البشريّة نحو الأفضل، فقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا}.[١]


وفي تفسير الآيات قال الطّبري اختصارًا: إنّ الإنسان شحيحٌ جزوع، أمّا السّعدي فقد فسّر الآيات بالمجمل على أنّ الإنسان جزوعٌ في الضرّاء، وشحيحٌ في السرّاء، وفصّل تفسيرها كما يأتي:[٢]

  • "إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا": إنّ في هذه الآية حرف تأكيد لما بعدها من طبيعة الإنسان التي خلقه الله عليها، وهي الهلع، والخوف، وكثرة التذمّر.
  • "إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا": يُخبرنا تباركَ وتعالى في هذه الآية حال الإنسان عندما يمسّه ابتلاء أو مصيبة مثل المرض، أو الفقر، أو مصيبة الموت لأحد الأحبّة، فهو ساخط، متذمّر وغير راضي بقضاء الله وقدره.
  • "وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا": تصف هذه الآية حال الإنسان في السرّاء، فيشحّ على غيره ولا يُعطي مما آتاه الله، ولا يؤدّي حق الله تعالى فيها من حمده على نعمته.


الفرق بين الهلع والجزع

في هذا المقام لا بد من التّفريق بين الهلع والجزع في اللّفظ القرآني، فعندما يُقال إنّ فلان هَلَع يعني أنّه أصابه خوفاً شديداً انخلع قلبه من شدّته، وفي اللّغة العربيّة الهلع هو الخوف المصاحب للسّخط، والتبرّم، وعدم الرّضا، وكثرة الشّكوى، فتغلب عليه مشاعر القلق والتوتّر، أمّا عندما يُقال أنّ فلان جَزِعَ فيعني أنّه سخط، ولم يرضَ بقضاء الله وتدبيره، ولم يصبر على الابتلاء، وممّا سبق يتبيّن أنّ الهلع يكون ضمنه الجزع، فهو الخوف مع السّخط، أمّا الجزع فهو السّخط والتبرّم وحده دون الخوف.[٣]


أسباب الهلع والجزع

تذكر الآيات القرآنيّة أنّ قليل الإيمان هو من يجزع ويصيبه الهلع عندما يقع في الابتلاء أو المصيبة، إذ يضيق صدره من قلّة صلته بخالقه، ويبدأ الشّيطان بالوسوسة له بأنّ هذا الابتلاء سيستمر للأبد، ولا أمل في زواله، مما يوقعه في اليأس والقنوط، وهذا الأخير يزيد من تبرّمه، وسخطه، وعدم رضاه بقضاء الله سبحانه، فيصبح كالرّيشة تذروها الرّياح في كل اتّجاه، دون وجهة معيّنة، فيتخبّط في عالم اليأس والإحباط، ولا يجد له ونيس سوى القلق والتوتّر.[٤]


قد يُهِمُّكَ

لم يذكر الشّارع سبحانه وتعالى طبيعة البشر من الهلع والجزع والمنع في السّورة الكريمة دون أن يذكر أساب العلاج من هذه النّقائص، وفي نفس السّورة قال الحق تبارك وتعالى في محكم تنزيله: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ* وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ* وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ* إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}.[٥][٦]


وبالتّمعّن في هذه الآيات تستطيع عزيزي القارئ أن تستنبط علاج نقائصك المبنيّة على الهلع والجزع، ومنها:[٦]

  • الالتزام بالصّلاة والداوم عليها، فالصّلاة صلة بينكَ وبين خالقكَ، فاصبر واصطبر عليها، وأمر أهلكَ بها.
  • أكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى، فبذكر الله تطمئنّ القلوب الخائفه والحائرة.
  • التزم بما أمر الله سبحانه وتعالى به من مكارم الأخلاق في معاملاتكَ جميعها؛ الإنسانيّة، والتّجاريّة، وغيرها، وابتعد عمّا نهاكَ الله عنه من المحرّمات.
  • كن راضياً بقضاء الله وقدره، واصبر عليه، فإنّ في صبرك على الابتلاء أجر عظيم.
  • احرص على تربية أبنائكَ منذ صغرهم على الطّاعات، والصّلاة، واجتناب المعاصي، واغرس فيهم الصّبر وقوّة الاحتمال، وكن أنتَ القدوة لهم في كلّ ذلكَ.
  • لا تصاحب الأشخاص شديدي الهلع والجزع، السّاخطين، وعدم الرّاضين بقضاء الله، فإنّك ولابدّ أن تتأثّر بهم، وسيكونون سبباً في قلّة صبركَ أو بجزعكَ، واستبدلهم برفقة المؤمنين الصّابرين المحتسبين الذين يعينوكَ إذا وقعت في ابتلاء أو مصيبة.
  • استشر أهل العلم والعقلاء، واستعن بهم على حل مشاكلكَ.
  • اخفِ ابتلاءكَ عن الجزوعين لئلاّ يؤثّروا عليكَ بسلبيّتهم، ويوقعوكَ معهم في مستنقع السّخط والقنوط.


المراجع

  1. سورة المعارج، آية:19-21
  2. "مع القرآن_ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا "، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-30. بتصرّف.
  3. " شرح كتاب المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير"، موقع فضيلة الشيخ أ.د خالد بن عثمان السبت، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-30. بتصرّف.
  4. "الإنسان المستثنى"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-30. بتصرّف.
  5. سورة المعارج، آية:35-22
  6. ^ أ ب "لاتجزع"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-30. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :