محتويات
كيف جمع العشق جميل وبُثينة؟
كان جميل بن معمر وبثينة من قوم عُذرة، وهم القوم الذي اشتهر بعاطفة الحب المهيمنة على قلوب كل رجالها ونسائها، حتى سُئل أحد العذريّين يومًا: ما بال قلوبكم كأنّها قلوب طير تنماث "يذوب" كما ينماث الملح في الماء؟ أما تجلّدون؟ فقال: إنّا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها!.[١]
وقيل مرةً لرجل آخر من العذريين: ممّن أنت؟ فقال: من قوم إذا أحبّوا ماتوا، فقالت جارية سمعته: عذريّ وربّ الكعبة! هذا كله يدل على أن قوم عُذرة قوم محبٌّ بحق، وقوم شديد العاطفة، لا تستهويه المشاعر العابرة، فإذا أحبّ أفدى روحه لمحبّه. [١]
بداية الحب العُذري بين جميل وبُثينة
جمع الحب العُذري جميل وبثينة في يوم من الأيام حيث كانت النساء يتزينَّ ويجتمعن معًا، فكان لقاء بثينة بجميل، حيث جلس معها هي وأختها أم الحسين، وبعد أن انصرف كان جميل قد هام في حب بثينة، حتى أنّه قال: [٢]
غزل وحب جميل لبثينة
كم وصف جميل بثينة وصفًا غزليًا عذريًا مليئًا بالعاطفة والصور الشعرية المذهلة وأروع صفات الجمال، حيث كان يقول لها مشبهًا إياها بابنة الظبي والمها بسبب كُبر "مقلتيها" عيونها الواسعة: [٣]
وقال أيضًا مشبهًا نفسه بالثريا وإذا بعدت عنه حبيبته يبقى معلقًا لا سبيل للعيش:
وكتب لها هذه الأبيات، وهي من أشهر أبيات الغزل من جميل إلى بثينة:
بعد أن سمعت بثينة هذه الأبيات عنها، لم تجد نفسها إلا عاشقة لجميل، وأصبحت تخرج إليه كلّما آتاها ليتحدث معها ومع إخوتها، ولكن، لم تستمر هذه الفرحة طويلاً.[٣]
نهاية جميل وبثينة
عشق جميل بن معمر بثينة وهو غلام صغير، فكان يأتي بثينة ويقصد الحديث معها ومع إخوتها، وسرعان ما كبر بالعمر خطبها، ولكن ردّه قومها، وقابلوه بالرفض.
فأصبح جميل يأتي بثينة سرًا في أوقات غفلة الرجال، ولكن لم يدم هذا الحال طويلاً حتى تيقّظ الرجال على الأمر وكانوا قومًا فيهم من الغيرة كمًا هائلاً، فكان قرارهم العزم على قتل جميل إذا قصد بثينة مرة أخرى.
حذّرت بثينة جميل أن لا يأتيها مجددًا، ولكنّه ردّ عليها فقال:
وقصد بثينة مرة أخرى ليحدثها دون خوف و،
جمع له قومها هاجمين عليه، فإذ يفرّ جميل هاربًا من الموت المحتم على أيديهم، وينقذ نفسه من سيوفهم وسهامهم، وصار الحبيبين مجبورين على الفراق خشية الخروج عن طوع القبيلة.
كيف أصبح الحب العُذري لجميل وبثينة خالدًا حتى اللحظة؟
حب عميق وقاهر كهذا ليس بالسهولة أن يُنسى مع الزمن، بل تزيد قيمته كل مرة أكثر فأكثر، فإن الحب العُذري هو حبٌّ قوي، وعفيف، لا يتمحور حول جمال الجسد والمظهر، بل هو قائم على الحب والعشق الكبيرين، وتخلَّدت وتوثّقت هذه المشاعر مع الشعر العُذري، الذي كُتبت أبياته بأداء شعري رفيع الكفاءة، مع مخيّلة مليئة بالحب.
وترى في حب جميل لبثينة شدّة وهيامًا لا نراه بشكل طبيعي، فقد عشق جميل بثينة عشقًا كعشق المخمور، وكأنّما حبه لها كان كحب الخمر عند المخمور، فيه من الإدمان والتعلّق ما لا يستطيع الإنسان على السيطرة عليه، واختّصها من بين كل النساء، فكانت له البدر بين الكواكب، فإن الحب العذري حب وحداني، يعني لا يحل محل الحبيبة امرأة أخرى بعد اليوم![٣]
المراجع
- ^ أ ب [ابن قتيبة]، كتاب الشعر والشعراء، صفحة 125. بتصرّف.
- ↑ "جميل بن معمر العذري وحبيبته بثينة"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 13/2/2024. بتصرّف.
- ^ أ ب ت جامعة العربي بن مهيدي أم البواقي، المنحى الجمالي للصورة البيانية عند شعراء الحب العذري، صفحة 320-321. بتصرّف.