محتويات
الدولة العثمانية ووحدة الأمة
لقد أوجدت دولة الخلافة العثمانية الوحدة بين جميع الولايات العربية، التي دخلت في سيادتها، إذ احتفظت هذه الولايات بمقوماتها الأساسية؛ كالدين الإسلامي، واللغة العربية، والثقافة الإسلامية، وحتى العادات والتقاليد المتوارثة خلال العصور، ولم تقم الدولة العثمانية حدود مغلقة، أو حواجز مصطنعة بين الولايات العربية؛ إذ كفلت الدولة العثمانية حرية الانتقال والسفر في جميع الأوقات، وحتى فرص العمل، وبذلك تكون قد أعادت الخلافة العثمانية للعالم العربي والإسلامي وَحدته، وذلك بعدما تقسّم بسقوط الدولة العباسية، في عام 656هـ بعد الاجتياح المغولي، وسقوط مدينة بغداد حاضرة الخلافة العباسية وتخريبها؛ وبهذا يُقِرُّ عدد لا بأس من المؤرِّخين بأن الوحدة العربية والإسلامية التي أوجدها العثمانيون تُعدّ نقطة البداية في التاريخ العربي الحديث.[١]
لقد سارت الدولة العثمانية في بداية أمرها على شرع الله في كل صغيرة وكبيرة، والتزمت بمنهج أهل السنة في دعوتها وجهادها، أما في أواخر عهدها فقد انحرفت عن أسباب التمكين، المادية والمعنوية بابتعادها عن الدين فإن من جملة أسباب سقوط الدولة العثمانية في القرنين الأخيرين؛ انتشار مظاهر الشرك والبدع، فغشيتها أمواج الظلام، والجهل، مما حجب عنها حقيقة الدين، وطمس فيها أنوار التوحيد، ومال بها عن صراطه المستقيم.[٢]
نهاية الدولة العثمانية
من أبرز الأحداث التي أنهت الدولة العثمانية ما يأتي:[٣]
- حزب الاتحاد والترقي: يعدّ المؤرخون أن بداية نهاية الدولة العثمانيّة فعليًا ابتدأت عندما تصاعدت الحملات المناوئة لحكم السلطان عبد الحميد، إذ تزعمت المعارضة أحزاب وحركات قومية، منها تركيا الفتاة،وجمعية الاتحاد والترقّي، فأصبح الاتحاديون هم الحكام الفعليين للدولة العثمانية، وكان هدفهم الإطاحة بالخلافة العثمانية.
- الحرب العالمية الأولى: استطاع أنور باشا، والذي كان وزيرًا للحربية في الدولة العثمانية-وهو أحد الضباط الاتحاديين- أن يجر البلاد إلى المشاركة في الحرب العالمية الأولى، ففي البداية حاولت الدولة مساومة الحلفاء في دخول الحرب، إذ تبقى على الحياد مقابل إلغاء الامتيازات الأجنبية، ومنع روسيا من التدخل في أمور العثمانيين، وخروج الإنجليز من مصر، وضم الجزر في بحر إيجة للعثمانيين، فلم يرضَ الحلفاء بشروطها، فدخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، فكانت مثل القشة التي قسمت ظهر البعير، وكان القتال على أربع جبهات؛ جبهة شرقية: حاول فيها أنور باشا بنفسه اجتياح روسيا من جهة الشرق في البرد القارص، ولكنه فشل فشلًا ذريعًا واضطر للانسحاب، وجبهة قناة السويس: إذ هجمت القوات العثمانية قبل الموعد المحدد مع المصرين، إذ كانوا قد اتفقوا معًا لطرد الانجليز، وفشل هذا الهجوم وفشل هجومان آخران بقيادة الألمان أيضًا، وجبهة عدن، إذ حاول فيها العثمانيون طرد الإنجليز من عدن، لكن الإدريسي حاكم اليمن ساعد الإنجليز على العثمانيين في عسير، ففشل العثمانيون، جبهة الدردنيل: إذ حصّن العثمانيون مضيق الدردنيل لمنع وصول الإنجليز إلى إستانبول، لكن الإنجليز استطاعوا دخول فلسطين، وعندما دخل القائد الإنجليزي اللنبي القدس قال قولته الشهيرة: (الآن تنتهي الحروب الصليبية)، وتمكّن الفرنسيون أيضًا من احتلال سوريا.
- تمكّن الحلفاء من احتلال إستانبول، في عهد الخليفة الخليفة محمد السادس الذي توّلى الخلافة العثمانية (1328- 1337هـ) في الحرب العالمية الأولى، وذلك في الوقت الذي توالت فيه الهزائم على الدولة العثمانية، فسقطت استانبول لأول مرة، بعدما فتحها السلطان الغازي محمد الفاتح، واستطاعت إيطاليا احتلال جزءٍ من جنوب الأناضول، أما اليونان فاحتلت الجزء الغربي من الأناضول، بالإضافة إلى تراقيا، وفي النهاية استسلمت الدولة العثمانية، وهكذا فإنه الوقت القصير الذي تسلّم فيه الاتحاديون، الحكم في البلاد العثمانية أضاعوها، وأعادوها إلى الوراء عدة قرون، مع إلباسها لباس المهانة والهزيمة النكراء.
- بروز مصطفى كمال أتتاتورك: في الوقت الذي تولى فيه الخليفة محمد السادس الخلافة العثمانية، قرب إليه مصطفى كمال، وعندما بدأ مصطفى كمال يعمل لنفسه، رفض الخليفة أن يكون صورة كما حصل مع الخليفة محمد الخامس، فتنازل محمد السادس عن الخلافة لعبد المجيد الثاني.
- مصطفى كمال أتاتورك: يُطلق عليه أتاتورك (أي أبو الأتراك)، ولد في سالونيك، وهي أكبر تجمعات يهود الدونمة في الدولة العثمانية، إذ رجح الكثير من المؤرخين أنه كان من يهود الدونمة؛ وذلك لأفعاله المُشينة، ومحاربته الشديدة للإسلام، ولقد كان مصطفى كمال أحد رجال الاتحاد والترقي، وكان أحد قادة الجيش العثماني في الشام، ووصف بأنه دائم الفرار أمام جيوش الحلفاء، إذ قيل أن فراره امتد من الشام إلى بلاد الأناضول، وذلك في الحرب العالمية الأولى، فوجد بكل ذلك أعداء الإسلام فيه ضالتهم، ولذلك أراد الحلفاء أن يرفعوا شأن مصطفى كمال في البلاد العثمانية، ليترك له الحلفاء المهمة، فيما بقي من أراضي الدولة العثمانية، ففوجئ الجميع به في منطقة سيواس، وعُقد مؤتمر للدفاع عن البلاد، وعُيّن رئيسًا للمؤتمر، ثم انتقل إلى مدينة أنقرة وناهض فيها الحكومة العثمانية، وساعده الحلفاء وذلك بإملاء الشروط القاسية على الحكومة العثمانية حتى أجبروها على قبولها، ومن هذه الشروط: إقامة دولة في إستانبول، وفصل البلاد العربية عن العثمانيين، والاستقلال الذاتي لكردستان، وضم تراقيا وجزر بحر إيجة لليونان، واستقلال أرمينيا، ووضع المضائق تحت إشراف دولي، وتوجيه الجيش العثماني وذلك بتحديد عدد أفراده من قبل الحلفاء، والسيطرة على المالية، وفي هذا الوقت كان أتاتورك قد أعلن عن قيام حكومة جديدة للعثمانيين في أنقرة، وأعلن عن رفضه لشروط الحلفاء، أما الحلفاء فقد أطلقوا العنان لأتاتورك، ليظهر بذلك بمظهر البطل، فترك الحلفاء اليونان تواجه تركيا بمفردها، فحققت بذلك تركيا بعض الانتصارات، وكانت أشهرها موقعة سقاريا، فاضطرت اليونان للانسحاب من الأناضول وتراقيا الشرقية في عام 1340هـ، وتركت فرنسا أيضًا كيليكيا، وانسحبت إيطاليا بدورها من أنطاكيا، أما الروس فكانوا قد انشغلوا أثناء الحرب بالثورة الشيوعية في روسيا، ثم اتفق أتاتورك معهم على وقف القتال بينهما، مقابل أن يترك لهم مدينة باطوم على البحر الأسود.
- مؤتمر لوزان: بعد ثلاثة أيام من تولي عبد المجيد الثاني للخلافة، عُقد مؤتمر لوزان عام 1341هـ، وحضر هذا المؤتمر ممثلون من حكومة أنقرة، وقد وضع الإنجليز في هذا المؤتمر شروطًا للاعتراف باستقلال تركيا، وهي:إلغاء الخلافة العثمانية، وقطع كل صلة بالإسلام، وإخراج أنصار الإسلام والخلافة من البلاد، واتخاذ دستور مدني جديد، بدلاً من دستور تركيا القديم، الذي أُسس على الإسلام فأُعلن إلغاء الخلافة سنة 1341هـ، وأُعلن قيام جمهورية تركيا الحديثة، وألغى مصطفى كمال الوظائف الدينية في تركيا، وسلّط جنوده على السكان يجردون النساء من الحجاب، وجعل من نصوص الدستور الجديد أن يوضع له تمثال في جميع أرجاء تركيا، وجعل الأذان باللغة التركية حيث كان بالعربية، وحوّل الكتابة في اللغة التركية، فأصبحت بحروف لاتينية، بعدما كانت تُكتب بحروف عربية، وغير ذلك من الأفعال المعادية للإسلام، وبهذا، وبكل الألم والحسرة، انتهت آخر خلافة إسلامية منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحتى وقتنا الحاضر.
آخر إمبراطورية إسلامية في التاريخ
اهتمت الدولة العثمانية بجلب جميع المسلمين تحت جناحها، وباستعادة الخلافة الإسلامية، إذ كانت أولى إشارات هذا الطموح في معاهدة كيتشوك كاينارجي، التي أبرمتها الدولة العثمانية مع الإمبراطورية الروسية، وتمّت هذه الاتفاقية في الثانية عشرة من جمادى الأولى من عام 1188هـ (21 يوليو/تموز 1774م)، إذ طالبت فيها الدولة العثمانية بالولاية والوصاية على كافة الرعايا المسلمين، حتى الذين كانوا خارج حدودها، وكانت الاتفاقية تهدف مسلمي شبه جزيرة القرم بالتحديد، وشبه جزيرة القرم هي اليوم جزء من الجمهورية الأوكرانية.
بعد هذه المعاهدة ولعدّة قرون، استطاع العثمانيون المحافظة على علاقة مستقرة نسبيًا، بينهم وبين المجتمعات الإسلامية الأخرى التي كانت تحت سيطرتهم، وساهم هذا الاستقرار في الصمود أمام محاولات ممالك ودول أوروبا انتزاع الأراضي من الإمبراطورية العثمانية المترامية الاطراف.
ولم يستطع الأوروبيون احتلال أجزاء من الدولة العثمانية إلى عام 1326هـ (1908م)، وذلك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، إذ كان عام 1326 نقطة تحول أساسية في عهد السلطان عبد الحميد، وفي تاريخ الدولة العثمانية، وقد عُرف عن السلطان عبد الحميد، سعيه الجادّ لترسيخ نظام الخلافة الإسلامية، إذ أطلق شعار (يا مسلمي العالم اتّحدوا)، وكان عهد هذا السلطان من أكثر أوقات الدولة العثمانية نجاحًا وقوّةً وصعوبة في الوقت نفسه.
أصدر السلطان عبد الحميد، أوّل دستور للدولة وذلك عام 1293هـ، وترافق ذلك مع حدثين مهمين وهما، الاضطرابات في بلاد البلغار المسيحيين، والمُحرّضين من قِبل القوى الغربية، للثورة على العثمانيين، الأمر الذي اضطر الجيش العثماني لاستخدام العنف، وذلك لنزع فتيل الفوضى في البلاد، أما الحدث الثاني، فهو نجاح الجيش العثماني في إخضاع صربيا والجبل الأسود الواقعتين في وسط أوروبا، كل تلك العوامل أدت إلى غضب روسيا، والقوات الغربية، إذ دخلت الدولة العثمانية في حربٍ ضروس مع الإمبراطورية الروسية، نتج عنها، حلّ السلطان عبد الحميد للبرلمان، وتعليق العمل بالدستور، وذلك بهدف تكريس السلطة في يده، واتخذ لقصر يلدز في إسطنبول، مركزًا لحكمه. [٤]
المراجع
- ↑ أ.د.راغب السرجاني (18-1-2014)، "الخلافة العثمانية .. النشأة والنفوذ"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 4-6-2019. بتصرّف.
- ↑ "الدولة العثمانية عوامل النهوض، وأسباب السقوط"، islamweb، 16-4-2014، اطّلع عليه بتاريخ 4-7-2019. بتصرّف.
- ↑ "سقوط الدولة العثمانية"، islamstory، 15-6-2012، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2019. بتصرّف.
- ↑ أحمد الجنابي (27-1-2013)، "نهاية الإمبراطورية العثمانية"، aljazeera، اطّلع عليه بتاريخ 3-7-2019. بتصرّف.