الضيق
يصاب الإنسان أحيانًا بحالة من الانغلاق والضيق، الأمر الذي يسلب منه الرغبة بإنجاز أي عمل أو حتى التقرب من الطاعات، فيشعر بتكدس الهموم في قلبه، وعدم القدرة على وصف ما يشعر به لأحد، كما يظهر عليه الحزن غير المبرر والشعور بالفشل في بعض الأحيان، بالإضافة إلى التكاسل عن أداء العبادات وافتقاد النشاط والقدرة على استحضار قلبه في العبادة، وقد يمتد هذا الأمر إلى سوء الخلق مع الوالدين والمقربين والرغبة في الصمت، وغالبًا ما يصف الأطباء النفسيون تلك الحالة بأنها نوع من أنواع الاكتئاب المؤقت الناتج عن تراكم المواقف السلبية او خلل في الهرمونات في الجسم أو غيرها من الأسباب، ولا شك أن العلاج الإيماني سيكون أنجع العلاجات في مثل هذه الحالة بتقوية الإيمان والثقة بالله تعالى والتوكل عليه وبالدعاء المستمر بإزالة الغمة.[١][٢]
أدعية لإزالة الضيق
علمنا الدين الإسلامي كيفية علاج الضيق والقلق الذي نتعرض له، وذلك بالعودة إلى الله تعالى والإكثار من ذكره وتسبيحه، والإكثار من استخدام التحصينات الإيمانية التي تعصمنا من وساوس الشيطان والأفكار السلبية، فقال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[٣]، فكلما أكثرت من ذكر الله أزال عنك همك ونفس كربك واستجاب لك دعاءك وألهمك الصبر والقوة على تحمل مصاعب الحياة، وقد اشتملت السنة النبوية على العديد من الأدعية الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي كان يدعو فيها للتخلص من الضيق وطرد الهم والحزن، والتي يجب على المسلم المواظبة على الدعاء بها في جميع أمور حياته، وفيما يأتي أبرز تلك الأدعية:[٤]
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ما أصاب أحدًا قط همٌّ و لا حزنٌ ، فقال: اللهمَّ إني عبدُك، و ابنُ عبدِك، و ابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، و نورَ صدري، و جلاءَ حزني، و ذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا قال: فقيل: يا رسولَ اللهِ ألا نتعلَّمُها ؟ فقال بلى ، ينبغي لمن سمعَها أن يتعلَّمَها][٥].
- فعن عبدالله بن عباس قال: [أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقولُ عِنْدَ الكَرْبِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ][٦].
- كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء: [اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجَالِ][٧].
- [دعواتُ المكروبِ : اللَّهمَّ رحمتَك أَرجو فلا تَكِلني إلى نَفسِي طرفةَ عينٍ ، وأصلِح لي شَأني كلَّه لا إلَه إلَّا أنتَ وبعضُهم يزيدُ علَى صاحبِهِ][٨].
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [إذا أصاب أحدَكم غمٌّ أو كَربٌ فليقُلِ : اللهُ ، اللهُ ربِّي لا أُشرِكُ به شيئًا][٩].
- ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: [أنَّهُ كانَ معَ رسولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وسلم جالسًا ورجلٌ يصلِّي ثمَّ دعا اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ المنَّانُ بديعُ السَّمواتِ والأرضِ يا ذا الجلالِ والإِكرامِ يا حيُّ يا قيُّومُ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ لقد دعا اللَّهَ باسمِهِ العظيمِ الَّذي إذا دعيَ بِهِ أجابَ وإذا سئلَ بِهِ أعطى][١٠].
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له][١١].
كيفية التخلص من الضيق
يعد انقطاع صلة العبد بالله تعالى والإعراض عن ذكره من أبرز أسباب الضيق والحزن، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[١٢]، أما المؤمن الذي علق قلبه بالله دون سواه، المنقاد لأحكامه، فإن الله يحييه حياة طيبة بعيدة عن الضيق والهم والكدر، مليئة بالراحة والاطمئنان وانشراح البال وسكون النفس، فانشراح الصدر للإسلام ومبادرته لمرضاة الله دليل على هداية الله لعبده وتوفيقه لأفضل الطرق وأحسنها، وبالمثل فإن ضيق الصدر عن الإيمان والطاعات وانغماسه في الشهوات دليل على البعد عن الله وسببًا للهلاك، ومن هنا فالعلاج الإيماني هو الحل للتخلص من الضيق والحزن، وفيما يأتي أبرز الأمور التي يمكنك اتباعها للتخفيف من ضيقك وهمك:[١٣]
- الرضا بقضاء الله تعالى والصبر على مسببات الضيق والهم، فكل شيء مقدر من الله تعالى، والمؤمن الحق يوكل جل أمور حياته له، ويرضى بما قسمه الله تعالى، لأن أمر المؤمن كله خير، إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر.
- التوسل والدعاء لله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وكثرة التضرع واللجوء إليه سبحانه، وقراءة القرآن، إذ يقولُ الإمامُ ابن القيم - رحِمه الله -: "ولَمَّا كانَ الحزنُ والهمُّ يُضاد حياةَ القلب واستنارته، سألَ أن يكونَ ذَهابُها بالقرآن؛ فإنها أحرَى ألا تعودَ، وأما إذا ذهَبت بغير القرآن؛ مِنْ صِحةٍ، أو دنيا، أو جاهٍ، أو زوجةٍ، أو ولدٍ، فإنها تعودُ بذَهابِ ذلك"[١٤].
- الإقلاع عن المعاصي والعودة إلى الله تعالى والتوبة الصادقة، فهو الكاشف لكل كربة، وبيده مفاتيح الفرج، فلا فارج للهم والكروب سواه.
- الإكثار من ذكر الله تعالى، فإن في الذكر بلسمًا للروح وطمأنينة للقلب واستقرارًا للنفس، كما أن الذكر مفتاح عظيم من مفاتيح الفرج بإذن الله تعالى، قال تعالى في محكم كتابه: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[١٥].
المراجع
- ↑ "حالة الضيق النفسي المفاجىء"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 26-3-2020. بتصرّف.
- ↑ "الضيق النفسي المفاجىء .. وعلاجه"، almoslim، اطّلع عليه بتاريخ 26-3-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجر، آية: 97-99.
- ↑ "كيف عالج الإسلام الهم وضيق الصدر؟"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 26-3-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 199، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6346، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5425، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبو بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 5090، حسن.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2755، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1495، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 3505 ، صحيح.
- ↑ سورة طه، آية: 124.
- ↑ "الهم والحزن الضيفان الثقيلان"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 26-3-2020. بتصرّف.
- ↑ ابن القيم، الفوائد، صفحة 60.
- ↑ سورة الرعد، آية: 28.