محتويات
شرح حديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
روى أبو هريرة عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: [مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ][١]، وفي شرح هذا الحديث قال أهل العلم أنّه من جوامع الكَلِم، وقيل إنّه نصف الإسلام، لأنّه يحتوي على أهم القواعد الاجتماعيّة للتّعامل الإنساني، إذ يحتوي على القيم التّالية:[٢]
- إمساك اللّسان عن كل قول فيه شر أو كل ما يؤول إليه: سواء كان الكلام محرمًا، أو مكروهًا، وحتّى الكلام المُباح مستوي الطّرفين، فالأولى أن تصمت عنه، إذ يكون المسلم مأمورًا بترك هذا الكلام المُباح مستوي الطّرفين، ومندوبًا إلى الإمساك عنه، فيكون الصّمت فيه من باب سد الذّرائع تجنّبًا للوقوع في المحرّم أو المكروه، أما بالنسبة للكلام الطيب وكلام الخير فهو ثواب تؤجر عليه.
- الإحسان إلى الجار، وكفّ الأذى عنه، والبر به: فاعتبر النّبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث أنّ الإحسان إلى الجار وإكرامه من كمال إيمان المرء، وصدق إسلامه، فقد اعتبر الإسلام إيذاء الجار من كبائر الذّنوب المهلكة، وتسبّب خلل في إيمان المرء، وقد فنّد العلماء حقوق الجار إلى الفئات التّالية:
- إن كان الجار مسلم ذو قرابة فله ثلاثة حقوق، حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القّرب.
- إن كان الجار مسلم من غير ذي قربه فله حقّان فقط هما حق الجوار، وحق الإسلام.
- إن كان الجار غير مسلم من غير ذي قربه عندئذٍ يكون له حق واحد هو حق الجوار.
- إكرام الضّيف: والمقصود بالضّيف بهذا الحديث المسافر الغريب في البلد، فهو بحاجة للإحسان إليه وإكرامه، وقد قال جمهور العلماء إنّ إكرام الضّيف يكون لثلاثة أيّام، وجائزته يومه وليلته، وأجمعوا على أنّ إكرامه والإحسان إليه سنّة وليست واجبًا، واعتبروا إكرامه من متأكّدات الإسلام، ومن تمام الإيمان، ومن علامات حُسن إسلام المرء.
إكرام الضيف والجار في الإسلام
سنتناول في هذه الفقرة كيفيّة إكرام الضيف والجار في الإسلام، وهي كما يلي:
أولاً: إكرام الضّيف في الإسلام
كما أسلفنا في الفقرة السّابقة فإنّ الضّيف المقصود به في هذا الحديث هو الضّيف المسافر القادم من بلد غريب، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ إكرام الضّيف المسافر لا تنطبق على الضّيف الزّائر من نفس البلد، أما إكرام الضّيف المسافر الغريب فيكون باستضافته بالمنزل، وتقديم الطّعام والشّراب له، بما يتوافق مع مقدرة المضيف، وأن لا يتكلّف هذا الأخير فوق طاقته، ولا يزيد على عادته، وأن يحميه، ويُحسن إليه، وللضّيف ثلاث مراتب، الأولى وجوب إكرامه واستضافته على المضيف مدّة يوم وليلة، وكمال الضّيافة المستحبّة شرعًا ثلاثة أيّام بلياليها، أمّا المرتبة الأخيرة فهي الزّيادة على ثلاثة أيّام وتكون عندها صدقة من المضيف على الضّيف إن شاء فعل، وإن شاء ترك.[٣]
ولكن اختلف الفقهاء على عدد أيام الضيافة، فقال الحنفية والمالكية والشافعية إن الضيافة سنّة ومدتها ثلاثة أيام، أما الرواية الأخرى عن أحمد وهي المذهب فقال إن الضيافة واجبة ومدتها تكون يومًا وليلة، والكمال ثلاثة أيام، ويرى المذهب المالكي أن الضيافة تصبح واجبة في حالة المجتاز الذي ليس عنده ما يبلغه ويخاف الهلاك وهنا تكون ضيافته واجبًا عليك.[٣]
ثانيًا: إكرام الجار في الإسلام
أمّا إكرام الجار بمراتبه الثّلاث التي ذكرناها في الفقرة السّابقة فيكون بالصّور التّالية:[٤]
- أن تُكرِم جارك إذا حلّ عليك ضيفًا، وتُحسِن إليه في المعاملة، وأن تكون بشوش الوجه معه.
- أن تتصدّق عليه إن كان فقيرًا محتاجًا.
- أن تطرح عليه السّلام.
- أن ترد عنه الأذى، وتتجنّب إيذاءه، وأن تصبر على أذاه إن بادر هو بالأذى.
- مشاركته مناسباته الاجتماعيّة، وتهنئته في السّعيد منها، وتهاديه، ومواساته في الأحزان.
- أن تتفقّد أحواله وتصله، ولا تقطعه، وتعوده إذا مرض.
- أن تقرض جارك إن احتاج، وكان بمقدرتك ذلك.
- أن تُحسن إلى جارك حتّى بعد موته، بأن تصلّي عليه، وتتبع جنازته حتّى الانتهاء بالدّفن وأخذ العزاء.
قد يُهِمَُكَ: أمثلة عن إكرام الضيف من حياة الرسول
عندما يتعلّق الأمر بالكرم والجود كان الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الأكثر كرمًا وجودًا، وأراد بتصرّفاته أن يغرس خُلُق إكرام الضّيف في نفوس صحابته، فعندما جاء إليه صلّى الله عليه وسلّم رجلٌ كان على سفر، وقال لرسول الله:[أَتَى رَجُلٌ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أصَابَنِي الجَهْدُ، فأرْسَلَ إلى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شيئًا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ألَا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هذِه اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ فَقالَ: أنَا يا رَسولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إلى أهْلِهِ، فَقالَ لِامْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا تَدَّخِرِيهِ شيئًا، قالَتْ: واللَّهِ ما عِندِي إلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قالَ: فَإِذَا أرَادَ الصِّبْيَةُ العَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ، وتَعَالَيْ فأطْفِئِي السِّرَاجَ ونَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: لقَدْ عَجِبَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ - أوْ ضَحِكَ - مِن فُلَانٍ وفُلَانَةَ فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَيُؤْثِرُونَ علَى أنْفُسِهِمْ ولو كانَ بهِمْ خَصَاصَةٌ}][٥][٦].[٧]
كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام أكرم ضيوفه وصحابته وعندما جاءه صحابته يشكون شدة الجوع، فقال لهم: [اجتمِعوا على طعامِكم، واذكروا اسمَ اللَّه يبارِكْ لَكم فيهِ][٨] فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أن البركة في الطعام تأتي مع الضيف وأن إطعامك لضيفك لن يُضيقك عليك رزقك، فقال عليه الصلاة والسلام: [طَعامُ الِاثْنَيْنِ كافِي الثَّلاثَةِ، وطَعامُ الثَّلاثَةِ كافِي الأرْبَعَةِ][٩].[٧]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:47 ، صحيح.
- ↑ "شرح حديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت (الأربعون النووية) "، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 11/1/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب "من هو الضيف الذي يجب إكرامه؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 11/1/2021. بتصرّف.
- ↑ "الترغيب في إكرام الجار والإحسان إليه"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 11/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:9
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:4889 ، صحيح.
- ^ أ ب "إكرام الضيف"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 12/1/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي ، في الجامع الصغير، عن وحشي بن حرب، الصفحة أو الرقم:168 ، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:5392، صحيح.