محتويات
آثار قوم عاد في الربع الخالي
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم قوم عاد ونبيه هود عليه السلام الذي دعاهم إلى عبادة الله، كما أنه ذكر مكان إقامتهم باسم سورة من القرآن الكريم ألا وهي سورة الأحقاف، والأحقاف هي ما استطال واعوجّ من الرمل العظيم، ولا يبلغ أن يكون جبلًا، وتشمل منطقة الأحقاف الجزء الجنوبي من الربع الخالي، إذ تجمع مناطق من اليمن وعُمان والسعودية والإمارات، وتعدّ إرم المدينة التي بناها وسكنها قوم عاد، كما أنها المدينة المذكورة في القرآن الكريم، وتقع في الجزء العُماني من الأحقاف؛ بسبب تجمّع المياه التي تُعد أبرز معايير بناء الحضارات والمدن قديمًا، وقد وصف الله تعالى مدينتهم بأنّها مليئة بالجنان والعيون.[١]
وبدأ الكشف عن بعض الآثار الخاصة بقوم عاد في عام 1991م، ومنها؛ قلعة لها ثمانية أضلاع، وجدرانها سميكة، وتوجد أبراج في زواياها وأعمدة ضخمة ارتفاعها يقترب من التسعة أمتار وقطرها يبلغ ثلاثة أمتار، إذ قد ذكر الله تعالى أنّ إرم مدينة ذات أعمدة ضخمة، وتبين الاكتشافات الحديثة أنّ مدينة إرم كانت حضارة لا تماثلها حضارة أخرى في زمانها، إذ تنتشر فيها الأنهار والعيون والبساتين كأنّها جنةٌ في قلب الصحراء، وهي مدينة تُعمّرها القصور والحصون الضخمة، ويظهر أنها دُفنت بسبب عاصفة رملية قوية للغاية غير طبيعية،[٢]قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ*إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ}[٣].
دعوة نبي الله هود لقوم عاد
أعاد قوم عاد عبادة الأوثان إلى الأرض بعد أن طهّرها الله تعالى من المشركين من قوم نوح عليه السلام، إذ أصبحوا يعودون للأصنام ويتوسّلون إليها، ويطلبون رضاها، ويقصدونها في حاجاتهم، فبعث الله تعالى نبيّه هود، وقد اختاره لكونه أحسنهم أخلاقًا، وأوسطهم نسبًا، فدعاهم إلى توحيد الله سبحانه، وترك ما أشركوا معه من أوثان، كما بيّن لهم سوء عملهم وعاقبته إن استمرّوا عليه، لكنّهم قابلوه بالتكذيب والافتراء، فجادلهم فأحسن الحديث معهم، وذكّرهم بأنّهم قد جاؤوا بعد هلاك قوم نوح بسبب تكذيبهم وكفرهم، وخوّفهم من أن يكون مآلهم ما حصل مع من قبلهم، قال الله تعالى على لسان هود: {أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[٤]، فكان من شدّة كفر قومه أن سخروا منه، وزعموا أنّ به سفاهة، قال الله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[٥].[٦]
قابل هودٌ عليه السلام استهزاء قومه واتّهامهم له بالحكمة والموعظة الحسنة، كما أنه جادلهم بالعقل والمنطق، قال الله تعالى: {قال يا قومِ ليسَ بي سفاهةٌ ولكنِّي رسولٌ مِنْ ربِّ العالمينَ* أُبَلِّغُكُم رسالاتِ ربي وأناْ لكُم ناصِحٌ أمينٌ}[٧]، أي إنّني ما جئتكم بالتوحيد لسفاهةٍ مني، ولكنّي حقًا مرسلٌ من رب العالمين، أبلغكم رسالة الله كما وصلتني، ثم كان من حسن مجادلته لقومه أن أخبرهم أنه ما من حِكمة في العجب أن من أُرسل إليهم نبي بشر منهم يأكل ويشرب، لكنه كان كلما أتى لهم بحجة قابلوه بمزيدٍ من الكفر والجحود،[٦]ولقد كان من افترائهم أيضًا أن زعموا أن نبيهم ما أتاهم بمعجزة أو بينةٍ على نبوته، وهذا كذب وافتراء، فقد قال الله تعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ}[٨]، ففي الآية الكريمة تأكيد أنه قد جاءتهم البينات من الله تعالى، ولقد ذكر بعض العلماء أنّ آية سيدنا هود عليه السلام أنّه كان نبيًا واحدًا بين كل هذه القرى المكذّبة، ولقد تحدّاهم مرارًا وتكرارًا، قال الله تعالى: {فَكيدوني جَميعًا ثُمَّ لا تُنظِرونِ}[٩]، لكنّهم على الرغم من كل قوتهم وعظمتهم ما استطاعوا أن يظهروا عليه فيقتلوه، إذ قد حماه الله تعالى من شرهم وبطشهم، فكانت هذه آيته الذي ذكرها بعض المفسّرين.[١٠]
عذاب قوم عاد
سخر قوم عاد من نبيهم ودعوته، فظلموا الضعيف بتجبّرهم من بعد أن رزقهم الله تعالى الخيرات والعيون وزادهم بالأموال والبنين، وعاندوا ربهم فأتاهم عذابه بمختلف الأصناف والأشكال، فقد أمسك عنهم المطر حتّى قحلت الأرض، فلمّا رأوا سحابةً استبشروا بها الخير لكنها كانت عذابًا من الله، إذ هي ريح ستهلكهم، وقد سلّطها عليهم ربنا جل جلاله مدة سبع ليال وثمانية أيام لم تنقطع لحظةً، وما كان فيها خير ولا بركة، وكانت تحمل منهم الرجل ثمّ تُنكسه فينفصل رأسه عن جسده، وهذا جزاء من عاث في الأرض فسادًا،[١١]ومن صفات الريح التي أُهلك بها قوم عاد أنّها باردةٌ جدًا، وذات سرعة كبيرة، فهي قادرة على نزع البشر والشجر والحيوان وحملهم، وقد استمرت الريح 180 ساعةً، ويُعتقد أنّها عاصفة رملية ضخمة دمرت كل ما كان أمامها، وأغرقت المدينة وعيونها وجنانها بالرمال.[١]
دروس قصة قوم عاد
تتعدد الدروس والعبر المستفادة من قصة قوم عاد مع نبي الله هود عليه السلام، كما لا يمكن حصر هذه الدروس لقلة ما لدينا من معلومات عن ما سبق من الأقوام، وفيما يأتي ذكرها:[١٢]
- ضرورة التوكل على الله عز وجل واللجوء إليه، فهذا ما فعله النبي هود عليه السلام عندما رأى من قومه تكذيبهم ومعاداتهم له، كما أنه لم يكن له طاقة بهم، ففوّض أمره إلى الله عز وجل، وطلب منه النصر والعون والتأييد.
- قد يتأخر نصر الله عز وجل وتأييده للمؤمنين الصالحين، ولكنّ ذلك لا يكون إلا لحكمة أرادها سبحانه، ثمّ يأتي نصره في الوقت المناسب.
- لا يهمل الله الظالمين أبدًا، بل إنّه يمهلهم ويستدرجهم ويبقى لهم بالمرصاد إلى أن يأخذهم فيهلكهم.
- النصر لا يأتي إلا مع الصبر والتأني، ولا بدَّ من عسر يسبق اليسر، وإذا شاء الله تعالى أن يبزغ الفجر لعباده المؤمنين فإنه يسبق ذلك بكرب شديد يلجؤون فيه إليه تبارك وتعالى.
- التوبة إلى الله تعالى واستغفاره عمّا اقترف الإنسان من آثام هو سبب رئيسي في استشعاره الأمن والرخاء.
- مهما علا الإنسان في قوّتهِ وجبروته لا يمكن أي يمنع أمر الله أو يؤخر أجله.
- طلب النصر والعون من الله تعالى هو نهج المرسلين عليهم السلام، فسيدنا هود عليه السلام عندما كذبه قومه طلب النصر من الله تعالى.
المراجع
- ^ أ ب الدكتور منصور العبادي أبو شريعة (18-6-2010)، "الأحقاف مساكن قوم عاد"، quran-m، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ قسطاس إبراهيم النعيمي (27-1-2013)، "مساكن قوم عاد"، jameataleman، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الفجر، آية: 8،7،6 .
- ↑ سورة الأعراف، آية: 69.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 66.
- ^ أ ب "نبي الله هود عليه السلام"، darulfatwa، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 68,67.
- ↑ سورة هود، آية: 59.
- ↑ سورة هود، آية: 55.
- ↑ "توضيح حول معجزة هود عليه السلام"، islamweb، 27-4-2011، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي (27-5-2017)، "قصة عاد في القرآن"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي (27-5-2017)، "قصة عاد في القرآن"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.