محتويات
من هم أصحاب الأعراف؟ وما سبب تسميتهم بذلك؟
أصحاب الأعراف هم أقوام استوت سيئاتهم وحسناتهم ويجلسون على مكان بين الجنة والنار واسم هذا المكان "الأعراف" ولهذا يُسمّون بأصحاب الأعراف، ومن هذا المكان والذي هو عبارة عن سور عالٍ له باب في باطنه الرحمة وفي ظاهره العذاب، ينظرون من خلاله على أهل الجنة وعلى أهل النار، وفي آخر المطاف يُدخلهم الله تعالى جنته ولا يُدخلهم النار. فقال الله تعالى فيهم: {وَبَينَهُما حِجابٌ وَعَلَى الأَعرافِ رِجالٌ يَعرِفونَ كُلًّا بِسيماهُم وَنادَوا أَصحابَ الجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيكُم لَم يَدخُلوها وَهُم يَطمَعونَ ﴿٤٦﴾ وَإِذا صُرِفَت أَبصارُهُم تِلقاءَ أَصحابِ النّارِ قالوا رَبَّنا لا تَجعَلنا مَعَ القَومِ الظّالِمينَ﴿٤٧﴾}[١]. وسبب أنهم لا يدخلون الجنة ولا النار أن سيئاتهم نجّتهم من النار وحسناتهم لم تكفِ لإدخالهم الجنة.[٢]
ذكر الله تعالى رجال الأعراف في القرآن الكريم، وسُمّيت باسمهم سورة من السور الطوال في القرآن الكريم وهي سورة الأعراف، ولرجال الأعراف صفات أخرى كثيرة تميّزهم وتجعلهم في هذه المكانة، لكن علماء الدّين اختلفوا في تعيين أصحاب الأعراف هؤلاء واختلفوا في صفاتهم، وبيّن الكثير منهم أقوالًا مُختلفة، فيما يلي بعضًا من تلك المعاني والصفات التي ستعرّفك عليهم أكثر:[٣]
- مساكين أهل الجنّة: قال بعض العلماء أنّ أصحاب الأعراف هم مساكين أهل الجنّة، وكان أصحاب هذا القول ابن مسعود وكعب الأحبار وابن عباس، وفي هذا المعنى قال الطبري عن ابن عباس أنه قال: "الأعراف سور بين الجنة والنار، وأصحاب الأعراف بذلك المكان، حتى إذا بدا لله – هكذا بالأصل – أن يعافيهم؛ انطلق بهم إلى نهر يقال له: الحياة، حافتاه قصب الذهب، مكلل باللؤلؤ، ترابه المسك؛ فألقوا فيه، حتى تصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، حتى إذا صلحت ألوانهم، أتى بهم الرحمن، فقال: تمنوا ما شئتم، قال: فيتمنون، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرة، فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، يسمون مساكين الجنة".
- هم قومٌ صالحون، علماء وفقهاء: وهذا ما قاله مُجاهد، وهي صفات مدح، أمّا ابن عبّاس فقال أنّهم كانوا شاكين في الرّزق، وهذه بالتأكيد صفة ذمّ، وبالتالي قال ابن كثير أنّ هذا الوصف غريب جدًا.
- هم الشُهداء: وهو ما قاله المهدوي، وعَزَاه الشوكاني إلى القشيري وشرحبيل بن سعد.
- هم فُضلاء المؤمنين والشُهداء: وهم الذين فرغوا من شغلهم بأنفسهم، وتفرّغوا كي يُطالعوا أحوال النّاس من حولهم، وهو ما قاله أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الكريم القشيري، وعزاه الشوكاني إلى مجاهد.
- هم المستشهدين في سبيل الله، الذين خرجوا عصاة لآبائهم: وهو ما قاله شرحبيل بن سعد، وقال الرازي إن قول الأعراف جاء من أنهم يعرفون أهل الجنة وأهل النار، ويمكن نسبه إلى المكان العالي وهو السور الموجود بين الجنة والنار
- عدّة رجال: وهم علي بن أبي طالب، والعباس، وحمزة، وجعفر ذو الجناحين، إذ يعرفون مُحبّيهم ببياض الوجوه، ومُبغضهم بسواد الوجوه، وهذا ما قاله الثعلبي عن ابن عباس، لكن هذا القول مُرجّح أن يكون من أقوال أهل الشيعة.
- هم عدول القيامة: وهم الذين يشهدون على النّاس في أعمالهم، وهم موجودين في كل أمّة، وهذا ما قاله ذكره الزهراوي، واختاره النحاس.
- هم قومٌ أنبياء: وهو ما قاله الزجّاج، ومعناه أنّهم سيكونون على أعلى السّور ليميزهم الله تعالى لأنّهم شهدائه على الأمم، وهذا ما قاله الرّازي.
- قومٌ آخرين: وهم الأشخاص الذين كانت لهم صغائر في الدُنيا، ولم تُكفَّر عنهم بالآلام والمصائب؛ فوُقفوا ولم يدخلوا النار، وليست لهم كبائر؛ فيُحبسون عن الجنّة لينالهم الغم، وهو ما قاله ابن عطية القاضي أبو محمد في تفسيره.
- هم أصحاب الذنوب الكبار: وهم أصحاب الذنوب الكِبار من أهم القِبلة، وهو ما قاله ابن عبّاس.
- هم أولاد الزّنا: وهو ما قاله أبو نصر القشيري عن ابن عباس.
- إنهم ملائكة: قيل إنّهم ملائكة موكّلون بالسّور، يُميّزون المؤمنين من الكافرين قبل إدخالهم الجنّة والنّار، وهذا ما قاله أبو مجلز لاحق بن حميد، فقيل له: لا يقال للملائكة رجال، فقال: إنهم ذكور وليسوا بإناث، فلا يبعد إيقاع لفظ الرجال عليهم كما وضع على الجن في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ}[٤].
- هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم: فوُقفوا ليقضي الله بحكمهم ويُدخلهم الجنّة برحمته، وهذا ما قاله ابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، والشعبي، والضحاك، وسعيد بن جبير.
- هم مؤمنوا الجن: وهو ما قاله محمد رشيد رضا.
- هم قومٌ عليهم ديون: وهو ما قاله مسلم بن يسار.
- أولاد المشركين الذين ماتوا قبل سن التكليف.
- أهل العجب بأنفسهم، وهو ما قاله الحسن.
- آخر من يفصل الله بينهم، وهم عتقاؤه من النار. وفي النهاية، ورغم اختلاف المعاني والأقوال، إلا أنّ تفسير ابن كثير قريب جدًا من اجتماع الآراء، وهو أنّ أصحاب الأعراف هم قومٌ تساوت حسناتهم وسيّئاتهم.
ما ورد في القرآن الكريم بشأن أصحاب الأعراف
جاء ذِكر أصحاب الأعراف في القرآن الكريم في سورة الأعراف وسورة الحديد، وجاءت تسمية سورة الأعراف بهذا الاسم نسبةً للأعراف هؤلاء، كما اختصّت بعض آياتها بذكر "الأعراف" في عدّة مواضع، فيما يلي جميع الآيات التي نصّت على أصحاب الأعراف وما يشملهم من معلومات:[٥]
- قال تعالى: {وَبَينَهُما حِجابٌ وَعَلَى الأَعرافِ رِجالٌ يَعرِفونَ كُلًّا بِسيماهُم وَنادَوا أَصحابَ الجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيكُم لَم يَدخُلوها وَهُم يَطمَعونَ}[٦]، وهو نداء أصحاب الأعراف لأهل الجنّة في الآخرة، وبيّنت الآية أنّ الأعراف لم يدخلوا الجنّة ويطمعون بدخولها.
- قال تعالى: {وَنادى أَصحابُ الأَعرافِ رِجالًا يَعرِفونَهُم بِسيماهُم قالوا ما أَغنى عَنكُم جَمعُكُم وَما كُنتُم تَستَكبِرونَ ﴿٤٨﴾أَهـؤُلاءِ الَّذينَ أَقسَمتُم لا يَنالُهُمُ اللَّـهُ بِرَحمَةٍ ادخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوفٌ عَلَيكُم وَلا أَنتُم تَحزَنونَ ﴿٤٩﴾}[٧]، وفي الجزء الأول من الآية، تُبيّن لنا أنّ أصحاب الأعراف يُنادون رجالًا يعرفونهم في الدنيا كانوا كُفّارًا يصدُون عن سبيل الله.
- قال تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ}[٨]، وبينهم أي بين الجنة والنار، والحجاب هو السور المرتفع بينهما.
قد يُهِمُّكَ: تعريف بسورة الأعراف
تُعد سورة الأعراف من السور الطِوال، وهي سورة مكيّة ما عدا آياتها المُمتدة من 163-170 فهي آيات مدنية، كما يبلغ عدد آياتها 206، نزلت سورة الأعراف لتوضّح من هم أصحاب الأعراف، الذين كان الرأي الرّاجح من قبل علماء الدّين على أنهم هُم من استوت سيئاتهم وحسناتهم كما ذكرنا، وظلّوا موقوفين على سور الأعراف حتّى يقضي الله تعالى بأمرهم، سورة الأعراف هي السورة السابعة في القرآن الكريم وجاءت بعد سورة "ص" وتبدأ بحروف مُقطعة وهي "المص"، تُعد سورة الأعراف أوّل سورة نزلت لتُفصّل قصص الأنبياء، ومُهمّتها هي تقرير أصول الدعوة الإسلامية من توحيد الله عزّ وجلّ، وتقرير البعث والجزاء، وتقرير الوحي والرسالة، وهو هدفها الموحّد كباقي أهداف السور المكيّة.[٩] بدأ الله تعالى هذه الصورة لإثبات صدق الكتاب وختمها بقوله: {إِنَّ الَّذينَ عِندَ رَبِّكَ لا يَستَكبِرونَ عَن عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحونَهُ وَلَهُ يَسجُدونَ}[١٠] وختمها جل جلاله بسجدة، وآية السجدة في سورة الأعراف هي أول سجدة في القرآن الكريم.[٥]
المراجع
- ↑ سورة الاعراف، آية:46-47
- ↑ "من هم أصحاب الأعراف ؟ وما مصيرهم في آخر الأمر ؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 12/1/2021. بتصرّف.
- ↑ "الخلاف في تعيين أصحاب الأعراف"، الدرر السُنيّة، اطّلع عليه بتاريخ 11/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الجن، آية:6
- ^ أ ب "تأملا ت في سورة الأعراف"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 11/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:46
- ↑ سورة الأعراف، آية:48-49
- ↑ سورة الحديد، آية:13
- ↑ "سورة الأَعْرَاف 7/114"، القرآن الاكتروني، اطّلع عليه بتاريخ 11/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:206