محتويات
الوسواس القهري
يعد الوسواس القهري الفكري نمطًا من الأفكار والمخاوف (الوساوس) التي تدفع المريض إلى فعل تصرفات وسلوكيات تتسم بالتكرار (السلوك القهري)، وتتداخل هذه الوساوس والسلوكات القهرية مع حياة المريض الطبيعية وتؤثر عليها سلبًا، وفي بعض الأحيان يحاول الشخص تجنب تلك الوساوس أو عدم التفكير بها، بيد أن الأمر يسبب له ضيقًا وانزعاجًا كبيرين، وفي الغالب يرتبط الوسواس القهري بحالات معينة مثل الخوف من التلوث بالجراثيم؛ فيندفع المرء إلى غسل يديه مرارًا وتكرارًا طوال اليوم، وعمومًا تتضمن أعراض الوساوس التي يمكن أن يعاني منها المريض؛ القلق الدائم من الجراثيم، والشكوك الدائمة حول غلق الأبواب، والشعور بضيق شديد عند رؤية بعض الأشياء غير المنظمة مثل الكتب على الطاولة، وتجنب بعض الحالات التي تثير الوساوس في نفس الشخص مثل المصافحة، أما أعراض السلوكيات القهرية فتشمل الغسل والتنظيف الدائمين، والحرص المبالغ فيه على ترتيب المنزل، واتباع روتين صارم.[١]
علاج الوسواس القهري الفكري
تكمن الخطوة الأولى لعلاج اضطراب الوسواس القهري باستشارة الطبيب لتحديد ما إذا كانت الأعراض ناجمة عن مرض جسدي أم لا، فإذا تبيّن أنها ليست كذلك، يوصي الطبيب حينئذٍ بضرورة استشارة الطبيب النفسي لبدء خطوات العلاج هناك، وفي معظم الحالات يكون الجمع بين العلاج الدوائي ووسائل العلاج الحديثة هو الحلّ الأنسب للتخلص من الوسواس القهري.[٢]
ومن الممكن أن لا يعالج الوسواس القهري تمامًا، إلا أنّه يمكن السيطرة على أعراض المرض حتى لا تؤثر سلبًا على الحياة الطبيعية للشخص، وفي بعض الأحيان يتطلب الأمر خضوع المريض إلى علاج دائم طوال حياته، وتتضمن علاجات الوسواس القهري الفكري ما يلي:[٣][٢]
- العلاج السّلوكي المعرفي CBT: وهو من أبرز الخطط العلاجية للوسواس القهري الفكري، وفيه يعلم الطبيب المصاب كيفية التعامل والتعرف على الأفكار السلبية أو غير المرغوب بها أثناء تجربتها وإعادة تشكيلها لتتسبب بمضاعفات أقل، ويشمل العلاج النفسي نظام التعرض والوقاية من الاستجابة؛ وينضوي هذا العلاج تحت خانة العلاج السلوكي المعرفي، ويقوم على تعريض المرء إلى الأشياء والأمور التي تثير الوساوس والمخاوف والقلق لديه، وهكذا يستطيع المريض تعلم طرق وأساليب جديدة عوضًا عن التصرفات والسلوكيات المعتادة والمتكررة، ويمكن علاج التعرض ومنع الاستجابة ERP إما مع الطبيب النفسي وحده، وإما مع مجموعة من الأفراد ضمن ما يعرف بالعلاج الجماعي، ويُمكن تفسير العلاج بأنّ المصاب يُعرّض نفسه ببطء وبأمان للمواقف المحتملة والتي تسبب الوساوس، ومن ثمّ كيفية التعامل معها، والهدف من ذلك تعليم المصاب كيفية معالجة الهواجس والوساوس دون اللجوء إلى الإكراه، ويمنح العلاج السّلوكي أساليب للتفكير والتصرف وتجاوز العادات غير الصحية واستبدال الأفكار الإيجابية بالأفكار السلبية.
- العلاجات الدوائية: يجد بعض المصابين بأنّ العلاج النفسي وحده قادر على تخفيف أعراض الوسواس القهري الفكري لديهم، لكنّ بعضهم الآخر يميل إلى العلاج الدّوائي، علمًا بأنّ الطبيب قد يجمع بين الخيارين العلاجيين كونهما أكثر فعالية،[١] وتتضمن الأدوية المعالجة للوسواس القهري مضادات الاكتئاب بما فيها أدوية الكلوميبرامين، والفلوكستين، والباروكستين، والسيرترالين، ويناقش الطبيب مع المصاب عدّة نواحٍ قبل اختيار الدواء، وعمومًا قد يجرب الطبيب عدّة أدوية للعثور على الدواء الفعّال بما يتناسب مع الأعراض الظاهرة، وقد يستغرق الأمر فترة تتراوح ما بين أسابيع وشهور، وعلى الرغم من أنّ مضادات الاكتئاب آمنة الاستخدام بصورة عامة، إلا أنّه ينطوي تناولها على بعض التأثيرات الجانبية؛ مثل جفاف الفم والغثيان والأفكار الانتحارية، إذ تشير إدارة الغذاء والدّواء إلى أنّ مضادات الاكتئاب قد تزيد من احتمالية التفكير بالانتحار وخاصة إذا كان المصاب دون عمر 25 عامًا أو من الأطفال، ومن الضروري إبلاغ الطبيب عن أيّ أدوية مستخدمة، فقد تتعارض مضادات الاكتئاب مع بعض أنواع الأدوية أو المكملات الغذائية، ولا تعد مضادات الاكتئاب مسببة للإدمان، لكن يمكن للجسم أن يتعوّد عليها وهذا يختلف عن الإدمان، لذا فإنّ التوقف عن استخدام مضادات الاكتئاب فجأة ودون استشارة الطبيب قد يتسبب بإظهار مجموعة من الأعراض الانسحابية والتي تسمى أحيانًا متلازمة التوقف.
من جهة أخرى قد لا تستجيب حالات اضطراب الوسواس القهري إلى الأدوية أو الوسائل العلاجية الأخرى، وهنا يحتمل أن يجرب المريض وسائل علاجية تجريبية قد تفيد في علاج أعراض الوسواس القهري مثل: [٢]
- التجارب السريرية: تفيد هذه التجارب في اختبار مجموعة من الأبحاث حول بعض العلاجات الجديدة.
- التحفيز العميق للدماغ: يقوم هذا العلاج على زراعة أقطاب كهربائية جراحيًا في دماغ الإنسان للتأثير على المواد الكيميائية والإشارات الكهربائية هناك.
- العلاج بالصدمة الكهربائية: يتعرض المريض هنا إلى صدمات كهربائية بهدف تحفيز الدماغ إلى إفراز مجموعة من الهرمونات مثل السيروتونين.
أسباب الوسواس القهري الفكري
على الرغم من وجود الكثير من الدّراسات حول الوسواس القهري الفكري، إلا أنّ الأطباء لم يحددوا أسبابه تحديدًا واضحًا، ويعدّ هذا الاضطراب شائعًا بين الرجال والنساء، كما يمكن أن يصيب الأطفال، وعادة ما يصيب الأطفال الذكور أكثر من الإناث، وقد يحدث الوسواس القهري الفكري نتيجة مزيج من العوامل، والتي تتضمن ما يلي:[٤]
- الأسباب الوراثية: يمكن أن يعد الوسواس القهري الفكري اضطرابًا عائليًا؛ إذ إنّ الأشخاص الذين لديهم أفراد في العائلة قد أصيبوا بهذا المرض فإنهم يكونون أكثر عرضة للإصابة به، وتشير الدراسات إلى أنّ الوسواس القهري قادر على الانتقال بالوراثة بصورة معتدلة؛ إذ تساهم العوامل الوراثية بما يتراوح بين 27-47% في إظهار أعراض الوسواس القهري الفكري، ومع ذلك لم يتمكن العلماء من تحديد الجين المسؤول عن توارث الوسواس القهري.
- العوامل المناعية: من الممكن أن يكون الوسواس القهري ناتجًا عن عدوى المكورات العقدية والتي تسبب التهابًا وخللًا، وفي الأعوام الأخيرة ربطت بعض العوامل الممرضة بالوسواس القهري الفكري كالبكتيريا المسؤولة عن مرض لايم وفيروس الإنفلونزا H1N1.
- الأسباب السلوكية: تشير الدراسات إلى أنّ الأشخاص المصابين بالوسواس القهري الفكري يرتبطون بمواقف معيّنة يكون فيها المصاب خائفًا، وعليه فإنّه يتجنب ممارسة طقوس معيّنة ويبتعد عن العامل المسبب للخوف كبدء عمل جديد أو انتهاء علاقة أو التعرف على أشخاص جدد، وبمجرد أن يخاف المصاب بالوسواس القهري فإنّه سيتجنب المواقف بدلًا من التغلب على الخوف والتوتر.
- الأسباب المعرفية: تربط الأسباب السلوكية بين كيفية ربط المصاب بالوسواس القهري الفكري والعامل المسبب، أما الأسباب المعرفية فتركّز على كيفية إساءة فهم الأشخاص المصابين بالوسواس القهري الفكري، وعادةً ما تكون أفكار المصابين بالوسواس القهري مبالغًا فيها، وعلى سبيل المثال قد يكون لدى الشخص الذي يرعى طفلًا رضيعًا بعض الخوف من أن يؤذيه، أما المصاب بالوسواس القهري فيتعرض لضغط شديد وتفكير دائم متعمد في إيذاء الطفل إما عن طريق الخطأ أو العمد.
- الأسباب العصبية: أشار الباحثون إلى أنّ بعض مناطق الدّماغ تختلف لدى المصابين بالوسواس القهري الفكري على عكس الأشخاص غير المصابين، وعلى الرغم من هذا الاستنتاج لم يحدد الأطباء سببًا واضحًا لهذا الاختلاف، وقد تلعب الاختلالات في المواد الكيميائية للدماغ كالسيروتونين والغلوتامات دورًا رئيسيًا في الوسواس القهري الفكري.
- الأسباب البيئية: من الممكن أن تكون الضغوطات البيئية محفّزًا للوسواس القهري الفكري كإصابات الدماغ المؤلمة وتحديدًا الأطفال؛ إذ أشارت دراسة إلى أنّ 30% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6-18 عامًا وقد عانوا من مرض السل ظهرت لديهم أعراض الإصابة بالوسواس القهري في غضون عام واحد من الإصابة، كما أنّ الضغوطات النفسية والحياتية والأشخاص الذين يتعرضون لصدمات أكثر عرضة للإصابة بالمرض.
أعراض الوسواس القهري الفكري
يصاب مرضى الوسواس القهري الفكري بأعراض الوسوسة والتصرفات القهرية أحدهما أو كلاهما، وقد تؤثر تلك الأعراض سلبًا على نواحٍ مختلفة في حياة المريض، سواء في العمل أم الدراسة أم العلاقات الشخصية، وتعرف أعراض الوسوسة بأنها عبارة عن أفكار متكررة أو تخيلات ذهنية مسببة للقلق والمخاوف عند المريض، وتشمل مثلًا الخوف من الجراثيم أو التلوث، والتفكير بأفكار محرّمة وخارجة عن المألوف حول الدين والجنس وأذية النفس أو الآخرين، والتفكير العدواني تجاه الآخرين أو النفس والسعي الدائم لترتيب الأغراض والأشياء ترتيبًا مثاليًا، أما السلوكيات القهرية فهي تشير إلى حاجة المريض الدائمة للقيام بتصرفات معينة استجابة للوساوس التي تنتابه، وتشمل أعراضها الشائعة التنظيف المفرط للجسم واليدين، وترتيب أغراض المنزل بطريقة محددة ودقيقة جدًا، والتحقق المستمر من الأشياء؛ مثل التحقق من إغلاق باب المنزل أو الفرن أو البراد. [٥]
تشخيص الوسواس القهري الفكري
أفاد تقرير سابق صادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2001 بأن هذا المرض كان ضمن أكثر 20 مسببًا للإعاقة المرتبطة بالأمراض حول العالم، لا سيما بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15-44 عامًا، وأشار التقرير ذاته إلى أن اضطراب الوسواس القهري كان في المرتبة الرابعة ضمن أكثر الأمراض النفسية شيوعًا بعد الرهاب وإدمان المخدرات والاكتئاب الشديد.[٦]
تتعدد أنواع الوسواس القهري وتتسبب بإظهار مجموعة متنوعة من الأعراض التي تختلف من شخص لآخر، لكن جميعها تكون خارجة عن إرادة المصاب؛ أيّ لا يمكنه التحكم بها وتحول دون ممارسة نشاطاته الحياتية الطبيعية، وعادةً ما يشخّص الأطباء الوسواس القهري الفكري من خلال الفحوصات التالية:[٧]
- الفحص البدني ومعاينة الأعراض الظاهرة.
- التحدث مع المصاب عن المشاعر والأفكار والعادات.
- إجراء فحص الدّم.
المراجع
- ^ أ ب staff mayo clinic (2016-9-17), "Obsessive-compulsive disorder (OCD)"، mayoclinic, Retrieved 2020-1-9. Edited.
- ^ أ ب ت "What Are the Treatments for OCD?", webmd, Retrieved 2019-5-7. Edited.
- ↑ Crystal Raypole (2019-5-31), "Understanding Obsessive-Compulsive Disorder (OCD)"، healthline, Retrieved 2020-1-9. Edited.
- ↑ Hannah Nichols (2018-1-18), "What is obsessive-compulsive disorder?"، medicalnewstoday, Retrieved 2020-1-9. Edited.
- ↑ "Obsessive-Compulsive Disorder", nimh, Retrieved 2019-5-7. Edited.
- ↑ Hannah Nichols (2018-1-18), "What is obsessive-compulsive disorder?"، medicalnewstoday, Retrieved 2019-5-7. Edited.
- ↑ Smitha Bhandari, MD (2019-11-24), "Obsessive-Compulsive Disorder (OCD)"، webmd, Retrieved 2020-1-9. Edited.