السيدة خديجة رضي الله عنها
هي السيدة خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية، وُلدت في مكة عام (68 ق.م/ 556م) وتُوفيت في (3 ق.م/620م)، وهي رضي الله عنها أم المؤمنين وأولى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أم أبنائه جميعًا، ما عدا ابنه إبراهيم، كان زواجها من النبي عليه الصلاة والسلام في الفترة الواقعة قبل البعثة، لتعتني به أشد الاعتناء؛ فقد كانت تُجهز له مُؤونته التي يحتاجها في خلوته عند اعتكافه وتعبّده في غار حراء، وكانت رضي الله عنها أول من دخل الإسلام؛ فعندما أنزل الله الوحي على النبي عليه الصلاة والسلام كانت أول الناس تصديقًا له فيما حَدَث، لتأخذه إلى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي علم أن ما حدث هو بشارة له بأنه نبي الأُمّة، لتكون هي أول من آمن فيه من الرجال والنساء، كما لُقبت بالطاهرة وعُرفت بهذا اللقب قبل مجيء الإسلام، إذ اكتسبته لقاء نشأتها وترعرعها في بيت أقل ما يوصف بأنه بيت جَاهٍ ووجاهة، وطهارة، فصبرت واصطبرت مع الرسول الكريم عندما اعترضه أهل قريش وكذبوه، وبطشوا به هو ومن آمن معه من أهله وأصحابه.
أما عن زواجها بسيد الخلق سيدنا محمد فكان عندما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم من العمر خمسة وعشرين عامًا؛ خرج إلى الشام في تجارة للسيدة خديجة مع غلامها ميسرة، فكان لرحلتهما أن ربحت أضعاف ما كانا يربحان، لِتُسرّ السيدة خديجة بذلك، وتقع في نفسها محبته، فحدثت نفسها بالزواج منه، لما رأت فيه من أمانة وصدق، وأخبرت نيتها لصديقتها المقربة نفيسة أخت الصحابي يعلى بن أمية، لتتولى بدورها ترتيب الأمر.
صفات السيدة خديجة رضي الله عنها
كانت أم المؤمنين رضوان الله عليها شريفة قريش، تنحدر من أعرق بيوتها نسبًا، وحسبًا، وشرفًا؛ وكانت ذات مال، تُدير تجارة رابحة، لها من النجابة والفطنة حصة كبيرة، وفيها العقل الرجيح والحزم، وذات حصافة وعفة وطهارة، ولها فضل ومكانة عظيمة في الإسلام، فهي خير نساء الأمة على الإطلاق. ومن صفاتها:
- الفراسة ونفاذ البصيرة: وتتجسد هذه الصفات فيها لاختيارها النبي محمد عليه الصلاة والسلام ليكون زوجها وشريكها لما رأت فيه من كمال الأخلاق، فكان خير زوج وخير مؤتَمن.
- أول مؤمنة في الإسلام: فقد كانت حاضرة عند نزول الوحي قرآنًا وتكليفًا، وكانت موجودة حين نزل الوحي جبريل على النبي ليعلمه الوضوء والصلاة؛ فصلت معه في اليوم نفسه لتكون أول من توضأ وصلى، وأول من آمن من المؤمنين، وأول من ثبت.
- الحكمة ورجاحة العقل وسداد الرأي: فقد كانت ذات حكمة وذكاء؛ ويتضح ذلك جليًا من موقفها عندما رجع اليها النبي عليه الصلاة والسلام من غار حراء مرتعشًا مرددًا عبارته: (زملوني، زملوني)، فسارعت إليه، وطمأنت قلبه وذكرته بصفاته الطيبة التي يحملها كصلة الرحم والصدق والوقوف مع الحق، لتكون صاحبة أثر عظيم في تثبيته والربط على قلبه.
- الصبر وقوة التحمل: ويظهر ذلك عندما تحملت المرض والجوع مع النبي الكريم دون إبداء أي تذمر، تاركة أهلها بني أسد ذوي القوة والمنعة، ومحتسبة صبرها وتعبها في سبيل الله تعالى.
وفاة السيدة خديجة
عندما وقع حصار قريش على بني هاشم وبني المطلب في شِعب أبي طالب، التحقت السيدة خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين هناك مدة ثلاث سنين، وبعد انتهاء الحصار مرضت، وتوفيت عن عمر الخامسة والستين، لتكون مدة إقامتها مع الرسول عليه والصلاة والسلام أربعًا وعشرين سنة وستة أشهر، ودُفنت بالحجون (مقبرة المعلاة)، وتوفي عم النبي أبو طالب بن عبد المطلب قبل السيدة خديجة بثلاثة أيام؛ ليكون عامًا عصيبًا على نبي الله محمد، سمي هذا العام بـ"عام الحزن".
حظيت أم المؤمنين بمنزلة عظيمة في الإسلام؛ فقد روى أبو هريرة: "قال رسول الله: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد"، [خلاصة حكم المحدث: روي من طرق صحيحة]، وأتى جبرائيل إلى النبي مرة فقال: "يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها عزّ وجل ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نَصَب"، [خلاصة حكم المحدث: صحيح].